الجارديان: النظام الأمريكي يعاني وسياسته الخارجية تنهار
قال محرر الشؤون الدولية في صحيفة “الجارديان” جوليان بروجر إن السياسة الخارجية الأمريكية شهدت أسوأ أسابيعها منذ الغزو الأمريكي للعراق، فقد تخلت فيه أمريكا عن حليف لها، ومنح انسحاب الرئيس دونالد ترامب من سوريا الفرصة لكي يعيد تنظيم الدولة تجميع نفسه من جديد. ويرى بورغر أن مكالمة الرئيس ترامب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنهت العلاقة مع حلفاء أمريكا من الأكراد في الحرب ضد تنظيم الدولة، ومعها أنهت إستراتيجية عمرها خمسة أعوام. ويضيف أن علم الدولة الإسلامية رفع مرة أخرى وسحق آخر أثر لمصداقية أمريكا كشريك يؤتمن تحت جنازير الدبابات التركية.
وكانت هذه، كما يقول، “أسوأ سبعة أيام من السياسة الخارجية الأمريكية منذ الغزو الأمريكي للعراق”. ويقول بورغر إن مسؤولي الإدارة تلقوا تعليمات من ترامب لنفي أنه منح الرئيس أردوغان الضوء الأخضر لغزو شمال- شرق سوريا رغم الإشارات التي تظهر العكس. فبعد أن تحدث الرئيس التركي عن نيته لغزو الشمال السوري تلقى دعوة من الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، وهي أحسن هدية يمكن أن يقدمها ترامب إلى الزعيم التركي.
وحتى عندما طلب ترامب من مسؤولي الإدارة الكذب بالنيابة عنه واصل منح الضوء الأخضر على تويتر وليس فقط للأتراك. وتبنى الرئيس الأمريكي وجهة النظر التركية حول الأكراد باعتبارهم إرهابيين وأعلن: “ربما رغب الآخرون القيام بالقتال مع جانب أو آخر، فدعهم يفعلون”. ويشمل هؤلاء النظام السوري وداعميه من الروس والإيرانيين الذين يجد فيهم الأكراد المنقذ الآن بعدما حزم الشريك الأمريكي أمتعته وخرج، مما يغلق علاقة شراكة قريبة بين مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية وداعميهم الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين. فمنذ بداية إنزال المساعدات لمدينة كوباني عام 2014 نجحت العلاقة في التطور بحيث أسهمت في نهاية سيطرة تنظيم الدولة على مناطق واسعة في سوريا.
وكانت هذه هي أهداف أمريكا المحدودة في سوريا التي ورثتها عن إدارة باراك أوباما، وتم تحقيقها بأقل عدد من الخسائر. ودفع الثمن في معظمه قوات سوريا الديمقراطية التي خسرت 11.000 مقاتل. وتتحرك قوات النظام شمالا في المناطق التي كانت تحت السيطرة الأمريكية قبل أيام قليلة، وبناء على دعوة من قوات سوريا الديمقراطية الباحثة عن دعم لمواجهة القوات التركية وحلفائها من الجيش السوري الحر، بشكل يجعل من مصير مقاتلي التنظيم الذين يحرسهم مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية غامضا، ومن هنا فتكشف الأحداث في سوريا كان سريعا ومثيرا للدهشة.
وقلل الرئيس ترامب من العلاقة مع الأكراد، واعتبر أنها “تعاقدية” وأن أمريكا قدمت المال والمعدات. ولكنها لم تكن تعاقدية بالنسبة للجنود الذين قاتلوا مع بعضهم البعض والمدنيين الذين قتلوا نتيجة لتفاهم ترامب- أردوغان. وتخلت الولايات المتحدة في السابق عن الأكراد إلا أن قسوة ترامب تجعل من هذه الخيانة لا تنسى. ولن ينسى الجيش الأمريكي أنه أجبر على الهرب من ساحة المعركة لكي يراقب حليفا وقد سحق. وهناك قدر كبر من الغضب بين الجنرالات في الميدان والبنتاجون بشأن قرار ترامب المتسرع. ففي المرة الثانية التي يحاول فيها الجيش الأمريكي البحث عن شريك محلي للتعاون سيجد صعوبة، فمن سيقاتل مع الأمريكيين الآن؟
وبعد ثلاثة أعوام من حكم ترامب هناك أسئلة صعبة بحاجة للإجابة. فقد أثنى الرئيس على فلاديمير بوتين والكوري الشمالي كيم جونغ- أون في وقت أهان قادة آسيا وأوروبا الذين اتهمهم بأكل أموال دافع الضريبة الأمريكي. والجانب المتقلب في سياسة ترامب هو علاقته مع أوكرانيا التي حاول فيها إجبار الرئيس فولدومير زيلنسكي على إجراء تحقيق للكشف عن معلومات ضد منافس له في الانتخابات المقبلة بدلا من مساعدة كييف على مواجهة العدوان الروسي على أراضيها.
وهناك أسئلة تتعلق بنجاة حلف الناتو حالة فاز ترامب بولاية ثانية العام المقبل. فتحركات أردوغان تثير الشكوك حول عضوية تركيا في الناتو الذي يرى ترامب في دوله أعضاء ناد يحصل على مساعدات مجانية من أمريكا.
بات ترامب يتصرف بعد مغادرة “الكبار” الغرفة بشكل غير منضبط ومقتنع “بحكمته العظمى”، ويتصرف بدون قيد ويتحدث مع قادة الدول ويتخذ القرارات التي تؤثر على ملايين الناس. وما يدفع كل هذا هو إمبراطورية ترامب ومصالحه في كل مرة يتحدث فيها مع أردوغان، أو بوتين، أو محمد بن سلمان. ويتم إجراء المحادثات بوجود عدد قليل من الشهود أو سجلات دائمة كما كشفت لنا الملحمة الأوكرانية. ومن هنا فالسياسة الخارجية الأمريكية تعاني من انهيار بسبب فشل نظام أمريكا السياسي. ورغم السلطة التي يمنحها الدستور للكونجرس من أجل السيطرة على المعاهدات ومراقبة قرارات الرئيس إلا أن الكونغرس مشلول بسبب سيطرة ترامب على الحزب الجمهوري، الذي يخشى نوابه على مناصبهم لو عارضوا الرئيس.