الحسين مروة شيخ الشهداء و مفكر التجديد الديني
اخترقت رصاصات غادرة من مسدس كاتم الصوت من قوى معادية للحرية والديمقراطية، الجسد النحيف للمفكر اللبناني الاصيل الحسين مروة، ذات يوم من شهر فبراير من سنة 1987 بمنزله بلبنان ، مستهدفة اسكات صوت تنويري تثويري للفكر والوعي الى الابد ، لكن اين لها ان تسكت فكرا تعمق في الجذور واصبح منهج تفكير في اصقاع الارض ؟
لم يراع قتلته سنه كشيخ كبير السن ولا رمزيته كمفكر موسوعي اعطى للمكتبة الاسلامية اعمال بحثية عميقة وجريئة في التراث الاسلامي وفي النقد الادبي والكتابة الاعلامية المتميزة، لذلك حق تسميته بمبدع التجديد الديني في التراث الاسلامي الذي ندر جزءا كبيرا من حياته من اجل التنقيب عن النزعات المادية في مشروعه الكبير- النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية- حسين مروة كان مفكرا تنويريا بامتياز وعنوان النضال من اجل تحرير العقول والنفوس من الخرافة والوعي التضليلي .
اغتالوه لانه كان يقول بان لبنان والعالم الثالث عموما لا يمكن ان يتحرر الا بتحرير عقل الشعوب من الاساطير المؤسسة للفكر السياسي والتي تأخذ لبوسا دينية او طائفية لتخفي مصالح او نزعات مادية لقوى مسيطرة تسعى لتأبيد ما لايمكن ان يتأبد ،اذا ما استفاقت الشعوب من سباتها وناضلت من اجل تحرر عقولها واوطانها ، هذه هي رسالة المفكر حسين مروة التي استشهد من اجلها وفقد الجسم الفكري والتنويري والثوري في العالم الثالث مفكرا تثويريا للفكر والوجدان ، ولكن فكره لن يموت لانه فكر اصيل و راهن مع وجود واستمرار الظلم والغبن وانتشار الطائفية السياسية بلبوس ديني و توهج حركات الاسلام السياسي التي تستمر في استثمار الدين لتحريف وعي الناس والهاء الشعوب بصراع مع السماء بعدما كان من المفروض والضروري ان يجب توجيه نضال الشعوب وعقولها نحو الارض والسماء معا.
ان كتب ونضال حسين مروة و مجايليه من الكتاب والمثقفين والمفكرين ، هم الاجدر ان يقولوا للاجيال السابقة والحالية، ولاجيال كثيرة تأتي : كيف كان حسين مروة يمارس مسؤولياته كانسان ومفكر وسياسي ومناضل على قدر سواء ، دون اجحاف بحق جانب منه لحساب جانب آخر .. ولكي نقرب القارئ الكريم من شخصية وفكر هذا العملاق الفكري والاخلاقي نورد بعض اراء وافكار بعض المفكرين الكبار الذي عرفوا الرجل عن قرب وعاصروه و ناقشوه في افكاره ومشاريعه الفكرية بعمق و جدية وحب عميق للرجل ولفكره .
1-نبذة موجزة عن المفكر الشهيد حسين مروة :
قال عنه الدكتور الاردني شاكر النابلسي في كتابه الفكر العربي في القرن العشرين الجزء الثاني ص 695 : مروة،حسين : مفكر وباحث وناقد واكاديمي ماركسي لبناني معاصر .قتلته الجماعات الاسلامية.من كتبه : النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية،تراثنا كيف نعرفه،عناوين جديدة لوجوه قديمة،وغيرها.
قال عنه ناشر كتابه النزعات المادية (دار الفارابي في طبعة جديدة وأنيقة من اربعة اجزاء) ما يلي :
ولد حسين مروة عام 1910 (حسب الهوية ، ويرجح انه ولد عام 1908) في قرية “حداثا” قضاء “بنت جبيل” في جنوب لبنان ،اخذ دراسته الاولى في بنت جبيل والنبطية.
