التدخل المصري ذات معني عظيم لتخفيض مستوى اللهيب بين إسرائيل وحماس
بعد سلسلة من الأيام الصعبة، سمع لأول مرة أمس تفاؤل حذر في الجانب الإسرائيلي بأنه سيكون ممكناً الوصول إلى تهدئة في الساحة الجنوبية المشتعلة.
هذا التفاؤل (الحذر، قلنا) يعتمد على سببين أساسيين: وصول وفد أمني مصري للمحادثات، والهبوط النسبي في عدد البالونات الحارقة التي أطلقت أمس. يجب التعاطي مع السبب الثاني بشك وفحصه وفقاً لسلسلة الأيام قبل أن أن نعتبره ميلاً، ولكن الوقفة المصرية ذات معنى عظيم على خلفية تجربتهم في تهدئة الخواطر بين الطرفين. ومكث الوفد المصري في رام الله أمس لإجراء محادثات مع السلطة الفلسطينية، ومن المتوقع أن يواصل طريقه إلى غزة في محاولة لتخفيض مستوى اللهيب بين إسرائيل وحماس.
في المداولات الداخلية التي أجريت في الأيام الأخيرة، كانت محافل التقدير في جهاز الأمن متفقة في الرأي بأن ليس لحماس مصلحة في تصعيد واسع في الجبهة. والأحداث الأخيرة هي في الأساس نتيجة لضائقة غزة الاقتصادية. فالتنظيم معني –إلى جانب ضمان استمرار التمويل القطري لأطول فترة ممكنة- باستئناف سلسلة من المشاريع المدنية، في محاولة لجلب بشرى لسكان القطاع، كما أنه معني بجذب اهتمام الأسرة الدولية من جديد، بعد أن انتقل إلى لبنان في أعقاب مصيبة بيروت.
تستعد إسرائيل لتجاوز هذا الموضوع مع حماس، ولكن بعد توقف إطلاق البالونات الحارقة من غزة تماماً. كجزء من محاولة بث أثمان الربح والخسارة، شددت إسرائيل في الآونة الأخيرة الضغط العسكري والاقتصادي الذي تمارسه على القطاع. وفي هذا الإطار، أغار سلاح الجو في الليالي الأخيرة على عدة أهداف في غزة (رداً على إطلاق الصواريخ نحو “سديروت”)، ثم أغلقت معبر البضائع في كرم أبو سالم، ومنعت الصيد تماماً وقلصت كمية الوقود.
تؤثر هذه الخطوات بشكل مباشر على سكان القطاع، وبالتالي على حماس. فمعنى وقود إقليم هو ساعات كهرباء إقليم، ومعنى بضائع إقليم هو نشاط اقتصادي إقليم، ومعنى صيد إقليم هو ضائقة حقيقية في الشارع الغزي. لن تستطيع حماس الصمود أمام هذا الضغط الداخلي على مدى الزمن، وتعول إسرائيل على هذا على أمل أن تأمر حماس بوقف إطلاق البالونات، الأمر الذي يسمح بعودة الهدوء والحياة الطبيعية إلى الغلاف.
ولو نجح المصريون مرة أخرى بالجسر بين الطرفين، فستكون توافقات مؤقتة لأن إسرائيل تشترط لكل تقدم تفاهمات بعيدة المدى بحل مسألة الأسرى والمفقودين. وتشكك المحافل ذات الصلة بالموضوع في أن يكون الأمر ممكناً الآن، على خلفية المطالب العالية التي طرحتها حماس، والتي لا تنوي إسرائيل الاستجابة لها. ولن يكون التقدم ممكناً إلا إذا أبدت حماس “مرونة كبيرة” على حد قولهم.
يتركز الجهد الإسرائيلي في هذه الأثناء على تحقيق الهدوء في الغلاف. فالضرر الذي تلحقه الحرائق وإن كان قليلاً بالنسبة لذاك الذي وقع في صيف 2018، فإن الاستخفاف بوقعه المعنوي على السكان الذين يسكنون في المنطقة يبقى محظوراً. وكما هي الحال دوماً، فإنهم يبدون حصانة وقدرة صمود عظيمة، ولكن كان يجدر بالدولة أن تتوافق معهم في جملة مواضيع مدنية تشغل بالهم (توسيع طريق 232 وإلغاء المطلب المغيظ في تمويل مزارعي المنطقة تمديد أنبوب المياه الجديد هناك) فتعزز صمودهم استعداداً للجولات التالية التي لا بد ستأتي في الجبهة.