الجيش الباكستاني شديد الثراء بينما الشعب لا يجد قوت يومه
رصدت صحيفة “فورين بوليسي” الأمريكية المفارقة التي تعيشها باكستان هذه الأيام، بين حالة الثراء التي يعيشها الجنرالات في البلاد وبقية طبقات الشعب التي تعاني أزمة اقتصادية طاحنة، في الوقت الذي لا يجرؤ فيه أحد من أفراد الشعب على انتقاد ذلك الأمر أو الحديث عنه.
وقالت المجلة الأمريكية إن باكستان تحتفل، السبت 23 مارس 2019، بيوم الجمهورية بـ «الحماسة والحميّة» ذاتهما كما هو الحال كل عام. وكما هو معتاد، سوف يخرج الجيش الباكستاني بقوته كاملة، في عروض عسكرية مشتركة بين الجيش والقوات الجوية والبحرية. وسوف تشمل هذه المسيرات التفاخرية عرضاً لنظام الصواريخ الباكستاني القادر على حمل أسلحة نووية، وعرضاً جوياً، وتحيات بالمدافع لكبار الشخصيات المحلية والدولية الحاضرة في هذه المناسبة.
دائماً ما تُبَث هذه العروض الفخمة مباشرة على قنوات التلفاز المحلي، على خلفية جلبة الأغاني الدعائية الجديدة التي أنتجها الجناح الإعلامي للجيش خصوصاً لهذه المناسبة. ومن النادر أن يعترض الجمهور على هذه العروض المسرحية، لكنَّ هذا الاعتراض صار أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
ليس كل شيء على ما يرام
وبحسب المجلة الأمريكية، فإن باكستان تمر باضطراباتٍ مالية خطيرة. وقد قطع رئيس الوزراء، عمران خان، أرجاء المعمورة، على مدار الأشهر القليلة الماضية، بحثاً عن مساعدات لدعم الاقتصاد، بل إنه أقر، قبل إحدى الرحلات الأخيرة، بأنَّ البلاد في أمسّ الحاجة إلى المال الأجنبي. وفي غضون ذلك، ينهمك وزير مالية البلاد، أسد عمر، في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي على حزمة إنقاذ جديدة، وقد كانت باكستان في رعاية صندوق النقد الدولي لـ22 عاماً خلال السنوات الـ30 الأخيرة. وبلغ التضخم أعلى مستوى له منذ 4 سنوات، إذ تجاوزت نسبته 8%، وتعتقد إسلام آباد أنَّه من الممكن أن يرتفع إلى أكثر من ذلك.
وعلى الرغم من أنَّ المشاكل الاقتصادية الأخيرة في باكستان مثيرة للقلق، فقد واجهت البلاد ضغوطاً مماثلة لسنوات. إذ يعيش ثلث السكان تحت خط الفقر،واحتلت باكستان المركز الـ150 من بين 189 دولة في آخر مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة. ويبلغ الدَّين الوطني نحو 100 مليار دولار، في حين أنَّ احتياطاتها من النقد الأجنبي تبلغ 15 مليار دولار فحسب. وانخفضت قيمة الروبية الباكستانية، التي تعد واحدة من أسوأ العملات أداءً في آسيا، بنسبة 31% منذ عام 2017.
ومع ذلك، فربما يعتقد أي شخص يشاهد العرض العسكري في 23 مارس/آذار 2019، أنَّ كل شيء على ما يرام. ويقيناً، لن يتكون لديه الانطباع بأنَّ الجيش، في الواقع، وراء كثير من المشكلات الاقتصادية في البلاد؛ ذلك أنَّ الجيش هو أكبرعبء اقتصادي في البلاد، بعد مدفوعات الديون. وبالفعل، يذهب أكثر من 20% من الميزانية السنوية رسمياً إلى الجيش، لكنَّ القوات المسلحة كانت تضغط من أجل المزيد كل عام. ففي دورة الميزانية الأخيرة فحسب، فاز الجيش بزيادة بنسبة 20% في مخصصاته السنوية. والإنفاق الفعلي للجيش أكثر حتى من ذلك، لكنَّه مخفي من خلال نقل بعض النفقات إلى بنود أخرى في الميزانية. ولا يناقش البرلمان بجديةٍ ميزانية الجيش، ولا يُخضع نفقاته للمراجعة. وعلى النقيض من ذلك، تنفق البلاد أقل من 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والرعاية الصحية، وهي نسبة أقل بكثير من المتوسط الإقليمي، بحسب المجلة الأمريكية.
ويحمي الجيش نفسه بشكل أساسي من خلال إبقاء التهديد الهندي حياً. فالجارتان النوويتان في نزاع منذ تقسيم جنوب آسيا عام 1947. وقد خاض الجيش 4 حروب، ثلاث منها حول وادي كشمير. وتجنبت باكستان، في السنوات الأخيرة، الحرب المباشرة، ربما لأنها خسرت جميع الحروب السابقة. لكنها تعتمد على مجموعات مسلحة متمركزة في باكستان، للإبقاء على التوترات حية. وقد قدم شهرفبراير/شباط 2019، لمحةً عن مثل هذه الديناميكيات التي يجري تطبيقها. وفي المقابل، يحصل الجيش الباكستاني على العذر المثالي للعبء الضخم الذي يمثله على اقتصاد البلاد. وكذا فإنَّ الجيش يخلق الطلب على خدماته، مثل إتاوات الحماية التي تفرضها المافيا، بحسب المجلة الأمريكية.
الإمبراطورية التجارية للجيش
لكن ليست ميزانية الجيش وحدها هي ما يلتهم موارد البلاد التي حكمها الجيش مباشرة نصف فترة وجودها البالغة 72 عاماً. فإمبراطورية القوات المسلحة اليوم قد توسعت إلى أبعد من دورها التقليدي في مجال الأمن. إذ يدير الجيش نحو 50 كياناً تجارياً. وحققت الذراع التجارية الأساسية للجيش، مؤسسة فوجي (Fauji Foundation)، نمواً هائلاً. وبحسب وكالة Bloomberg الأمريكية، فقد نمت أصول «فوجي» بنسبة 78% بين عامي 2011 و2015، وتحظى بدخل سنوي يزيد على 1.5 مليار دولار. ولهذه المنظمة المدعومة من الجيش حصص في صناعات العقارات والغذاء والاتصالات.
ويبدو أنَّ الجناح التجاري للجيش يتوسع بشكل أكبر حتى في ظل حكومة خان. ويزعم منتقدو خان أنَّ الجيش قد دعم ترشحه، وفي المقابل يحظى الجيش الآن بالحرية لفعل ما يشاء. وثمة كثير من الأدلة التي تدعم مثل هذه المزاعم.
إذ ذكرت وكالة Reuters مؤخراً، أنَّ الجيش الباكستاني ينتقل إلى صناعة مربحة أخرى، وهي صناعة التعدين والتنقيب عن النفط. وقيل إنَّ حكومة خان تسهل هذه الترتيبات من خلال منح الجيش معاملة تفضيلية في أثناء المفاوضات.
إلغاء التعديل الدستوري
وفي غضون ذلك، يبدو أنَّ الجيش ماضٍ في طريقه لإلغاء التعديل الدستوري لعام 2010، الذي خصص مزيداً من الأموال لاستخدام الحكومة المحلية، ليقلص بذلك الميزانية المتاحة للحكومة المركزية، ومن ثم يحد من الإنفاق العسكري. وقد كانت حكومة الرئيس آصف علي زرداري قادرة على المضي قدماً في هذا التعديل، لأنَّ ذكرى الحكم العسكري في ظل الجنرال برويز مشرف كانت ما تزال حاضرة. إذ كان قد أطيح به قبل ذلك بـ20 شهراً فحسب.
ومنذ تلك الأيام، يبدو أنَّ نفوذ الجيش يتسلل عائداً إلى الواجهة، وهو يريد إنهاء تعديل يراه عائقاً أمام التوسع في ميزانية الجيش، بل إنَّ رئيس أركان الجيش، الجنرال قمر جاويد باجوا، انتقد علناً، في مارس من العام الماضي (2018)، تعديل 2010، وقد نشرت وسائل الإعلام المحلية انتقاده على نطاق واسع. حتى إنه ألقى باللائمة على هذا التعديل لمشكلات البلاد المالية. والآن، يكرر أعضاء الحزب الحاكم مخاوف مشابهة.
وينبغي أن تدرك إسلام آباد أنَّه كلما توسعت ميزانية الجيش، ازدادت صعوبة إعادة هذه المؤسسة إلى دور أكثر ملاءمة ومحدودية في البلاد. وبدلاً من العروض العسكرية مثل عرض يوم 23 مارس، الذي يقر مزيداً من العسكرة، ينبغي لصانعي السياسات في البلاد أن يستغلوا فرصة ذلك اليوم للتفكير في سبب بقاء باكستان فقيرة، في الوقت الذي تزداد فيه قواتها المسلحة ثراءً، بحسب المجلة الأمريكية.
ليس ثمة وقت أفضل لبعض التأمل من يوم الجمهورية، وهو اليوم الذي مرر فيه مؤسسو باكستان قراراً يطالب بالاستقلال عن الهند الواقعة تحت السيطرة البريطانية. فبعد ذلك اليوم بـ72 عاماً، أصبحت البلاد التي حصلت على حريتها من سادتها الاستعماريين رهينة في يد جيشها. إنَّ الطريق للاستقلال والتقدم الحقيقيين يكمن في التنمية الاقتصادية السلمية، لا من خلال اقتصاد أزمنة الحرب الدائمة.