عام 1924 سافر الى العراق ليتلقى العلوم الدينية واللغة العربية وادابها ، في جامعة النجف الاشرف ، وانهى دراسته عام 1938.
عام 1948 ،شارك، عمليا واعلاميا وادبيا ، في احداث الوثية الشعبية الوطنية العراقية التي اسقطت معاهدة “بورتسموت” البريطانية الاستعمارية مع حكومة العهد الملكي أنذاك .وعندما حدثت الردة الرجعية وأعيد “رجل الانجليز في العراق” نوري السعيد الى الحكم في ماي 1949 ، اصدر قرارا بإبعاد حسين مروة من العراق ، فعاد الى وطنه لبنان في يونيو 1949.
في لبنان بدأ يكتب زاويته اليومية المشهورة مع القافلة في جريدة الحياة واسهم في تأسيس مجلة “الثقافة الوطنية” اليسارية وفي تحريرها منذ العام 1952 الى احتجابها. كمجلة ادبية فكرية عام 1959 وشارك في تحرير مجلة “الطريق” منذ الخمسينات ، واخذ يشرف على تحريرها منذ أواخر الستينات وحتى يوم استشهاده ، شارك ايضا في تحرير صحف “النداء” و”الاخبار”.
مؤلفاته على التوالي : “مع القافلة” (مقالات) 1952- “قضايا ادبية” (دراسات في النقد الادبي) 1956-“الثورة العراقية” (دراسة في التاريخ الحديث )1985 –”دراسات نقدية في ضوء المنهج النقدي (نقد ادبي) –”النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية” (عمل تاسيسي في مجال الدراسة الماركسية للتراث الفلسفي العربي، جزءان1978) –دراسات في الاسلام بالاشتراك مع محمود امين العالم / محمد دكروب وسمير سعد)1978 –في التراث والشريعة 1983-عناوين جديدة لوجوه قديمة 1984-تراثنا ..كيف نعرفه؟ 1986-دراسات في الفكر والأدب صدر بعد اغتياله سنة 1993.
استشهد حسين مروة اغتيالا في منزله يوم 17 فبراير 1987 وله من العمر 79 سنة.
قال الشهيد حسين مروة عن حياته في مجلة الطريق عدد مزدوج يونيو 1984 ص 172 “عدد خاص عن مئوية كارل ماركس) :
“هذه كبرى المفارقات في حياتي ..
رحلت الى النجف صغيرا، لكن الحلم الذي رحل معي كان كبيرا كبيرا …والمفارقة هنا ان الحلم هذا لم يستطع ان يعيش معي في النجف طويلا..لماذا؟
-الف سبب وسبب يمكن ان يقدم لي نفسه بهذه المناسبة ، فأتعرفه ، واعرفه جيدا، لكن السبب الحقيقي ، المباشر او غير المباشر ، هو الوحيد الذي اجهله منذ البدء ، ولا ازال.
ان أصير “شيخا” مهيبا مرموقا ، كوالدي ..
ذلك كان حلمي الاول .سبق كل احلامي ،سبق حتى احلام طفولتي ، وحين بدأت تتدفق بها ذاتي اخذ يحتويها جميعا، او هو اخذ يلتهمها جميعا بشراسة…
كان الوصول الى الكتب والصحف الدورية الصادرة من مختلف البلدان العربية وعن مصر ولبنان بخاصة،متيسرا بالنجف أي خارج “اسوار” المحيط الدراسي الديني …كان يتوافر لنا هناك ان نقرا كتابات المفكرين والعلماء والمبدعين من رجال القرن التاسع عشر والثلث الاول فما فوق من القرن العشرين..مادة القراءة “المحرمة” علينا انذاك كانت من الغزارة بحيث يضيق وقتنا عن استيعابها…كنت أقرا الادب الرومانسي مع الفكر العلمي مع الكتابات العلمية الخالصة، مع البحث الاجتماعي : نظريا وميدانيا ..وذاكرتي للعهد الاول من هذه المرحلة تحتفظ باسماء اعلام وكتب ومجلات لايزال لها وهجها الخاص عندي ، رغم مسافة ما بيني وبينها الآن..ذلك الوهج النفاذ الذي علمني كثيرا ومهد لي الطريق الى ماركس ، ثم وصل بي الى ماركس…اول لقاء لي مع اسم ماركس حصل سنة 1926 ..لكن ماركس هذا الذي التقيته عند انطوان فرح -صاحب رواية الدين والعلم والمال- لم استقبله بارتياح ولم اشعر انه سيخرجني من بلبلة المفاهيم المختلطة للاشتراكية…لكن رغم هذه الهواجس المقلقة ، وقع في نفسي ان ماركس هذا لابد له شان عظيم في القضية التي يتحدثون عنها كثيرا باسم الاشتراكية..لكن ، كيف سأصل الى صاحب هذا الشأن العظيم بصورته الحقيقية دون الصورة المضطربة هذه؟ بدءا من هذا السؤال ، بدأت ادخل في العلاقة السليمة مع ماركس ومن هنا بدأ ماركس يدخل حياتي ومازال في النجف…لكن ماركس الماركسي تأخر عني وصوله بضع سنين بعد اللقاء الاول …حاولت الوصول الى ماركس الماركسي بوساطة راس المال غير ان نتاج المحاولة كان ضئيلا…اما الانتماء الفكري فلم يحتاج عندي الى ارادة مباشرة في زمن مباشر ..فهو جاءني بالارادة البطيئة الخفية ، والتراكمات المعرفية الهادئة ،بالتحولات الكيانية السرية..كان الانتماء الفكري يتكون في داخلي مع تكوين اصوله الثوابت: “الاتجاهات المادية الهلامية في تفكيري قبل التقائي نص ماركس او انجلز او لينين.. اما مسالة الانتماء العضوي “الحزبي” فهي وحدها كانت العقدة..لقد تأخر عني هذا الانتماء ، او تاخرت عنه ..رغم ان الناس كانوا يستعجلوني اليه ، كانوا يستبقون الى تسميتي “شيوعيا” قبل ان اكون شيوعيا.))
هكذا تحدث الشهيد حسين مروة عن حياته الاولى في النجف والظروف الفكرية التي ادت به الى لقاء ماركس وتغيير منظومته الفكرية راسا على عقب من طالب ينحدر من اسرة متدينة متشبعة بالفكر الاسلامي الى طالب عاشق لكتابات الماركسيين و العلمانيين والمتنورين.
2-اراء بعض المفكرين عن الشهيد حسين مروة :
• الدكتور حليم اليازجي : مجلة الاداب يناير سنة 1988
“ان قراءة الدكتور حسين مروة في أي من الموضوعات الفكرية التي تناولها تضع قارئه امام صورة الثقافة العميقة التي تميزت به اعماله سواء كان الموضوع ادبا ام نقدا للادب او سيرة او ما يشبه الترجمة والسيرة ، ولا فرق بين في ذلك بين ما اتخذ شكل مقالة او مؤلف او قضايا في التراث فلسفة واجتماعا وتاريخا او شكل معالجات حية للاحداث المعاشة…هو الرجل العالم الزاهد في كل شئ ، ماعدا نشدان الحقيقة التي يتحرر لها الانسان من الجهل،وما يستتبع الجهل من نزوة الوهم العابث لجمع الثروات على حساب فقر اخيه الانسان ، وهو مادعت اليه الاديان في جوهر تعاليمها، والدكتور مروة عندما حول مساره من طالب للعلوم الدينية الى متعمق بقوانين المادية فانه في الواقع لم ينتقل من جوهر خلقي انساني الى جوهر مغاير بل استبدل اداة باداة يستقيم معها تحقيق جوهر ما نشدته الانسانية في جوهر طموحاتها عبر العصور.ان الدكتور مروة صاحب المنهج التاريخي في دراسته التراث، كان فيلسوفا حقا بمقدار ما كان مؤرخا للفلسفة،وهو اذ انطلق في تثويره لتراثنا القديم من مقدمات ثورية معاصرة قوامها فلسفة حركة التحرر الوطني حافظ على موضوعيته التاريخية في ملاحقته للفكر العربي في مراحل ازدهاره ظل ملتزما بالثوابت، ثوابت النضال الطبقي وثوابت اتصال هذا النضال تاريخيا بسلاحي المادية، سلاح الطبقات المعارضة او الدنيا وسلاح المثالية اللاهوتية لفئة الحكام…الدكتور مروة كمناضل ومفكر اغنى تراثنا عندما ثوره على ضوء منهجه التاريخي منطلقا من الحاضر ، ولا مبالغة في القول انه اغنى الحاضر بما قدمه من استنارات حادة وعرضه المستفيض والعميق لجوانب الماضي .وكان بحق الشخص والظاهرة الذي حمل بامانة متطلبات حركة التحرر الوطني، وكان كتابه النزعات المادية “اسهاما جديدا في توطيد المفاهيم التراثية التي تضيء الروح الكفاحية لشعبنا في سبيل التحرر الوطني الاجتماعي في مختلف اقطاره وكسلاح فكري بوجه العملية الرجعية التي تجري منذ زمن بعيد في حقل التراث الفكري العربي لطمس الوجه التاريخي الصحيح لهذا التراث قصد العمل لاستمرارية الارتباط بين حاضرنا والفكر المتخلف من ماضينا البعيد.))
• الدكتور فالح عبد الجبار : مجلة الاداب البروتية سنة 1988 ص 65 :
“ابتداء ينبغي تثبيت عهد وفاء لذكرى المفكر التنويري العملاق ، الشهيد مروة ، ان لا تمر الجريمة بلا عقاب .لقد اعلنت السلفية ، في رعبها من حضور العقل ، ان الجهل هو المعرفة الوحيدة الممكنة والمسموحة ، وان الالتفات الى الماضي هو احسن لرؤية الحاضر، باختصار رمت السلفية بقفاز التحدي ، وينبغي لكل مثقف متنور ان يقبل الرهان .ففي المعركة لا يخسر الفكر غير قيوده… تكتسي الفرضيات التي طرحها مروة في مبادرته الريادية (نقد ونقض التراث) اهمية راهنة. فالتاريخ ، بتفسيره الراهن ، ليس محايدا.انه جزء من الصراع الفكري الدائر..
اولا : ان الدين الجديد من حيث مضمونه الاجتماعي والايماني (كما يقول مروة) يحمل صفة تاريخية تعبر عن اشكال الوعي الانساني الممكن بلوغها في تلكم الفترة. ان التاكيد على الطابع التاريخي (هذا الحكم يشمل ايضا العناصر العقلانية واللاعقلانية في كل تراثنا) مسالة بالغة الاهمية لدحض السلفية التي ترى الى الماضي كسكون، كلحظة ثابتة يمكن اعادة انتاجها في “المستقبل” كما انها مسألة هامة في نقد القبول المطلق بالعناصر العقلانية للتراث ، دون اعتبار لطابعها التاريخي ، وكون العقلانية تتجلى باشكال تاريخية،انتقالية،تطورية.فما من احد اليوم ، مثلا، يقبل باعادة انتاج”المادية” بصيغتها اليونانية القديمة، او بصورتها “الميكانيكية” (مادية القرن الثامن عشر) نعني ان الافكار ليست تقدمية بصورة مطلقة ، دائما وابدا ، فهي تقدمية في طور تاريخي محدد.
ثانيا:ان تشريعات الاسلام الاولى وبخاصة الابقاء على العلاقات العبودية ، والحفاظ على الملكية الخاصة(بشكلها التاريخي عهد ذاك) هي كما يقول مروة ، انعكاس للواقع الاجتماعي ، وان مسعى تخفيف الشقاء المادي في تلك الحقبة (تحريم الربا والاحتقار،فرض الضرائب على الاغنياء) اتجاه تاريخي لم يقتصر على مجتمع الجزيرة.فقد شهدت مجتمعات اخرى(لم يظهر فيها انبياء او مرسلون) تحريما للربا والاحتكار.
