التوريث السياسي متلازمة الانتخابات البرلمانية في لبنان
في لبنان الذي يستعد لانتخابات نيابية في السادس من مايو، يطمح مرشحون جدد الى دخول البرلمان مستفيدين من قانون انتخابي جديد يعتمد النسبية، لكن العائلات السياسية التقليدية لا تزال تهيمن على المشهد السياسي، وإن كان الوارثون يقدمون أنفسهم أيضا على أنهم من قوى التغيير.
من هذه العائلات مثلا، الجميل وجنبلاط وفرنجية وغيرها التي يتوالى افراد منها على مقاعد السلطة في لبنان منذ عقود. وغيرها من كل الطوائف في بلد يقوم نظامه السياسي على أساس تقاسم الحصص والمناصب بين الطوائف والمجموعات السياسية.
ويخوض مرشحون من هذه العائلات ينتمي القسم الأكبر منهم الى الجيل الثالث أو الرابع، سباق الانتخابات البرلمانية التي تجري للمرة الأولى في لبنان منذ نحو عقد من الزمن.
ويقول النائب الحالي والمرشح نديم الجميل (36 عاماً)، وهو سليل عائلة مارونية لعبت دوراً رئيسياً في تاريخ لبنان الحديث لوكالة فرانس برس، “أن تكون +ابن فلان+ لا يعني بالضرورة أمراً سلبياً أو مضاداً للاصلاح”.
والجميل هو نجل الرئيس الأسبق بشير الجميل الذي اغتيل بعد انتخابه في العام 1982 وابن عم النائب سامي الجميل المرشح بدوره ويرئس حزب الكتائب اللبنانية، أقدم الأحزاب المسيحية في لبنان.
ويوضح “التزامي السياسي مرتبط بالتأكيد باغتيال بشير وبالقيم التي قُتل من أجلها، ولكن أيضاً باستيائي الشخصي من رؤية بلدي يدار بشكل سيئ للغاية”.
ويثير ترشح أبناء العائلات السياسية التقليدية انتقادات واسعة في لبنان، في اوساط الذين يرون في ذلك ترسيخاً للنهج “الاقطاعي” ولسياسة “المحسوبيات”، الأمر الذي يرفضه الجميل قائلا “يمكن للأجيال الجديدة أن تطور مشاريع ذات منفعة عامة، بناها من سبقهم وأن يعملوا على تكييفها مع تطورات الزمن الحالي”.
لكن على الرغم من موجة الانتقادات في أوساط محددة، لا سيما الناشطين في المجتمع المدني، يدافع العديد من اللبنانيين عن زعماء هذه العائلات، ويدينون لهم بالولاء المطلق، ويروه أن لهم فضلا كبيرا في “صنع تاريخ لبنان”.
– “إقطاع سياسي” –
ويرفض المرشح زاهر عيدو (44 عاماً)، وهو نجل النائب في تيار المستقبل وليد عيدو الذي اغتيل في بيروت في العام 2007، أن يكون خوضه الانتخابات مرتبطا بـ”الاقطاع السياسي”.
ويقول لفرانس برس “وليد عيدو ترك لي إسماً كبيراً في البلد لكنني لم أسقط عبر المظلة. خلال 11 عاماً، طورت نفسي علمياً وثقافياً وسياسياً”.
ويوضح أنه يرغب بتوظيف خبرته التي راكمها في القطاع المصرفي لخدمة لبنان، محدداً الهدف من ترشحه “أن أشرّع وأراقب عمل الحكومة وأن أضع خبرتي في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب”.
وعيدو مرشح في بيروت على لائحة تيار المستقبل بزعامة رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي انتخب خلفاً لوالده رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري بعد اغتياله في بيروت في العام 2005.
وبين مرشحي العائلات أيضا طوني فرنجية، نجل النائب سليمان فرنجية، حفيد الرئيس اللبناني الأسبق سليمان فرنجية الذي انتخب في العام 1970.
ورشح الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي يلعب دوراً رئيسياً في الحياة السياسية في لبنان الى الانتخابات، نجله تيمور، حفيد كمال جنبلاط، أحد أبرز الزعماء الدروز في لبنان ومؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي.
وتطمح ميشيل تويني، ابنة النائب السابق جبران تويني الذي اغتيل في بيروت في العام 2005، لأن تحل مكان شقيقتها نايلة التي انتخبت نائبة في العام 2009.
وتقول أستاذة العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت فاديا كيوان لفرانس برس إن بعض العائلات في منطقة جبل لبنان كآل جنبلاط “تجسد مفهوم الإقطاع منذ قرون عدة، لكن شبه إقطاعية ترسخت لدى جماعات أخرى مع نشوء لبنان الحديث”.
– مبدأ “الكفاءة”-
وفي غياب وريث سياسي مباشر، يقع الاختيار على أفراد آخرين من العائلة. على سبيل المثال، يخوض مقربون من رئيس الجمهورية ميشال عون وهو أب لثلاث بنات، الانتخابات، أبرزهم صهراه وزير الخارجية جبران باسيل والعميد المتقاعد شامل روكز، بالاضافة الى ابن شقيقته النائب آلان عون.
ويقول الناشط السياسي وديع الأسمر، أحد منسقي تحالف “كلنا وطني” الذي يضم نحو سبعين مرشحاً مستقلاً من مجموعات مدنية، لفرانس برس “بكل بساطة، هذا أمر غير مقبول بغض النظر عن مهارات الأشخاص المعنيين”.
ويبدي أسفه لكون “هذا المزيج بين السلطة المتوارثة والمحسوبية يخص كل الأحزاب السياسية في السلطة”.
ودفع هذا الواقع ناشطين من المجتمع المدني الى الترشح رغبة في تغيير الأداء السياسي بعدما لم تحقق الطبقة الحاكمة تطلعاتهم.
ويقول الأسمر “تهدف معركتنا الى بلورة مرحلة سياسية أكثر تقدمية وحداثة”، مضيفا “حان الوقت للقضاء على هذه الظاهرة الاجتماعية ذات الطابع القبلي المنافي تماماً للديمقراطية”.
ولعبت معظم العائلات السياسية التقليدية دوراً رئيسياً في الحرب الأهلية التي شهدها لبنان (1975-1990).
ويقول الجميل “النظام السياسي اللبناني لا يقوم اطلاقاً على مبدأ الكفاءة. لم أدعِ ذلك أبداً. حتى أنه مناف لمبدأ الجدارة”، مضيفاً “إنه نموذج يجمع بين الزبائنية والطائفية”.
ويتابع “على العائلات والأحزاب التقليدية أن تتطور حتماً لئلا يفوتها القطار وتضحي في دوامة النسيان”، موضحاً في الوقت ذاته أن “الأشياء لا يمكن أن تتغير بين يوم وآخر”.