الخط العربي والتعبير عن قضايا الجسد.. بين العنف والفكرة تتفجر جماليات المواقف البصرية
كتبت.. بشرى بن فاطمة
يعتبر الخط العربي هندسة روحية لها آلياتها وطرق التعبير التي تمكنها من أن تخترق الصور بفكرة معاصرة تجيد مخاطبة الواقع والوجود والانطلاق منه نحو العمق التعبيري.
فالعلاقة القائمة بين الخط الحرف والانسان علاقة توافق روحية عقلانية نفسية واقعية اجتماعية تعكس الانتماء وتعكس أيضا التوافق الذي يدمج الانسان مع الخط، فالجسد مادة تحمل العقل والروح الوعي والادراك وبالتالي تحتوي هذا الخط والحرف وتوظفه حسب مدركاتها وأحاسيسها وتعبيراتها..
ومن خلال الفن التشكيلي المعاصر تحول الجسد إلى حامل للخط كعنصر توظيفي مكمل للفكرة ومعبر عن رمزياتها باختلاف المفهوم والمعنى بين الغموض والوضوح، فالجسد استطاع أن ينصهر مع حركة الفن التشكيلي ويتحول دوره من عنصر إلى فاعل وكذلك الحرف العربي تحوّل إلى كيان تمكّن من الاندماج مع الفكرة وحضورها القائم على الرمز والدلالة وبالتالي فإن توظيف الحرف العربي والخط أصبح تفردا ميز الحركة التشكيلية المعاصرة حيث انفتح على تجاربها الشرقية والغربية، وبالتالي انفلت الحرف من الكلاسيكية نحو التحرر المتناغم جماليا مع الفضاء المكتمل بالفكرة والموقف والرؤية والجمالية
فقد أصبح الحرف والخط العربي عنصرا من عناصر التعبير الحديثة عن القضايا الإنسانية التي تمس الفرد كذات وروح والمجتمع كانتماء وهوية وبالتالي أصبح يخضع لمقومات التشكيل التي حولته إلى صورة تعبيرية خرجت به من كلاسيكياته التراثية الى المستوى الأوسع في التعبير الحداثي فالكثير من التجارب أخضعت الحرف إلى مستويات تعبيرية متنوعة وحوّلته إلى فكرة مستقلة في حد ذاتها بدلالات ثنائية نذكر تجربة التشكيلي علي حسون الذي اختار التعبير بالحرف عن الجسد الهوية، وتجربة خالد ترقلي أبو الهول الجسد المرأة القضية ثم تجربة عدنان المصري الجسد المقاومة، وبالتالي اختلاف المفاهيم نوّع التقنية وأسس لمجاز رمزي جمالي بالخط والحرف.
فمن خلال هذه التجارب خُلقت علاقة بين الجسد والعقل والنفس والطبيعة والروح وهذه العلاقة حاكت الواقع والمجتمع من خلال التفاعل الذاتي معها
أما في تجربة التشكيلي السوري التركي خالد ترقلي أبو الهول فالحرف له ميزة دلالتها الجسد والحياة المرأة والأنوثة صدامات القضية الوجود والانتماء فهو يوظف الحرف ليعبر عن المرأة في قضايا العنف والجسد والمجتمع والحضارة.
فالحرف العربي هو الخط الأول للحضارة للغة المقدس وللسلطة السياسية والاجتماعية والنفسية التي يسلطها مجازا أبو الهول على الجسد لتثير كل الجغرافيا المقصودة أنثى الحضور وجسد الغياب والتغييب والقمع والعنف.
وفي تجربة التشكيلي اللبناني عدنان المصري الحرف والخط العربي يذهب نحو فضاءات حسية وجدانية واعية بدورها في خلق توازن بين الجسد والروح في فعل المقاومة بأسلوب تعبيري يسمو بتلك الروح ويرتقي بالفكرة فقد عبر من خلال الدمج بين التشكيل والخط العربي عن المقاومة عن الحق والانسان عن الأمان والسلام.
فالحروف تتوارى وتتفجر تتبعثر وتخترق المجاز لتترك للمتلقي فرصة الفهم ودمج أحاسيسه بالذكرى التي تخلق المعنى الماورائي للصورة بعيدا عن الكلاسيكيات التي تتماثل مع الحرف العربي في المنجز العام سواء كان الحرف يعني جملا أو بيت شعر ففي تجربة المصري يتفاعل مفهوم التكرار ليؤكد التوازن الوجداني في البحث عن الذات في الأرض مثلا في كلمة “سلام” أو حرف واحد يتكرر مع صورة مقاوم تتشكل الصورة بين البعثرة المقصودة لمحاورة الحواس البصرية المخزنة في المعنى الأبعد التي تتجادل في عمق اللوحة فتحدث حركية أشبه بذلك البحث والنبش في التراب عن حجر يثبت الانتماء بحواس ساطعة ومشرقة في المعاني التشكيلية والدلالات البصرية
*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections
الأعمال الخاصة بالفنان التشكيلي علي حسون