ثالثا : ان العوامل التاريخية التي جعلت المسيحية (مثلا) دين الدولة ، (نشوء الدين المسيحي في مجتمع انجز انتقاله من المشاعية وبرزت فيه الدولة) فيما جعلت الاسلام دولة دينية ، ان هذه الشروط التاريخية ، التي يتناول مروة جانبها الثاني هي جزء هام من المعركة الدائرة اليوم مع التيار السلفي الذي يرى ان المخرج من ازمة التطور الراسمالي التابع(التي لا يدرك جوهرها المادي) يكون بالانتقال من الاسلام كدين للدولة الى دولة دينية ، اي باختصار اقامة دولة ثيوقراطية ، تسبغ على حكم طبقة معينة ، طابعا مقدسا غير قابل للمس.
• الدكتور علي سعد : مجلة الاداب العدد الثاني سنة 1988 ص 54:
“وحسين مروة اثبت في كل كتاباته انه المقاتل الاكثر توقدا وحماسة وثباتا وشمول ثقافة وعمق رؤية ونفاذ بصيرة وقدرة تعبيرية على الجبهة العريضة التي تتصدى لكل القوى التي تعيق تقدم الانسان .وهي القوى التي تنضوي تحت اسماء وتوجهات متنوعة، المثالية والرجعية والسلفية واللاعقلانية والعبثية والفاشية ، وغيرها من نزعات وعقائد تتلاقى في محصلاتها الاخيرة على التقليل من دور العقل في معركة الوجود ومن قدرة العلم على خدمة تقدم العقل البشري …لقد استطاع حسين مروة ان يقارع بشجاعة ودراية كل هذه النزعات الفاعلة والعقائد دون كلل او ملل ، على امتداد حياته الفاعلة ، وان يعري ، بذكاء مسلح بالمعرفة العميقة وبالاداء التعبيري الرائع ، زيف مرتكزاتها الفكرية وخطر مفاهيمها.وقد قام بهذه المهمة دون خوف او وجل ، ومع وعيه الكامل لما يمكن ان تجره عليه محاولاته التصدي لكل هذه المفاهيم المتجذرة في غياهب التخلف او المرتهنة لقوى عدوانية متنوعة ، من اخطار جسيمة على حريته وحياته.
وانا الذي اتيح لي ان اقترب من حسين مروة ،بفعل روابط صداقة ترقى الى بداية الخمسينات لم تفتني ملاحظة الشمائل والصفات الخلقية المدهشة التي اشار اليها الكثيرون ممن كتبوا عنه،وخاصة صفات الوداعة وروح الود والكياسة في التعامل مع الاخرين، وحتى الذين كان يخالفهم الراي…واول ما يلفت النظر عندما تلتقي مع حسين مروة هو شعورك بتواضعه الجم وابتعاده الدائم عن اظهار الشموخ ، ان في جلسته او في طلته ، وتحاشيه الحديث عن نفسه والتفاخر بشئ من مواقفه او اكتشافاته الفكرية، وميله الغالب الى الصمت وتحدثه بصوت منخفض يغلب عليه التردد ..فقد ظل رحمه الله ، حتى مشارف الثمانين، وكأنه يقف من الاشياء والناس موقف طالب العلم المتلهف للمعرفة.وقد يكون هذا النهم للمعرفة والفرح الطفولي باكتشاف ثمرات عقول الاخرين ، دون شعور بعائق يعوقه عن الوصول اليها، هذا النهم والفرح اللذان لازماه الى اخريات ايامه وتعمقا بصورة مطردة في نفسه ، هما اللذان عناهما شهيدنا الكبير عندما صرح في حديثه الصحفي للشاعر عباس بيضون :(ولدت شيخا واموت طفلا).
