البيتكوين يتحول لبديل جدي للدولار في إيران
في فناء مصنع لإنتاج الزجاجات البلاستيكية بضواحي العاصمة الإيرانية طهران، يقف نيما (اسم مستعار) وسط آلاف من أجهزة الكمبيوتر العملاقة والمصممة خصوصاً لتعدين عملة البيتكوين، التي أصبحت تمثل بديلاً عن الدولار بالنسبة للإيرانيين.
يشرف نيما على عمال تعدين العملات الرقمية البالغ عددهم نحو 300 فرد، من بينهم 25 عاملاً من دولة الصين، والعمل الذي يقوم به يُنظر إليه بريبة في كثير من الدول، ولكن في إيران يبدو كعمل وطني؛ في ظل منع البلاد من استخدام الدولار من قِبل الولايات المتحدة.
نقود لا تخضع للحكومات
البيتكوين واحد من 700 عملة رقمية أخرى ولكنها الأكثر شهرة، تم طرحها لأول مرة في عام 2008، وهي عملة لا وجود مادياً لها، ولا تتم طباعتها كما اعتدنا في النقود العادية، ولا يملكها أي بنك مركزي في العالم، فهي مجرد عملة رقمية افتراضية لا تخضع لسيطرة الحكومات.
تعمل عملة البيتكوين من خلال تطبيق على الإنترنت، بإمكان أي شخص في العالم إنشاء حساب خاص به عليه، دون الحاجة إلى وساطة البنوك وإصدار كارت ائتمان، في التطبيق الخاص بالبيتكوين يمكنك إنشاء محفظة مالية تستقبل وترسل من خلالها كل التحويلات النقدية الخاصة بك.
لكن لكي تتمكن من استثمار أموالك وتحويلها إلى بيتكوين تمر الأمور بعملية معقدة إلى حد ما، يمكنك أن تقوم بها بمفردك إذا كنت تمتلك جهاز كمبيوتر عالي الكفاءة بمواصفات خاصة وكهرباء متوافرة ورخيصة، لأن عمليات تعدين البيتكوين تستهلك كميات كبيرة من الطاقة.
الأمر يحتاج دارية بعدة أمور حسابية وبرمجية، لكي تستطيع أن تفك شيفرة البيتكوين وتحويلها إلى أموال نقدية تستطيع الاستفادة بها.
وإن لم تكن تملك كل تلك الأدوات السابق ذكرها، فهناك عديد من الشركات التي تقوم بذلك.
وفي إيران توجد شركات مثل شركة نيما تقوم بتلك العملية.
المعاملات بالبيتكوين تتمتع بدرجة من الأمان والسرية الهائلة التي تجعلها الاختيار الأمثل للأفراد الذين يعيشون في بلاد تعاني العقوبات، خاصة المفروضة على القطاع المصرفي مثل حالة إيران، فتعتمد عملة البيتكوين على نظام الـblockchain الذي هو أساس العلاقة الرقمية.
ونظام البلوك تشين عبارة عن قاعدة بيانات تضم كل مستخدمي البيتكوين ومن خلالها يمكنهم إجراء كل المعاملات المالية الخاصة بهم من دون الحاجة إلى وسيط ثالث والذي يتمثل في البنوك المركزية.
العملات الرقمية هي مستقبل إيران
منذ انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأحادي الجانب من الصفقة النووية مع إيران في مايو 2018 واعادته للعقوبات على طهران والتي طالت القطاع المصرفي في البلاد، ومنع إيران من الوصول إلى الدولار الأمريكي، عاد الحديث عن مستقبل العملات الرقمية، خاصةً البيتكوين في إيران، وأنها هي الوسيلة الوحيدة للخروج من أزمة العقوبات على التعاملات البنكية الدولية في إيران.
يقف وراء دعم البيتكوين في إيران وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات محمد جواد آذري جهرمي.
ففي زيارته الأخيرة للصين الأسبوع الماضي، أعلن أنه سيتم عقد شراكة على نطاق واسع بين وزارة الاتصالات الإيرانية والقطاع الخاص في الصين لتعدين عملة البيتكوين بإيران.
وأعرب الوزير عن أمله في أن تتخذ الحكومة الإيرانية هذا الأمر على محمل الجد، وتبدأ في إصدار التراخيص اللازمة لبدء تلك الشراكة.
