التليجراف: لماذا علينا ألا نصدق أرقام الحكومات عن فيروس كورونا؟
قالت صحيفة “التليجراف” إن تباين القدرات بين الدول على توفير الفحص للمواطنين من وباء فيروس كورونا واختلاف الأنظمة الصحية بين دول العالم إضافة لتدخل المؤسسات السياسية، ربما كانت أسبابا في تشويه الإحصائيات حول العدد الحقيقي من الإصابات والوفيات من الفيروس على مستوى العالم.
وفي تقرير أعده مراسلها للشؤون الدولية رونالد أوليفانت، قال إن الحكومة البريطانية واجهت انتقادات واسعة بسبب الأرقام التي أصدرها مكتب الإحصاءات الوطني والتي شككت في حصيلة الوفيات من فيروس كورونا وأنها أعلى مما نشر. وبريطانيا ليست الوحيدة في تقليل عدد حالات الوفاة، فمعدلات الوفاة تفاوتت بين دولة وأخرى بسبب إجراءات الفحص والقدرات الصحية والتدخل السياسي.
كما أن التباين في قدرات الفحص من دولة إلى أخرى يعني تقبل خبراء الإحصاء بهذا الواقع وأن عدد الحالات القليلة هي التي يمكن ربطها بالفيروس بشكل مؤكد. وهناك موضوع أخذ القرار حول سبب الوفاة، خاصة في الحالات التي يموت فيها أشخاص كانوا يعانون من أمراض سابقة قبل إصابتهم بالفيروس. وعلينا ألا نستبعد حدوث تضخيم في حالات الوفاة بسبب الطريقة التي سجلت فيها الوفيات. ففي إيطاليا بلغ عدد الحالات المسجلة أكثر من 11.000 حالة، أي أكثر دولة في العالم. لكن الخبراء يقولون إن الأعداد مبالغ فيها بسبب طريقة تسجيل الوفيات. فوزارة الصحة الإيطالية لا تسجل أعداد من ماتوا مباشرة بسبب فيروس كورونا ولكن من ماتوا ومعهم الفيروس وبسبب معاناتهم من مرض أو أمراض أخرى.
ويقول البرفسور وولتر ريكياردي، المستشار العلمي للحكومة الإيطالية في الأزمة: “الطريقة التي نسجل فيها الوفيات في بلدنا سخية من ناحية أن كل من مات في مستشفياتنا ومعه فيروس كورونا يعتبر من الذين ماتوا في الوباء”.
وقال: “بعد النظر مرة أخرى وجد المعهد الوطني للصحة أن 12% من شهادات الوفاة أظهرت وفاة مباشرة بسبب فيروس كورونا، و88% من المرضى كانوا يعانون من مرض أو مرضين”.
ووصل عدد الوفيات في إسبانيا إلى أكثر من 8 آلاف حالة، وهي ثاني دولة في أوروبا من ناحية معدل الوفيات. ومثل إيطاليا تقوم بشمل كل الوفيات التي أثبتت فحوصاتهم أنهم مصابون بالفيروس في حصيلة الموتى. ولكن الأرقام في إسبانيا قد تكون أعلى لأن الناس يستسلمون للفيروس في بيوتهم أو بيوت الرعاية الاجتماعية دونما فحص. وبحسب دراسة أعدها معهد كارلوس الثاني للصحة وحصلت عليها صحيفة “إلبايس” فربما كانت الوفيات بسبب كوفيد-19 خارج المستشفيات أعلى بثلاثة أضعاف من الأرقام المسجلة.
وأعلنت الصين عن 3.309 حالات وفاة منذ اندلاع الوباء ولكنها لم توضح طريقة تسجيل الوفيات في القائمة الرسمية. ونقلت الصحيفة عن عائلات قالت إن أقاربهم ماتوا مما ووصفه الأطباء عدوى فيروس كورونا ولم يتم تسجيلهم في سجلات الحكومة، ولم يتم فحصهم بالضرورة. ومثل بقية الدول كان على الصين القبول بواقع عدم توفر المخابر لفحص حالات واسعة، كما قامت بإعادة النظر أكثر من مرة في الطريقة التي استخدمت لتسجيل الحالات المؤكدة.
وهناك تقارير تحدثت عن عدم شمل السجلات الصينية المرضى الذين لم تظهر عليهم أعراض حتى بعد النتيجة الإيجابية للفحص. كما أن الشكوك المزعجة حول مصداقية الأرقام الرسمية ومعدلات الوفاة نابعة من سجل البلد الفقير في الشفافية خاصة وقت الأزمات الصحية، مثل أزمة سارز قبل عشرين عاما. وتساءل البعض حول توقيت التحولات في الإحصائيات، خاصة أن أرقام الحرب بدأت بالتحسن بعدما أعلن زعيم الحزب الشيوعي لي جينبنغ النصر في “حرب الشعب” ضد فيروس كورونا. فهل كانت هذه الضغوط وراء تقليل المسؤولين من حجم التحدي؟ وهناك بعض الحكومات الأجنبية تعتقد أن هذا ما حدث بالفعل.
في الولايات المتحدة تجاوزت الوفيات 3 آلاف شخص، وهناك ارتباك حول ما يمكن اعتباره وفاة بسبب فيروس كورونا والتباين في الأرقام بين ولاية وولاية، ووجود حالات لم يتم شملها في القوائم. ويقوم مركز السيطرة على الأمراض الأمريكي بنشر الأرقام عن الوفيات والتي تقدمها كل ولاية له. وتسجل بعض الولايات أي شخص ثبت بالفحص أنه مصاب بكورونا وهناك ولايات لا تسجل.
وأثيرت شكوك حول الأرقام لأنه جرى نسبة وفيات للفيروس قبل التأكد أو عن طريق الخطأ. ففي لويزيانا، تم شمل طفل عمره عام في القائمة الرسمية مع أن سبب وفاته لم يتم تأكيده بعد. وفي كاليفورنيا، أشارت تقارير إلى أن ولدا عمره 17 عاما مات بسبب كورونا بعدما رفضت المستشفى علاجه بسبب عدم توفر الضمان الصحي. وتبين أنه مات نتيجة صدمة.
وفي فرنسا، زادت حصيلة الوفيات عن 3 آلاف حيث اعترف المدير العام للصحة أن بيوت العجزة هي المكان الذي سجلت فيه أعلى وفيات بسبب فيروس كورونا وأن “الوفيات في المستشفيات ما هي إلا نسبة قليلة من الحجم الإجمالي”. ومثل بريطانيا لم تفحص فرنسا إلا من الحالات الخطيرة من كوفيد-19 ومن احتاجوا للعلاج في المستشفيات. ولا تقوم فرنسا، مثل إيطاليا، بتشريح جنائي. ولو كان هناك شخص يحمل أعراض كوفيد-19 ومات قبل الفحص فلا يشمل بالقوائم.
وتجاوز عدد الوفيات في إيران 3 آلاف، ولكن توفر الفحص لفيروس كورونا غير متوفر للجميع وتم توفيره للمرضى الذين هم في حالة سيئة. وحتى لو كانت الأرقام التي نشرتها الحكومة صحيحة فإن العدد سيكون أعلى لأن الفحص لا يتم إلا على من هم في خطر الوفاة. كما أن الأرقام التي نشرتها إيران تشير إلى معدلات عالية من الوفاة، بنسبة 7% والتي يمكن أن ترتبط بالنظام الصحي الضعيف.
وهناك تباين واضح في الأرقام التي أصدرتها حكومات الشرق الأوسط. فقد أكدت إسرائيل التي لديها نظام صحي متقدم وفاة 16 حالة، أما سوريا التي مزقتها الحرب فلم تعلن إلا عن حالة وفاة واحدة، وهذا بسبب عدم توفر الفحص. وزعمت مصر أنها سجلت 36 حالة وفاة فقط، واتخذت إجراءات قمعية ضد أي شخص تساءل عن صحة المعلومات الرسمية، وأمرت مراسلة “الغارديان” بمغادرة البلاد بعدما نقلت أرقاما عن معهد كندي اقترحت أن مستويات الإصابة في مصر عالية.
وفي دول أخرى مثل بلجيكا التي سجلت حتى يوم الثلاثاء 705 حالات فقد تم اعتبار أي شخص مات بسبب أعراض لها علاقة بفيروس كورونا كضحية للمرض، ولكن لم يتم فحص إلا من نقل للمستشفى.
وقد يكون معدل الإصابة أعلى في بلجيكا من رقم 11.899 الذي تم تسجيله في بلجيكا. ونفس السياق سجلت بولندا التي يبلغ عدد سكانها 39 مليون نسمة 32 حالة وفاة من المرض. وقاد هذا لاتهام الحكومة بأنها أخفت الرقم الحقيقي. ولعل السبب كامن في عدم توفر الفحص إلا لمن دخل المستشفى ومات بالمرض. وفي الحالات التي يموت فيها شخص بالفيروس يتم نسبته إلى تعقيدات مرتبطة بأمراض أخرى كان يعاني منها المريض. وقاد هذا إلى تكهنات في الإعلام أن معدلات الإصابة أعلى بنسبة 25-30% من الأرقام المنشورة.
وفي روسيا التي سجلت 17 وفاة لا يتم شمل أي شخص مات بفيروس كورونا. وتكهن البعض أن السلطات تحاول التكتم على الأرقام الحقيقية. وعندما ماتت سيدة عمرها 79 عاما في واحد من مستشفيين لمعالجة حالات كوفيد-19 رفض المسؤولون تسجيلها ضمن حالات الوفاة بكورونا بل بسبب تجلط في الدم.
وبالمقابل سجلت كوريا الجنوبية 162 حالة وفاة والرقم المتدني نابع من سياسة الحكومة القوية “لاحق، افحص، عالج”، وكانت السبب في الحفاظ على أعداد الإصابات بـ 10.000 حالة في شباط/فبراير. ونفس الأمر يطبق على تايوان التي كانت رائدة في مكافحة المرض مما أدى لتدني حالات الوفاة بسبب الفيروس، وهي 5 والإصابات 329.