“الجادريان” تكشف تفاصيل اللقاء الذي صنع الأزمة بين واشنطن وتركيا
زعم مسؤولون بأنقرة أن تدهور الليرة التركية الذي يُعرِّض الاقتصاد التركي للخطر قد وقع إثر مواجهة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول مصير امرأةٍ تركية مُحتَجَزة في إسرائيل توسَّط ترمب لإطلاق سراحها، وقسٍّ أميركي مُحتَجَز في تركيا يُطالب بإطلاق سراحه في المقابل.
وسردت صحيفة “الجارديان” البريطانية تفاصيل هذه تدهور الليرة التركية ، وقالت -وفقاً لزعم قادة أتراك- إنَّ إطلاق سراح كلٍّ منهما -إبرو أوزكان المسجونة بسبب صلات مزعومة تربطها بحماس، وأندرو برونسون المُبشِّر المسيحي من كارولينا الشمالية- في وقتٍ متزامن قد نُوقش في قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في 11 يوليو/تموز.
تدهور الليرة التركية ليس سببه إقتصادي فقط، بل سياسي أيضاَ
وكانت السلطات الإسرائيلية قد اعتقلت أوزكان (27 عاماً) في 11 يونيو الماضي من مطار بن غوريون، أثناء عودتها إلى إسطنبول بعد زيارة للقدس ومنعتها من التواصل مع أهلها طيلة هذه الفترة، قبل أن يوجه لها الادعاء العسكري الإسرائيلي، لائحة اتهامات شملت مساعدة حركة حماس، وتقديم خدمات متنوعة لها، وتخريب النظام العام للدولة، وإدخالها إلى البلاد نقوداً من جهة معادية.
وقد سبقت المناقشة أزمة الثقة التي تسببت في تدهور الليرة التركية الآن، ولكن يُنظَر إليها باعتبارها سبباً سياسياً لسلسلةٍ من الإجراءات الأميركية التي بلغت ذروتها في فرض تعريفات جديدة على تركيا يوم الجمعة 10 أغسطس الماضي.
وأُطلِقَ سراح أوزكان، 27 عاماً، بعد يومٍ من القمة، لكن برونسون لا يزال قيد الإقامة الجبرية في مدينة إزمير الساحلية.
ويُمثِّل القس شخصيةً محورية في الأزمة سريعة التصاعد، حيث تعيش تركيا تدهور الليرة التركية وتراجعت إلى مستوى جديد بلغ 7.2 مقابل الدولار قبل أن تستقر في وقتٍ لاحق يوم أمس الإثنين 13 أغسطس/آب، وسط مخاوف واسعة إزاء الخطر المحدق باقتصاد البلاد في ظلِّ مستوياتٍ لا يمكن تحمُّلها من الديون الخارجية.
وتضمنت لائحة الاتهام ضد القسّ الأميركي برونسون حسبما ذكرت وكالة الأناضول في تقرير لها، أن الأخير «كان يعرف الأسماء المستعارة لقياديين من «غولن» والتقاهم، وأنه ألقى خطابات تحرِّض على الانفصال وتتضمن ثناءً على منظمتي «بي كا كا» و»غولن» في كنيسة ديريلش بإزمير».
وأكدت اللائحة ضد القسّ الأميركي «توجه برونسون مراراً إلى مدينة عين العرب (كوباني) شمالي سوريا، التي ينشط فيها تنظيم (ي ب ك/بي كا كا) الإرهابي، وقضاء سوروج المحاذي لتلك المدينة السورية وذلك في إطار الاستراتيجية العامة لـ(بي كا كا)».
كما احتوت اللائحة على رسالة بعثها برونسون إلى أحد المسؤولين العسكريين الأميركيين يُعرب فيها عن حزنه لفشل محاولة الانقلاب في تركيا، منتصف يوليو/تموز 2016.
ووقعت الليرة ضحية سوء فهم بين أردوغان وترمب
وفي حين تسبَّبَت العوامل الاقتصادية الأساسية وتدهور الليرة التركية في اضطراب الأسواق العالمية لبعض الوقت، لا تبدو الخلفية السياسية الجلية لأزمة تركيا واضحة بما يكفي.
فقد قال مراقبٌ تركي مُطَّلِع ومُقرَّب من صانعي القرار إنَّ الرئيس الأميركي قد أساء فهم المحادثة التي جمعته بالرئيس التركي، فاعتقد أنه حصل على ضمانٍ من نظيره بإطلاق سراح برونسون بعد إقناعه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بإطلاق سراح أوزكان.
من ناحيةٍ أخرى، اعتقد أردوغان أنه وافق على عمليةٍ تقضي بنقل برونسون، أحد سكان تركيا منذ 23 عاماً، من السجن إلى الإقامة الجبرية قبل إطلاق سراحه نهائياً. وقد نُقِل القس الأميركي بالفعل إلى الإقامة الجبرية في 25 يوليو الماضي.
وقال المصدر لصحيفة “الجارديان” البريطانية: «لقد حدث ذلك على هامشقمة الناتو«.
وتابع: «طلب أردوغان مساعدة ترمب بشأن الفتاة المسجونة في إسرائيل. لم يكن هناك أحدٌ سواهما والمترجم.