فهي بمثابة أرض الأحلام لمنتجي البيتكوين حتى لو على حساب الفقراء
وتتمتع إيران بميزة نسبية في مجال البيتكوين.
إذ إن تعدين العملات الرقمية المشفرة يحتاج استهلاك كهرباء بشكل كبير للغاية.
لذلك تعتبر إيران أرض الأحلام لكل من يريد تعدين عملة البيتكوين، لكن لماذا؟
فالحكومة الإيرانية تدعم الكهرباء بشكل كبير، حتى إن أسعار الكهرباء في إيرانمنخفضة للغاية مقارنة بالصين على سبيل المثال.
ويقول رضا سبحانى مهندس البرمجة وتطوير المعلومات لـ «عربى بوست»: «يستهلك تعدين بيتكوين واحدة نحو 70 كيلووات في الساعة، وهو ما يعادل نحو 35 مليون تومان إيراني إلى 8.289 دولار أمريكي، وهذا ما يجذب المستثمرين الصينيين لتعدين العملات الرقمية في إيران».
ومما يزيد من فرص جعل إيران بلداً جاذباً لكل من يريد تعدين العملات الرقمية من الصينيين وغيرهم، أن المصانع والمساجد والمدارس تتلقى كهرباء مجاناً من دون أي تكلفة، لذلك نجد بداية من منتصف عام 2018، أنه قد زاد عدد المستثمرين والعمال الصينيين في إيران الراغبين في تعدين البيتكوين.
جاك ليانغ، مستثمر صيني في مجال البيتكوين، جاء إلى إيران منذ عدة أشهر، ومعه 30 عاملاً صينياً لتعدين البيتكوين، يقول لـ «عربى بوست»: «في الصين أسعار الكهرباء مرتفعة للغاية، خاصة في فصل الصيف».
ولكن في إيران، الأمر مختلف تماماً، فتعدين عملة واحدة من البيتكوين في الصينيكلف 2.5 ضعف تكلفة تعدينها في إيران، بسبب أسعار الكهرباء المنخفضة والدعم الحكومي لها».
ولكن الأمور لا تسير بطريقة شرعية أحياناً
يواجه ليانغ بعض المصاعب، فدخول الأجهزة الحاسوبية الخاصة بتعدين البيتكوين أمر غير سهل تمام في إيران، بسبب العقوبات الأمريكية على الواردات إلى إيران.
ويقول ليانغ: «لا تتم الأمور بطريقة شرعية في بعض الأحيان، لأن الأجهزة التي نحتاجها لا يمكن إنتاجها في إيران، من الصعب استيرادها بسبب العقوبات، فنلجأ في بعض الأحيان إلى التهريب».
وصادرت القوات الأمنية الإيرانية عديداً من الأجهزة المهربة في الآونة الأخيرة، وفقد ليانغ ما يقرب من 5 آلاف جهاز كمبيوتر، لكنه استطاع تدبُّر أمره بعدها بشهر واحد، لكنه لم يرغب في التحدث عن الطريقة التي اتبعها.
والحكومة منقسمة بسبب البيتكوين
بالعودة إلى نيما المستثمر الإيراني في مجال البيتكوين والذي يستغل أحد المصانع لتعدين البيتكوين بشكل غير قانوني، يقول لـ «عربى بوست»: «طلب مجتمع مستثمري العملات الرقمية في إيران من الحكومة مراراً وتكراراً، دراسة أمر تعدين وتداول البيتكوين في إيران بشكل جدي، ولكن الحكومة لا تستوعب أهمية العملات الرقمية».
ويضيف نيما غاضباً: «إنه جنون! ففي وسط كل تلك العقوبات الحل السحري أمام المسؤولين وهو البيتكوين لتخطى كل تلك الامور بطريقة لا يستطيع أحد منعنا منها، لكن الحكومة تخشى كل ما هو عصري ومتطور».
فهناك مخاوف من تحوله لوسيلة تهريب الأموال
وعلى الرغم من دفاع وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات جواد جهرمي عن استخدام البيتكوين في إيران، فقال حينها إن مسألة منع تداول العملات الرقمية مهمة في هذه اللحظة، لمنع هروب العملات الأجنبية خارج البلاد في ظل الظروف الحالية.