• الدكتور اسعد دياب : مجلة الطريق العدد الثاني السنة 56 سنة 1997 ص 7:
لقد اعلى حسين مروة بفكره ونضاله مداميك عمره طبقة طبقة، فاستقام البناء وتماسك بحيث عرفناه شابا بعد ان تجاوز السبعين، وشهدناه،وها نحن نشهد من جديد لقامته الرفيعة المنصوبة بكامل علوها العلمي والخلقي. وتأخذك المقدمات التي وضعها لاهم مؤلفاته الى تواضع يتاخم الخفر،فهو يصف دراساته النقدية بانها “محاولات متواضعة ارجو أن تنال شرف كونها بحثا عن الحقيقة، وشرف كونها لبنة صغيرة في بناء نهضة نقدية منهجية في بلادي” ثم يكتب في مقدمته لمؤلفه الجليل “النزعات المادية في الفكر العربي الاسلامي” “ليس لدى مؤلف هذا الكتاب ادنى وهم بأنه سيقدم الدراسة المطلوبة بشروطها الكاملة، او بالاهم من شروطها ،فان ذلك عسير المنال على جهد فردي ، حتى في حالة اكتمال العدة لمثل هذا الجهد” مثل هذا التواضع العلمي يجلسنا في حضور انسان ينكر على نفسه ليعلن في لحظة الانجاز محدودية الجهد ، وهو لعمري جهد كبير حقا قياسا الى عمر رجل فرد ، وما كان لهذا الجزء ان ينجز في كل حال لو لم يكن الرجل من الصديقين الذين يمارسون في يومياتهم حياة القناعة المادية حتى التقشف ، والتطلب العلمي حتى النهم….وتبقى كلمات مؤلفاتك خضراء تورق وتزهر في ربيع دائم..”
• الدكتور جميل قاسم :مجلة دراسات عربية العدد ¾ السنة35 يناير فبراير 1999:
“الكتابة عن حسين مروة ، في الذكرى العاشرة لاغتياله “كتب المقال سنة 1997″ وهي قبل وبعد أي اعتبار ، اعتراف باسهامه،كشاهد وشهيد ،في الفكر العربي المعاصر والحديث ، من وجهة نظر تقدمية وتحررية وديموقراطية.غير ان الاحتفاء النقدي بالمفكرين الافذاذ لا يجب ان يقتصر على التقريظ والتمجيد السياسي و الايديولوجي .من هنا تقتضي المراجعة العلمية تقديم النقد ، والمقاربة النقدية ، على الدعاية .ولاسيما اذا كان المفكر صاحب مشروع فكري وفلسفي كبير مثل النزعات المادية في الفلسفة العربية-الاسلامية لا يحتاج اصلا الى دعاية بقدر حاجته الماسة الى المراجعة لاية معايير وقوانين ومبادئ وقواعد وغايات حتمية وخطية وضرورية ومتعالية، وذلك كله انطلاقا من النص والاثر المدروس.”
3- في سبيل الختم :
انما نريد من هذه المقالة المتواضعة امام قامة معرفية وفكرية كبيرة من حجم الشهيد حسين مروة، ان نقدم للأجيال المقبلة والحالية من الشباب ، مفكر ثوري ناضل من اجل الكلمة الحرة وعمل جاهدا على فتح ورش مستغلق و كبير هو ورش تنقية التراث الاسلامي وتمحيصه بمنظور مادي جدلي ولم يكن غاية المقال التطرق لمجمل افكاره او ابداعاته لانها كثيرة وغنية ومتشعبة ، بل سعينا الى الاكتفاء بتقديم المفكر حسين مروة و التعريف به ، لقد كان هما دائما لدى الرجل ، على امتداد حياته السياسية ، ان يرى تراثنا الاسلامي كرافعة لتطورنا وتحررنا من اسار التخلف والاسطرة و الاستغلال ، وكان الشهيد حسين مروة نصيرا للمظلومين و رفيق للمعذبين في الارض بلغة فرانز فانون ، لكن ايادي الارهاب الاثمة اغتالته ، لكنها لن تغتال فكره ابدا.