الجيش الإسرائيلي: فرصة نادرة للتوصل إلى تسوية بعيدة المدى مع حماس
بعد عشرة أيام على انتهاء جولة القتال الأخيرة في غزة ضد الجهاد الإسلامي، يشخص الجيش الإسرائيلي فرصة نادرة للتقدم. إن تصفية إسرائيل لناشط الجهاد بهاء أبو العطا أزاحت عن الطريق التهديد الرئيسي للهدوء في القطاع في السنة الأخيرة، في الوقت الذي تظهر فيه قيادة حماس في القطاع برئاسة يحيى السنوار اهتماماً كبيراً بالتوصل إلى تسوية بعيدة المدى.
تؤيد هيئة الأركان تقديم تسهيلات بعيدة المدى في القطاع مقابل ضمان الهدوء. القرار النهائي يوجد في أيدي المستوى السياسي الغارق في أزمة سياسية وقانونية حول قرار تقديم ثلاث لوائح اتهام ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والصعوبة في تشكيل حكومة جديدة. خلافاً للجيش، يطرح الشاباك موقفاً أكثر تحفظاً، حيث إن أساس الخلاف يتركز في مسألة هل يمكن السماح لآلاف آخرين من عمال القطاع بالعمل في إسرائيل، وفقاً لصحيفة “هآرتس” العبرية.
عملية “الجرف الصامد” في صيف 2014 انتهت بخيبة أمل عسكرية من ناحية إسرائيل، لكنها أثمرت فترة ثلاث سنوات ونصف تم فيها الحفاظ على الهدوء النسبي على حدود القطاع. مع ذلك، إن خوف حكومة نتنياهو من انتقاد سياسي في الداخل وأيضاً المفاوضات العالقة مع حماس على مصير الجثث والمفقودين الإسرائيليين في القطاع منعت التقدم نحو تسوية طويلة المدى. في نهاية آذار 2018 بسطت حماس رعايتها على المظاهرات على حدود القطاع، التي تدهورت بسرعة إلى مواجهات عنيفة حاول خلالها الكثير من المتظاهرين أن يقتحموا بالقوة الجدار وتم إطلاق النار عليهم من القناصة الإسرائيليين.
في تلك الأحداث التي جاء معظمها حول مظاهرات يوم الجمعة في القطاع، قتل أكثر من 300 فلسطيني وأصيب بضعة آلاف من جنود الجيش. وفي الوقت نفسه تسبب فلسطينيون بموجة من الحرائق في حقول غلاف غزة، بواسطة إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة. بعد ذلك كانت جولات تصعيد رافقها إطلاق مئات الصواريخ نحو إسرائيل. في جولة قتال ليومين في أيار الماضي قتل أربعة إسرائيليين مدنيين بسبب إطلاق الصواريخ والقذائف المضادة للدبابات من قبل حماس. في الجولة الأخيرة التي بدأت في 12 تشرين الثاني باغتيال أبو العطا قتل 35 فلسطينياً وتم إطلاق 500 صاروخ على إسرائيل.
ولكن النهاية السريعة للجولة الجديدة، بعد يومين، وضعت إسرائيل أمام فرصة نادرة للتقدم، وربما إصلاح ما ضاع قبل خمس سنوات بعد عملية الجرف الصامد. كان أبو العطا المسؤول عن 90 في المئة من أحداث إطلاق النار في السنة الأخيرة، وإن تصفيته أبقت الجهاد في موقف عسكري ضعيف، إلى جانب قتل نحو 20 ناشطاً في الذراع العسكري في القطاع. على هذه الخلفية اختارت قيادة الجهاد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بسرعة مع إسرائيل بعد 20 ساعة على بدء الإطلاق. من المتوقع أن يحتاج الجهاد الاسلامي إلى فترة لاستجماع قوته، وهكذا وجدت الفرصة لإعادته إلى مكانته الأصلية كفصيل ثانوي بالنسبة لحماس وليس كمن ينجح في إملاء سير التطورات مثلما حدث في السنة الأخيرة.
في المقابل، اتخذت حماس للمرة الأولى سياسية مختلفة في جوهرها عندما قررت عدم المشاركة بصورة فعالة في تبادل النار مع الجيش، باستثناء إطلاق صاروخين على بئر السبع بعد يومين من دخول وقف إطلاق النار إلى حيز التنفيذ، والذي اعتبره جهاز الأمن ضريبة كلامية لفكرة المقاومة العسكرية ضد إسرائيل. الجيش على قناعة بأن حماس تريد الآن التوقف عن المواجهات ومعنية بالتوصل إلى إنجازات اقتصادية مهمة. هكذا، نشأت ظروف جيدة للدفع قدماً بتسوية طويلة المدى. لقد أعطت حماس مرة أخرى إشارات بشأن نيتها القرار بعدم إجراء المظاهرات الأسبوعية في يومي الجمعة الأخيرين على طول الجدار.
يتوقع الجيش أنه يمكن وضع التسوية على مسار إيجابي بواسطة عدة تسهيلات أخرى في القطاع، منها بداية التخطيط لمشاريع كبيرة في البنى التحتية مثل تشغيل خط كهرباء آخر للقطاع، وإقامة منشأة لتحلية المياه، وإعدادات أولية لإعادة إنشاء منطقة صناعية في معبر كارني على حدود القطاع في جنوب سديروت. ويبدو أن الجيش أيضاً سيدعم توسيعاً كبيراً في عدد تصاريح العمال للقطاع من أجل العمل في مستوطنات الغلاف، وربما حتى في مناطق أخرى في إسرائيل.
تعتقد قيادة هيئة الأركان أنه بالإمكان ضمان رقابة أمنية وثيقة على العمال مثلما هي الحال الآن، على سبيل المثال، في المناطق الصناعية في المستوطنات في الضفة الغربية. أما الشاباك المستعد لفحص تسهيلات معينة في القطاع فيظهر خلال السنين معارضة شديدة لإدخال عدد أكبر من العمل بذريعة أن هذا الأمر قد يتسبب بالعمليات. وحسب ما نشرته “هآرتس” في تموز الماضي، فإن إسرائيل تسمح الآن بدخول نحو 500 رجل أعمال من القطاع للعمل في إسرائيل، لكن عدداً منهم يعملون بالفعل عمالاً في فرع البناء وفرع الزراعة.
وبعد التسهيلات، وقبل إنجاز المشاريع الكبيرة في مجال البنى التحتية في القطاع والتي يعتقد الفلسطينيون بأنها حيوية، ستكون حاجة إلى اشتراط حدوث تقدم آخر في التوصل إلى حل لمشكلة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين.
الجيش الإسرائيلي يستعد بشكل حثيث لإمكانية حدوث مواجهة قد تندلع في الجبهة الأكثر تهديداً بالنسبة له، وهي الجبهة الشمالية، أمام إيران ومبعوثيها. ويشخّص الجيش على خلفية هذه الاحتمالية وجود فرصة، ربما لا تتكرر، من أجل التوصل إلى عدة سنوات من الهدوء على حدود القطاع. هذا سيناريو متفائل جداً، لكنه ليس مستبعداً. وحماس، حسب معرفتنا، معنية بذلك. لهذا فإن تطبيقه متعلق بالأساس بقرارات المستوى السياسي في إسرائيل.