ورد ترمب: «أحتاج إلى تغيير بعض الأمور في قضية القس أولاً». وعندما رد أردوغان بالموافقة، قصد أننا نعمل على ذلك.
بعد ذلك، أفسد مايك بنس، نائب رئيس الولايات المتحدة، الأمور لاعتبارات الانتخابات النصفية. فأساء ترمب فهم العملية باعتبارها توصلاً إلى اتفاق».
الرئيس الأميركي ونظيره التركي
كان إطلاق سراح برونسون قضيةً أساسية بالنسبة للإنجيليين الأميركيين الذين يُشكِّلون حجر الزاوية في قاعدة ترمب المحلية.
وكان بنس قد تناول قضية إطلاق سراحه مُحذِّراً الشهر الماضي، يوليو/تموز، من أنه «إذا لم تتخذ تركيا إجراءاتٍ فورية لإطلاق سراح رجل الدين البريء هذا وإرساله إلى أميركا، فإن الولايات المتحدة ستفرض عقوباتٍ كبيرة على تركيا».
وأصر بنس والإنجيليون على أن اعتقال برونسون كان بسبب إيمانه، وهو ادعاء نفته بشدة أنقرة، التي تتحسس من ادعاءات استهداف المسيحيين خوفاً من الأضرار التي قد تلحق بقطاع السياحة القوي بالبلاد.
واعتُقِلَ برونسون في أكتوبر/تشرين الأول 2016، بعد ثلاثة أشهر من محاولةالانقلاب الفاشلة ضد الرئيس التركي، تلك المحاولة التي اعتُبِرَت على نطاقٍ واسع أنها كان من تدبير الزعيم المنفي لحركة غولن السياسية، فتح الله غولن، الذي عاش في ولاية بنسلفانيا الأميركية على مدار العقدين الماضيين.
وبعد عامٍ واحد، طالب أردوغان في خطابٍ له بتسليم غولن، الداعية والحليف السياسي السابق: «لديكم داعية، ولدينا واحد أيضاً. أخبرت الولايات المتحدة أن تسلِّمه لنا، وسنسلِّم لهم القس. فكان ردهم: دعك من هذا الموضوع».
ورغم تدهور الليرة التركية ، يرفض أردوغان الإفراج عن القس الأميركي
ونفت تركيا أمس الإثنين أنها تخطِّط للإفراج عن برونسون، واستمر أردوغان في تحديه للتعريفات الجديدة المفروضة على الصلب والألمنيوم، وأصرَّ على أن منهجه غير التقليدي في الاقتصاد يظل هو الحل.
والتزم أردوغان بالحفاظ على أسعار فائدة منخفضة، رغم الارتفاع المطرد للتضخم، وهو موقف لا يشاطره إياه كبار الاقتصاديين داخل تركيا وخارجها.
كما أحكم سيطرته على البنك المركزي وعيَّن صهره، بيرات البيرق، وزيراً للخزانة والمالية. وقد استقبلت الأسواق العالمية تحركاته بشكل سيئ، ويعتقد الخبراء الاقتصاديون الكبار أنها ساهمت في تراجع الثقة في أساسيات الاقتصاد التركي.
ويرى اقتصاديون أن الركود شبه حتمي في تركيا، ورُغم أن اقتصادها يُمثل 1٪ فقط من الاقتصاد العالمي، هناك مخاوف من انتقال العدوى إلى منطقة اليورو المجاورة وغيرها من اقتصادات الأسواق الناشئة.
تصاعدت المخاوف من أزمة عملة كاملة في الأسواق الناشئة في وقتٍ متأخر أمس الاثنين مع عدم وجود خطة لوقف تراجع الليرة وهو ما ترى فيه المراكز الاستثمارية الأوروبية أزمةً عميقة.
وقال أندرو بيرش، الخبير الاقتصادي الرئيسي في شركة IHS Markit البريطانية: «إنَّ التغييرات التي طرأت على متطلبات الاحتياطي في الأيام الأخيرة وخطة العمل الحكومية غير المحددة لم تحقق شيئاً يُذكر حتى تستقر الليرة«.
وتابع: «هناك حاجةٌ إلى أكثر من مجرد الوعود الرسمية للخروج من الأزمة الحالية.
الخطوة الأكثر إلحاحاً والتي يجب اتخاذها لإنقاذ الليرة هي رفع حاد في سعر البنك المركزي.
وإذا اتُخذت هذه الخطوة تزامناً مع التحول في الخطاب الحكومي، فقد يتوقف انخفاض الليرة وربما تتباطأ تدفقات استثمارات الحوافظ المالية».
وفي جميع أنحاء تركيا، أصبحت الشركات التي تتعرَّض للدين بالدولار الأميركي تدفع زيادةً تصل إلى 40٪ عمَّا كانت تدفعه قبل أسبوع لتسديد القروض.
وفي حين تعني الليرة المتدهورة عطلات أرخص للسياح، تواجه الشركات التي تدعم صناعة السياحة ضغوطاً متزايدة.
وقال محمد جوكغين، بائع فاكهة في إسطنبول: «لا يبدو أن هذه مشكلةٌ ستُحل قريباً. دائماً ما يكون الوضع كذلك؛ يدفع البسطاء ثمن السياسة العالمية التي لا يفهمونها حتى».