لسنوات طويلة ظل الإيرانيون يعانون عزلة اقتصادية وعزلة أكبر في المعاملات المالية الدولية والدفع النقدي، ومع فرض العقوبات الأخيرة في منتصف العام الماضي، فإن هذه التكنولوجيا الجديدة تتيح للمسؤولين في إيران طريقة تبدو سهلة وآمنة تماماً، لكسر العقوبات على القطاع المصرفي، ولكن الأمور لم تسِر بشكل سلس.
فمنذ عام 2016 يحاول المسؤولون في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الإيرانية، والمسؤولون التقنيون في البنك المركزي إقناع الحكومة بمسألة تداول العملة الرقمية البيتكوين كحل لتجاوز العقوبات، لكن كل تلك الجهود لم تجدِ نفعاً.
وفي عام 2017، قال ناصر حكيمي، نائب مدير التقنيات الحديثة في البنك المركزي الإيراني، إن البيتكوين فرصة يجب على الحكومة استغلالها، لكنه في الوقت نفسه حذر من مخاطر تداول تلك العملة الرقمية.
في 22 أبريل عام 2018، أعلن البنك المركزي الإيراني أنه أرسل توجيهات إلى جميع الفروع والوحدات التابعة للبنوك والمؤسسات الائتمانية ومكاتب الصرافة بمنع شراء أو بيع أي عملة بيتكوين وبقية العملات الرقمية الأخرى، وبرر البنك المركزي هذا الأمر بأنه جاء خوفاً من الحكومة من استخدام العملات الرقمية في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
لكن هل هذا يعني عدم قانونية استثمار نيما، أو أنه معرَّض لخطر السجن بسبب مخالفة القوانين؟
يقول سهيل محمدي، عضو جمعية البيتكوين الإيرانية، لـ «عربى بوست»: «ما زال تعدين البيتكوين عملا قانونياً، فالحكومة أجازت تعدين العملات الرقمية بعد أخذ التصاريح اللازمة، ولكن ما تم منعه هو تداول البيتكوين والدفع بها داخل إيران».
لكن نيما ما زال وضعه غير قانوني، لأنه يعمل بشكل سري فى مصنع للاستفادة من الكهرباء مجاناً، من دون أخذ التراخيص اللازمة من الحكومة.
يقول نيما: «أفضّل الآن العمل بتلك الطريقة، إلى أن تتضح الأمور أكثر من جانب الحكومة، التي هي بالفعل مرتبكة جداً تجاه البيتكوين».
نقبل تصديرها لا تداولها داخل البلاد
واتضح موقف الحكومة في شهر نوفمبر2018، حين أعلن رئيس المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني، أبو الحين فيروزآبادي، أن الحكومة الإيرانية قبلت تعدين العملات الرقميه كصناعة.
وعلى الرغم من موافقة الحكومة على تعدين العملات الرقمية في البلاد، فإن سهيل محمدي، عضو جمعية البيتكوين الإيرانية، ما زال يشعر بالقلق، فيقول لـ «عربي بوست»: «حتى الآن لم تقتنع الحكومة تمام الاقتناع بأهمية البيتكوين، ولذلك لم يُنه البنك المركزي الحظر المفروض على تداوال العملات الرقمية، فضلاً عن أن هناك عدداً كبيراً من المسؤولين يرون أن تعدين البيتكوين في إيران يؤثر في استهلاك الكهرباء، ومن المحتمل أن يتسبب في حدوث أزمة بالكهرباء للإيرانيين».
ويرى محمدي أن المسؤولين الإيرانيين كان يجب عليهم من البداية تبني البيتكوين وتسهيل كل الإجراءات أمام المستثمرين، وأنه يجب على البنك المركزي رفع الحظر عن تداول البيتكوين، وجعلها عملة يمكن الدفع بها داخل إيران، من أجل تفادي كل الأزمات الناجمة عن العقوبات الأمريكية على البلاد.
البيتكوين تساعد على حل مشكلة السياحة.. الآن يستطيع الأوروبيون زيارة إيران
أصبحت البيتكوين تلعب دوراً مهماً في قطاع السياحة الإيراني الذي يتنامى في ظل ظروف صعبة.
فبعد الانسحاب الأمريكي من الصفقة النووية، وإعادة فرض العقوبات على طهران، انهارت العملة الايرانية وفقدت أكثر من 60 فى المئة من قيمتها أمام الدولار اﻷمريكي، وقتها خشي كثيرون على قطاع السياحة الذي كان في بداية تلمس الطريق للتطور، ولكن انهيار العملة جعل إيران واجهة سياحية لعديد من السياح الأوروبيين نتيجة لانخفاض الأسعار.
من هنا بدأ القطاع الخاص في مجال السياحة يعيد الحديث عن العملات الرقمية.
الصحفى الإيراني المختص في مجال العملات الرقمية، مهرداد فريدون، يشرح علاقة السياحة بالبيتكوين لـ «عربي بوست»، قائلاً: «بسبب العقوبات على القطاع المصرفي الإيراني، لا يستطيع السياح أن يحجزوا أي شيء داخل إيران سواء فنادق أو مطاعم أو مزارات سياحية عن طريق الإنترنت والدفع المسبق، ولا بد أن يدفعوا نقداً داخل إيران، لكن البيتكوين بإمكانها حل كل تلك الأمور«.
حتى إن البعض اقترح إطلاق عملة رقمية للسياحة
ويبدو أن علي أصغر مونسيان، رئيس منظمة التراث والحِرف اليدوية والسياحة، أدرك بدوره أهمية البيتكوين في انتعاش القطاع السياحي بعد إعادة فرض العقوبات.
إذ قال: «إن العملات الرقمية وعلى الأخص البيتكوين، محور اهتمام كبير من قِبل منظمة السياحة في الأيام الأخيرة، ونتيجة لذلك قررت المنظمة إنشاء عملة رقمية تديرها الدولة، تكون خاصة بقطاع السياحة».
يقول الصحفي الإيراني مهرداد فريديون، إن الحكومة لم تصدّق بعد على أمر إنشاء عملة رقمية خاصة بقطاع السياحة، ولكنها تفكر في إنشاء عملة رقمية خاصة بالبلادبعد أن أدركت أهمية العملات الرقمية في تجاوز العقوبات.
رقمية خاصة بالبلاد بعد أن أدركت أهمية العملات الرقمية في تجاوز العقوبات.
بعيداً عن الحكومة ومنظمة السياحة، نجح القطاع الخاص في مجال السياحة في استخدام البيتكوين بالمعاملات السياحية، هناك شركة سفريات صغيرة استطاعت أن تنجح في استخدام البيتكوين بمجال السياحة.
شركة Iran By Bit تقدم عديداً من الخدمات السياحية وحجوزات الفنادق والمطاعم والمزارات السياحية والتنقل داخل إيران، وتقبل الدفع بالبيتكوين، في مقابلة مع أحد المسؤولين بالشركة رضا صدر، قال: «إن قبول شركتنا الدفع بالبيتكوين زاد من عدد السياح الراغبين في زيارة إيران والدفع بالعملة الرقمية، وساعدنا على زيادة مبيعاتنا وتسلُّم أموالنا بكل سهولة دون الخوف من العقوبات».
الحكومة للمستثمرين: سنصدر لكم التراخيص كافة، ولكن نريد حصتنا
بعد عودة وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من الصين، وتأكيده جلب عديد من مستثمري القطاع الخاص الصينيين إلى إيران لتعدين البيتكوين، قالت الحكومة إنها على استعداد تام لإنهاء التراخيص اللازمة لتعدين العملات الرقمية، مقابل أن تأخذ الحكومة حصتها من الضرائب التي ستفرض على تلك الشركات.
ويقول نيما المستثمر الإيراني في مجال البيتكوين: «ستفرض الحكومة علينا ضرائب هائلة، وستبيع لنا الكهرباء بأسعار مرتفعة، وهذا كله سيؤثر في مكسبنا بالنهاية».
ويرى الخبراء في مجال العملات الرقمية داخل إيران، أن خطوة اعتراف الحكومة بتعدين العملات الرقمية داخل البلاد خطوة جيدة، ويرى البعض منهم أنها البداية في انطلاق إيران بمجال الاستثمار في العملات الرقمية، وتلك الخطوة ستُحدث تغييراً كبيراً في الاقتصاد الايرانى بالمستقبل القريب.