التعهد بإسقاط حكم حماس أحد شروط ليبرمان للانضمام إلى ائتلاف نتنياهو
منذ أن دخلت إسرائيل في أجواء الانتخابات العامة قبل شهور، أجمع عدد كبير جدا من المراقبين المحليين على أن بنيامين نتنياهو في طريقه لتشكيل حكومته الخامسة، لكنهم توقعوا أن تبقى لنحو عام واحد فقط؛ بسبب لوائح تهم الفساد التي ستقدم ضده وتسببت بالضرورة في تصدع ائتلافه الجديد. يبدو أن هؤلاء المحللين كانوا سيغيرون رؤيتهم اليوم بعد الكشف عن نتائج انتخابات منحت نتنياهو فوزا واضحا وكشفت عن عدم اكتراث أغلبية الإسرائيليين بالمنظومة الأخلاقية بعدما صار نتنياهو بالنسبة لهم ملكا، والتصويت له مجددا نوع من التقاليد والطقوس الدينية.
هؤلاء لم يهمهم قيام نتنياهو بدهس مؤسسات الحفاظ على القانون والمساس بـ”حراس العتبة” كالإعلام والنيابة العامة والشرطة وغيرها مثلما لم تهمهم دعوات الترحيل والمواقف العنصرية ضد الفلسطينيين التي باتت جزءا من التيار الصهيوني المركزي ومن البرامج الانتخابية.
ورغم كل ذلك تبدو عملية تشكيل نتنياهو حكومته الخامسة رحلة سياسية صعبة جدا في ظل وجود عدد كبير من الأحزاب اليمينية الصغيرة التي تستعد لابتزازه وتحويله لأسير بيدها، خاصة أن انسحاب أي منها يعني فقدان الأغلبية الإئتلافية المطلوبة (61 عضوا فما فوق من بين 120 عضوا).
وفي ظل عدم وجود خيار حقيقي وواقعي لحكومة وحدة وطنية مع الحزب المنافس ” أزرق- أبيض” بات هامش مناورة نتنياهو ضيقا، مما يعني أنه ربما يجد نفسه أمام تكرار تجربة انتخابات 2013 حينما سقطت حكومته بعد نحو عامين. ويتضح مجددا وبخلاف الاستطلاعات التي سارعت لرثائه يبدو أن رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، هو مفتاح الحكومة الجديدة في دولة الاحتلال. وبكل الأحوال من المرجح أن يجلس لجانب قائد المركبة الإئتلافية نتنياهو ويقوم بفرملتها أو يضع العصي في دواليبها متى شاء.
مفاوضات شاقة
وكشفت صحيفة “إسرائيل اليوم” المقربة من نتنياهو شخصيا، أن ليبرمان، يشترط مشاركته في ائتلاف نتنياهو الجديد الحصول على تعهد الأخير بإسقاط حكم حركة “حماس ” في غزّة والحفاظ على حقيبة الأمن والحصول على حقيبة الداخليّة، المفترض أنها من حصّة رئيس قائمة “شاس” برئاسة آرييه درعي، الذي شغل هذه الوزارة عدة مرات في العقود الثلاثة الأخيرة.
ونقلت الصحيفة العبرية عن عضو الكنيست مسؤول ملف المفاوضات في “إسرائيل”، عوديد فورير توقعاته بمفاوضات شاقّة. ويعلل ذلك بالقول: “هناك عدد من القضايا الأساسية سيكون من الصعب التنازل عنها. وزارة الأمن هي مسألة صغيرة، السؤال هو أيّة سياسات أمنية ستكون لدينا؟ لن نعود إلى حكومة تتبّع نفس السياسات التي تركناها من أجلها. لن ننضمّ إلى حكومة ستقرر التهدئة مع حركة حماس إنما إلى حكومة ستقضي على حماس”.
أسرى في غزة
كما أوضح أن حزبه سيطلب التحدث عن الأسرى لدى حركة “حماس” في كل مرّة يتحدّثون فيها عن الأزمات الإنسانيّة”.
ليبرمان الذي يعتبر هذه المرة كما في مرات سابقة “بيضة القبان” في الائتلاف الحكومي الخامس لنتنياهو، يشترط أيضا سنّ قانون تجنيد المتدينين الأصوليين (الحريديم) في صفوف جيش الاحتلال.
وكما هو متوقع، يعارض “الحريديم” الذين لا يمكن لنتنياهو الاستغناء عنهم في حكومته لوزنهم السياسيّ، بقوّة اشتراط ليبرمان، ويرغبون باستمرار الوضع الراهن الذي يعفى فيه المتدينون الأصوليون من الخدمة العسكرية بدعوى التفرغ لدراسة التوراة، والتي يعتبرونها أهم من الجيش لأنها تحافظ على بقاء اليهود .
وترجح المحللة السياسية في صحيفة “غلوبس” طال شنايدر، أن تواجه حكومة نتنياهو الخامسة أزمات مكرّرة عن أزمات حكومته السابقة، بين اليمينيين العلمانيّين (مثل حزب ليبرمان)، والحريديم، الذين يعارضون، بالإضافة إلى قانون التجنيد، العمل في أيّام السبت أيضا.
يشار إلى أن ليبرمان أشغل وزارة الأمن الإسرائيليّة في عام 2016، بعد استقالة موشيه يعلون منها لخلافه مع نتنياهو، وقبل أن يستقيل منها في تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، إثر خلافات مع القيادة العسكريّة للجيش الإسرائيلي ومع نتنياهو، ظهرت في محاولة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، غادي آيزنكوت، رفض شنّ عدوان على قطاع غزّة، وهو ما ردّ عليه ليبرمان بالقول إن ضباط الجيش الإسرائيلي “جمعيّة يساريّة”.
ويشترط ليبرمان أيضا تقليل حصة حزب “كلنا” برئاسة وزير المالية الحالي موشيه كحلون لكونه حزبا منافسا ولخلافات شخصية بينهما.
تحصين نتنياهو
ويبدو أن نتنياهو ينحو بهذا الاتجاه كما يستدل مما نشرته صحيفة “معاريف” التي قالت أمس إنّ كحلون سيستمرّ وزيرًا للمالية في الحكومة المقبلة، “لكن بصلاحيّات أقل من تلك الممنوحة له في الحكومة الحاليّة”.
كما تشير إلى استمرار المرشّح الثاني في حزب “كلنا” إيلي كوهين، في منصب وزير الاقتصاد والصناعة، بينما ستُعد إلى المرشّحة الثالثة، يفعات بيطون، رئاسة إحدى اللجان الاجتماعية في الكنيست.
ومقابل حصة “كلنا” الذي فقد نصف قوته في هذه الانتخابات (4 مقاعد)، سيحصل نتنياهو على دعم لتحصينه ضد الإجراءات القانونيّة ضدّه، حتى لو أدّت قوانين الحصانة إلى الإضرار بمكانة المحكمة العليا وفق تأكيدات “معاريف”.
وهذا الموقف يتناقض مع موقف كحلون قبيل الانتخابات حينما أكد رفضه لتحصين نتنياهو أمام احتمالات مقاضاته ولذا فهو يحاول الإفلات من وعوده الانتخابية من خلال حل حزبه والاندماج بحزب “الليكود” الذي تركه قبل سنوات وأسس “كلنا”.
ورغم كل التعقيدات القائمة يعتبر وزير المواصلات والمخابرات يسرائيل كاتس أن نتنياهو لن يشكّل حكومة وحدة تضم ” أزرق- أبيض” لكن الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، يسعى إلى تشكيها كما تفيد تسريبات إعلامية، وهذا يعني حكومة خامسة لنتنياهو تكون ضيقة وقابلة للابتزاز وربما للسقوط مبكرا على خلفية خلافات بين مكوناتها أكثر مما هو على خلفية تقديم لائحة اتهام خطيرة ضده.
كسور اليسار الصهيوني
وبعدما اتضحت الصورة، وتبين أن اليسار الصهيوني التقليدي قد تحطم وانحسرت قوة حزب “العمل” الذي أسس إسرائيل، وحكمها حتى 1977 دون انقطاع، دعت رئيسة حزب “ميرتس” زندبرغ، إلى الإسراع للاندماج مع “العمل” ومع جهة عربية قوية كالجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة أو قسم منها.
وعللت ذلك بالقول إن الانتخابات في إسرائيل تأتي فجأة. وكررت قولها إن مصوتين عرب أنقذوا حزبها من السقوط بعدما منحوه نحو 40 ألف صوت عربي.
يشار إلى أن عددا متزايدا من المواطنين العرب (17%) قد منحوا ثقتهم لحزب “ميرتس” هذه المرة. وجاء ذلك كما كان متوقعا على خلفية حالة الغضب على الأحزاب العربية لتفكيكها القائمة المشتركة وعلى خلفية ترشح اثنين منها في الموقعين الرابع والخامس، وفي مدينة كفر قاسم مدينة النائب المرشح في قائمته عيساوي فريج فاز “ميرتس” بأعلى نسبة في المدن في إسرائيل بحصوله على 37% من الأصوات.
وقالت الإذاعة الإسرائيلية العامة أمس، إن حزبي “العمل” و”ميرتس” يبحثان إمكانيّة الدمج بينهما، وما زال من غير الواضح إن كان الاندماج بين القائمتين سيبدأ في الكنيست الحالية أم ضمن الاستعدادات لانتخابات الكنيست المقبلة.
وتشير تحليلات إسرائيليّة إلى أنّ عدداً كبيراً من مصوّتي “ميرتس” و”العمل” صوّتوا لصالح قائمة ” أزرق- أبيض” في محاولة لإسقاط بنيامين نتنياهو.
وعلى خلفية التعقيدات البالغة في تشكيل حكومة في دولة الاحتلال ومن أجل تأمين نجاة نتنياهو من المحكمة تتزايد الدعوات لتغيير نظام الحكم في إسرائيل إلى نظام رئاسي، وحينها يمكن سنّ قانون يحصّن نتنياهو من التحقيقات.
انتخابات جديدة
وأعلن ريفلين أنه سيجري مشاورات تشكيل الحكومة بدءاً من اليوم الإثنين. ووفقًا للقانون الإسرائيلي، فبعد سبعة أيّام من الانتخابات على الرئيس الإسرائيلي تكليف أحد أعضاء الكنيست بتشكيل الحكومة بعد مشاورات مع القوائم الفائزة.
ويمنح رئيس الحكومة المكلّف مهلة 28 يومًا قابلة للتمديد بـ14 يومًا إضافيًا، وإن لم ينجح في مهمّته، فإن على ريفلين أن يجري مشاوراتٍ حكوميةً مجدّدًا، يحقّ له في ختامها تكليف عضو كنيست آخر بتشكيل الحكومة.
وفي حال فشل هذا العضو بتشكيل الحكومة، فإن أغلبية أعضاء الكنيست المنتخبين بإمكانهم طلب تكليف عضو كنيست ثالث بتشكيل الحكومة، وإن فشل عضو الكنيست الثالث في مهمّته، فإنّ إسرائيل ستذهب لانتخابات مجدّدًا خلال تسعين يومًا.