التفاعل التشكيلي مع الصور الفوتوغرافية في تجربة الأمريكي “ويل كلوغلي” والسورية “علا عباس”.. تشابه الفكرة في ترويض الحالات النفسية مع المفاهيم الجمالية في الصورة الفوتوغرافية
كتبت.. بشرى بن فاطمة
انطلاقا من سؤال الذات والهوية من تكاثفات الحالات النفسية وتفاعلات الواقع والخيال والحلم والانبعاث الخالد في اللحظات المثبتة على الأطر والأزمنة تحوّلت الصورة إلى عنصر يخدم المشهد البصري تشكيليا ويروض الحالات النفسية مفاهيميا، وهو ما قاد كثيرين إلى خوض التجربة والارتقاء بالصورة الفوتوغرافية إلى مراتب الفن التشكيلي المعاصر فخلقت أساليب متنوعة الدلالات منها الواقعية المفرطة والبوب آرت الكولاج والفنون المستقبلية والرقمية.
*ويل كلوغلي
والبحث في التجارب التي اعتمدت الفوتوغرافيا كمحاورة تشكيلية بصرية مع المفهوم يحيل على توافقات وتناقضات وتجديد واندماج وانطلاق بالفكرة والتصميم والإحداثات التي قد تشكل منها صورها الذهنية.
كما في تجربة الأمريكي ويل كلوغلي والسورية علا عباس رغم اختلاف المرحلة وعمر تجربة كليهما، والمفهوم والتوظيف إلا أن التشابك والتداخل النفسي والتحوير التشكيلي للمشهديات يتشابه في تقنيات البعث البصرية وهنا نحاول أن نلقي الضوء على هاتين التجربتين فيما تتشابهان وتتناقضان وفي التعبير والتجديد والتمسك بواقعية الصورة المفرطة في تطرفها الحسي وتجاذباتها الخيالية التي تجرد العنصر البصري من نمطية المألوف وتقوده نحو العمق.
*علا عباس
تعامل ويل كلوغلي مع الصورة في تجربته الفتوغرافية بدأ كوعي ناضج بأسسها التعبيرية في أطرها وزواياها ومنافذها نحو العمق الحسي، منذ توجه نحو عمقها في الخمسينات إلى العصر الحالي لترتقي بتوليفاتها التقنية وتطويرات أبعادها الرقمية بمستويات البحث والتحولات التي دفعته للتجريب، انطلاقا من الواقع بحثا في الملامح وتدفقا في النفسيات ليصبح التصوير عنده تجريدي المفاهيم والرمزيات المتجددة التعبيرات تشكيلية التقبل والتقابل في المعاني التي تكتب تفاصيلها اللونية والضوئية والإنسانية بكل انفعالاتها في اللقطات العفوية في الظاهر والمتوغلة في العمق لتنعكس أفكارا تحررت من قيود أطرها وهنا يكمن الابتكار الداخلي للصورة مستخرجا إياها من سطحية المشهد وهنا يتوافق كلوغلي في تجربته مع علا عباس حيث يدرك بعينه ما يراه بعين المتلقي الذي يمثل الذات المنفردة والمجتمع المعقد لتصل التجربة الى الفكرة المصورة وتقتحم الإحساس والحالة النفسية في سردها البصري فكلوغلي اختار أن يعبر من التصوير والنقل إلى التشريح والنبش في فكرة الجسد كفلسفة ذات تعبيرات تستنطق الوجود باعتماد مزج تكامل بين الفكرة والصورة وهنا يمكن اعتبار أن التشابه توظيفي لعنصر التعبير عن فلسفة الوجود مع احتمالات تحيل إلى أسلوب تصرف كليهما في الألوان والظلال والضوء والملامح والادوار الموكلة إليها في الأداء التشكيلي الحسي والتفاعلي مع العناصر كل حسب الفكرة التي يبحث عنها من قراءاته للصورة والواقع والانفعال فالتحول من الصخب إلى الضوء يضفي هدوء التصور الذي يتوافق مع المخيلة حتى لو كانت في التعبير صدمة الخطوط والفراغات والتصورات.
*علا عباس
فبين الكثافة والتطوير والفراغ والنضج يتحول كلوغلي بمورفولوجيات الطبيعة نحو ماورائياتها التي تطوع فعل الثبات على الأرض كفكرة تراوغ البقاء والتطور.
أما عند علا عباس فالتصوير بدوره لا يتجاوز البناء وهندسة الترميم الجمالي والتحولات التشكيلية في انبعاثات المفاهيم من عمق المزاج والاحساس والتوافقات بينها بحداثة تتعدى المراحل البدائية الأولى نحو نضج الفكرة والتقنية فهي تتحمل القيم الأكاديمية بموقف تغييري في فكرة الفن والتعبير الإنساني والجمالي ومن خلاله تعي جوانبها التكوينية مع العلامات البصرية التي تُخرج الصورة من ضيق أطرها إلى أفق أوسع.
ومن هذا المنطلق يكمن النضج الواقعي الذي يجاور الخيال في بحثه عن الذات المكتملة في الكون والتطور المتجانس الذي تخضعه المادة المصورة لعناصر المفاهيم في الصورة بتمازج ألوانها المقصودة في رمزية العناصر الموظفة للدفع بالإحساس حتى يعالج الصورة التي تستفز عاطفة التفكير.
إن التجربة التي يقدمها كلوغلي وعلا عباس هي تجاذب يراوغ الفكرة في مفهوم الصورة فالواقع له دافع جمالي لانتشال المفاهيم من المنجز واحتواءه الذاتي للداخل المتنافر بين التغيير والتوافق بين التعايش والتحليق البعيد بالفكرة نحو جوانب حسية وادراكية وتفاعلية تحاول التطور بالقيم الجمالية عند التقاط الصورة وتحمل هموم الفكرة فيها.
*ويل كلوغلي
*الاعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections