التشكيلي سموقان محمد أسعد: هوية جمالية ثابتة بين ملاحم التاريخ وملامح الواقع
يحتاج التأمل في أعمال التشكيلي السوري محمد أسعد الملقّب بسموقان إلى يقظة شرسة تجعلنا قادرين على التمسّك بجرأة النفاذ عبرها ومشاركة اللوحة قلقنا من تفاصيل الواقع الذي شتّت حواسنا المندفعة بحثا عن الأمان في حكايات التاريخ وخلود أبطاله.
فبين الضباب وعتمة الأبواب الموصدة، تستثير اللوحات داخلنا عناد البحث والتعمّق أكثر فأكثر والتوغل بين ثنايا الأسطورة وتفاصيل اللغة التعبيرية ورموزها وملامح الشخوص التي تبحث هي الأخرى فينا عن براءتها، وهي تعيد تطويع الزمن ومحاكاة ذلك التاريخ الراسخ في حفرياته والأسطورة العالقة في ذاكرة الإنسانية ومجد الحضارات التي روّضت التاريخ الإنساني بالإبداع والجمال.
حمل محمد أسعد سموقان رمزية الاسم وانعكاساته من خلال اعتزازه بتاريخه والأسطورة ليحرس الغابات ويتماثل مع قوة الطبيعة وينفعل مع مواسمها ليبلور تداعياته الفلسفية وهو يصف الحالة البصرية للواقع ويندمج من خلالها مع ألوانه وخاماته ومفاهيمه، فهو يروّض طبيعة الجغرافيا التي انحدر منها وانتمى إليها ويكوّن هويته التشكيلية.
فمن خلال الغوص في تفاصيل حضارة بلاد الرافدين وحضارة أوغاريت والفن المنحدر بين كل تلك التراكمات الإنسانية كثيفة الجماليات دقيقة التطويرات والتمازج الثقافي بين التكوينات التي استشرفت فيه الرؤى التعبيرية والرمزية والواقعية والتجريدية والسريالية استطاع التمازج الحر والانعتاق المتفرّد بأسلوبه فتمكّن من أن يصنع لذاته مسارا بصريا ويؤسّس قيمه الفنية التي تعمّقت مثل الحفريات التي غاصت في تاريخها.
فالقراءة التي تستضيفنا إليها أعمال سموقان ليست مُجرّد تفكيك ولا بحث ولا نقد بعين تتواصل مع اللون والقيمة والمقصد بل هي افتراس للعالم بجمالياته المتداخلة بين التاريخ والأسطورة والجغرافيا والواقع عبر تلك الخطوط المنحية والثنايا المتداخلة والإماءات الكثيفة لشخوصه المتعانقة والمتصادمة والمتناغمة مع فضاءاتها في موسيقى اللون وأحادية الانتماء للأرض.
فقد وضعنا سموقان أمام خرائط لا حدود لها كانت مفتوحة على لغة شاعرية تاريخية أسطورية وجودية ملحمية انفلت منها المزاج وتكاثف فيها الإحساس أحالت على تشيؤات مشرقة ورؤى وجودية تفجّرت فيها الطاقة التعبيرية التي مزجت الغامض الماورائي بالمرئي ضمن فضاء حمل الواقع بين كل ذلك الوجوم والصراخ والاحتجاج والوجع ليتحوّل بالخطاب إلى المتلقي وهو يبحث عن ملاذه في طلاسم تلك الحفريات والترميزات عن طريق الألوان وهي تحيل على البحر والأرض في تكويناتها الصامتة بين المد الطافح بالحزن والجزر المتفائل بالأمان في الثبات على أرضه.
تحيل المرأة في أعماله إلى تكوينات خصبة متكاملة متفاعلة مُتدفقة الأحاسيس وصامتة بين كثافة، الأسطورة وظلم التاريخ وبين كل ذلك يتجادل الفنان مع مواقفه وإصراره على الاستلهام من التاريخ ليشرق بها في حضور بهيج فهو يرتكز على خصوصيات الفن الأوغاريتي ودوره في خلق الهدوء والموازنة بين الشكل والفراغ عند الحركة والجمود.
يختصر اللون في أعمال سموقان وظيفته الأساسية التي تمكّنه من النفاذ إلى مسارات متعدّدة تحاول استيعاب المقاصد الفنية والمفهومية والدلالية التي يحتاجها الفنان لدعم فكرته الجمالية وانعكاساتها على الواقع بما يضفي على العمل إثارة ويخلق في داخل المتلقي فضولا خاصة إذا ما أخضع لونه لحركة الضوء وتفاعله مع الجسد وهو ما يبدو في اعتماد اللون الأزرق وامتزاجه التركيبي مع الألوان الأخرى والاستدلال عليها والتعبير معها عنها، حتى تسهّل انغماس الأزرق في حالات الشخوص والأدوار التي تلعبها، فهو لا يكتفي به كلون بتحمّل حالاتها وامتصاص عمقها التعبيري بل يضفي عليها شفافية تدعم حركتها وتبرّر جمودها وتخلق لها من ذلك كله تماسها الفعلي بين الفكري والحسي، وبالتالي يخرجها إلى المتلقي من حالة الانطباع الشعوري السطحي ويلاحق ما رسخ في ذهنه من اكتمالات بصرية.
ساهم التجريب الفكري والبحث الحضاري والخوض في الصورة الملحمية لأساطير التاريخ في خلق ذاكرة بصرية احتوت شغفه وتشبثه بأمل راسخ في روح الأرض وثباتها رغم الأزمة والحرب وما لحقها من دمار فهو لم يركّز على النقل المباشر بقدر ما أعاد صياغتها بكل ما رسخ لديه من مخزون انساني ميّز ثقافته وهويته وانتماءه.
*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections