الجيش الإسرائيلي.. “التزام” بالقتل والوقاحة وغياب للضمير
3 مارس 2018 لم يكن يوماً إسرائيلياً استثنائياً في التاريخ الجغرافي لهذا المكان. معظم اليهود في إسرائيل لن يتذكروا بأن شيئاً ما استثنائياً حدث في ذاك اليوم. بدون صلة بالذاكرة أو غيابها، هذا اليوم يدلل، وربما أفضل من أي يوم آخر، على وجود شيء ما في هذا المكان يقتل روح الأشخاص الذين يعيشون فيه ويحولهم إلى روبوتات لها وعي مقلص وخاضع، وعي تتحدد آفاقه حسب المصالح السياسية السائدة.
في ذاك اليوم بدأت مسيرات العودة في قطاع غزة بإطارها الجديد: عشرات آلاف الفلسطينيين الذين اقتربوا من الجدار في احتجاج تاريخي على المظالم التي ارتكبتها الصهيونية ضدهم، بدءاً من النكبة وحتى الوقت الحالي. يمكن الافتراض أن بين المتظاهرين ثمة أشخاص من نشطاء حماس، لكن لم يتم إطلاق أي رصاصة من غزة على القوات الإسرائيلية، ولم يصب أي جندي أثناء نشاط المتظاهرين الفلسطينيين. رغم الطابع غير العنيف الواضح للاحتجاج الغزي، فإن الجيش رد بعنف شديد جداً – مئات الفلسطينيين أصيبوا بإطلاق النار وتم إحصاء 16 قتيلاً في الطرف الفلسطيني.
استمرت تلك المظاهرات على حدود القطاع. وبعد شهر ونصف، في 16 أبريل، قتل 61 فلسطينياً وأصيب أكثر من ألف شخص. خلال فترة المظاهرات العاصفة، استخدم الجيش القبضة الحديدية وإصبعاً خفيفة على الزناد: 187 فلسطينياً قتلوا حتى الآن في هذه المظاهرات، والآلاف أصيبوا نتيجة إطلاق النار الحي من قبل جنودنا. لذلك، لن نندهش: إسرائيل تتعامل مع الحياة والكرامة والممتلكات الفلسطينية باستخفاف، وبغطرسة شعب من السادة، منذ سنوات كثيرة. وقتل الفلسطينيين لا يعني الإسرائيليين كثيراً.
لكن الأمر المفاجئ والمسلي الذي حدث في 30 أبريل 2018 هو أنه نتيجة لإطلاق النار بهذا القدر الكبير على الناس لم يترك أي ضابط إسرائيل الجيش احتجاجاً على ذلك، ولم يترك أي جندي قناص وظيفته. في كل الجيش الإسرائيلي، وهو المنظمة التي تشمل مئات آلاف الأشخاص، لم يكن هناك أي شخص قال “لم أعد أحتمل إطلاق النار الجماعي على متظاهرين غير مسلحين”.
الغياب المطلق للمعارضة كان مخيباً للآمال ليس أقل من ذلك وربما أكثر من استعداد كثيرين للقيام بالفعل بأعمال وحشية وقاتلة كهذه. أحد الأشخاص القلائل، عميد منفرد، لو قام وانسحب بألم لأنقذ أرواحنا، لكن لم يعثر على أي شخص كهذا.
إسرائيل دولة الالتزام الرسمي الدائم الذي لم يحتج أي شخص ضد النظام أو يتنازل عن موقع قوة، وعن مزاياه باسم موقف ضميري. نذكر أن كانت هناك أيام مختلفة: في حرب لبنان، أكثر من ضابط رفضوا القيام بالمهمات. والمشهور من بينهم هو ايلي غيفع، قائد لواء 211 في المدرعات، الذي رفض الدخول إلى بيروت، وقال لرئيس الأركان في حينه إن “الدخول إلى بيروت فيه قتل لعائلات”. في إسرائيل الحالية يعدّ مكبس الوعي للصهيونية، الليكود والمستوطنين والحاخامات، ثقيلاً ومنغلقاً جداً، إلى درجة أن يمتنع أشخاص عن المس بالأبرياء. الصمت الخانق نفسه هو الروح الإسرائيلية في أيامنا، أيام موت الروح الفردية، ومن ثم موت الأخلاق. الصمت نفسه يرافق الدوائر التي تحافظ على عائلة نتنياهو وتخضع لكل نزواتها رغم أن إدانة أفعالها مفهومة ومعروفة لهم جيداً.
الصمت نفسه أيضاً رافق الشباب في قبرص، الذين لم يظهر أحد منهم الندم أو دعا أصدقاءه للتوقف أثناء الفعل. جميعهم، عن آخرهم، ذهبوا إلى الجرف واجتازوه. الأساس هو عدم كسر الصف والمبنى. أحد الأمور التي يحب الإسرائيليون أن يعتقدوها عن أنفسهم هو أنهم وقحون وشجعان وكاسرون للأطر والقوانين. عندما ينظرون أكثر قليلاً في العمق وباستقامة أكثر قليلاً في اللحظات والمسائل الحقيقية التي يتم فيها فحص البشر، يكتشفون أن إسرائيل مجتمع يلتزم جداً بالخط الرسمي إلى درجة مخيفة وجماعية مثل أسوأ الديكتاتوريات.