البحرين “الثاني عالميا” في تعزيز المستقبل الوظيفي للوافدين بالخليج
انتقل علاء نوفل من موطنه الأصلي الأردن إلى البحرين عندما كان عمره 25 عاماً للعمل في مجال التسويق بإحدى شركات البرمجيات. وفي غضون ثلاث سنوات فقط، حصل على ترقية ليصبح مديرا للتسويق. وكان بإمكان نوفل القيام بعمله هذا في الأردن دون الحاجة لمغادرة بلده، لكنه يقول إن البحرين مكان أفضل للعيش والعمل، مشيرا إلى أن “الناس هنا على مستوى مهني راق ويتمتعون بالانفتاح على كل جديد”.
ويبلغ عدد سكان البحرين 1.5 مليون نسمة فقط، يعيشون على مساحة أقل 200 مرة من مساحة ولاية فلوريدا الأمريكية، وهي جزء من منطقة الخليج لكنها أقل شهرة من بقية بلدان تلك المنطقة.
وخلال السنوات الأخيرة، عانى اقتصاد البحرين نتيجة انخفاض أسعار النفط، الذي يمثل صادراتها الرئيسية. كما أن هناك توترا سياسيا عميقا بين الأسرة الحاكمة التي تنتمي للمذهب السني وبين أغلبية السكان الذين ينتمون للمذهب الشيعي، وهو ما نتج عنه اندلاع مظاهرات عنيفة مناهضة للحكومة عام 2011، وما تلاها من حملة قمع للجماعات المعارضة ونشطاء حقوق الإنسان.
ورغم ذلك، صنفت دراسة حديثة البحرين، التي تتكون من أكثر من 30 جزيرة، كثاني أفضل مكان في العالم للمهن الوافدة، بعد ألمانيا، ومتقدمة على أماكن جذب عالمية مثل الإمارات العربية المتحدة وسنغافورة وهونج كونج.
واعتمدت الدراسة، التي أجرتها مؤسسة “إتش إس بي سي إكسبات” – الذراع المصرفية الخارجية لمجموعة “إتش إس بي سي” – على آراء 22 ألف من أصحاب المهن على مستوى العالم بشأن معايير من قبيل التوازن بين الحياة والعمل والأمن الوظيفي، والارتقاء المهني وعلاوات الموظفين وآفاق الدخل المالي.
وقال نحو 60 في المئة ممن شملتهم الدراسة إن ثقافة العمل في البحرين أفضل منها في بلدانهم الأصلية. كما حظيت المملكة على تقييم جيد في مجال الأمن الوظيفي وتحقيق الذات وفرص الارتقاء والتقدم في العمل.
وفي البحث الرئيسي الذي أصدرته مؤسسة “إتش إس بي سي إكسبات” في أكتوبر/تشرين الأول 2018، تبوأت البحرين بشكل عام المركز الخامس كأفضل مكان للعيش بالنسبة للأجانب.
وانتقلت صدف كريم من باكستان إلى البحرين مع زوجها الذي كان يعمل موظفاً في أحد البنوك قبل 13 عاماً، وتعمل الآن في مجال تدريس اللغة الإنجليزية والموسيقى بدوام جزئي. وعندما وقع الطلاق بينهما، اختارت صدف أن تبقى وتربي ابنتها في البحرين؟
تقول صدف عن تلك التجربة: “مكثت في البحرين لأن لدي وظيفة جيدة وأحب بيئة العمل في هذا البلد. أحصل على راتب جيد وأتقدم في وظيفتي”.
وقال نوفل إنه انطلاقاً من تجربته فإن الناس يشعرون بالأمان في وظائفهم في البحرين ويدينون بالولاء للمؤسسات والشركات التي يعملون بها، والدليل على ذلك أن كل من تركوا عملهم في الشركة التي يعمل بها قد فعلوا ذلك للعودة إلى بلدانهم وليس للعمل كأجانب مع مؤسسة أو شركة أخرى.
ويرى نوفل أن البحرين تتميز بالتنوع أكثر من غيرها من بلدان الخليج، قائلا: “يوجد مزيج جيد من الجنسيات المختلفة، لكن حصولك على المميزات يعتمد على أدائك وليس على الجنسية التي تحملها، فالجميع هنا على مستوى عال من المهنية”.
وتعد الرواتب الخالية من الضرائب وعلاوات السكن والتعليم والسفر بمثابة حوافز كبيرة لأصحاب المهن والعمالة المؤهلة للعمل في البحرين. وأشار أكثر من ثلثي المشاركين في البحث إلى أن هناك مميزات أخرى تتمثل في إمكانية زيادة الراتب والحصول على علاوات إضافية. ويرتبط الدينار البحريني بالدولار الأمريكي الذي تصل قيمته لمستويات جيدة في الوقت الحالي، وهو ما يعني أن الرواتب تبدو أعلى من السابق.
يقول جون غودارد، رئيس مؤسسة “إتش إس بي سي إكسبات”: “الرواتب العالية عامل مهم في انتقال الأجانب للعمل في البحرين”، لكنه يشير إلى أن التوازن بين العمل والحياة وفرص التطور هي أيضاً عوامل مهمة في تبوء البحرين لهذا المركز المتقدم بين البلدان الجاذبة للأجانب.
جاء البلجيكي بيير دو فويست للبحرين عام 1992 لإقامة فرع تشغيلي لشركة الهندسة اليابانية “يوكوجاوا” ويعمل الآن مديراً تنفيذياً للشركة في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقال دو فويست لبي بي سي: “ربما لا تكون الرواتب هنا مرتفعة مثلما الحال في أماكن مثل دبي، لكن تكاليف المعيشة أقل بكثير مما هي في غالبية دول الخليج، وهو ما يعني أنه يمكن ادخار أموال أكثر”.
ويشكل العاملون الأجانب أكثر من 50 في المئة من مجموع سكان البحرين. وكما هو الحال في بلدان الخليج، تأتي نسبة كبيرة من هؤلاء العاملين من جنوب شرق آسيا للعمل في قطاع الخدمات والإنشاءات، ويعملون بموجب نظام الكفالة الذي يربطهم بكفيل من أهل الدولة يتعين عليهم الحصول على موافقته عند التقدم للحصول على تأشيرات الدخول والخروج أو الإنتقال لعمل آخر. وهناك انتقادات كبيرة لهذا النظام.
وقد بذلت البحرين خلال السنوات الأخيرة جهوداً لإصلاح هذا النظام بغية تحسين ظروف وحقوق العمال رغم استمرار الانتقادات لطريقة معاملتهم.
ويعتمد متوسط الرواتب بشكل كبير على قطاع العمل ورتبة الموظف وموقعه في العمل. فحسب بيانات جمعتها مجلة “غولف بيزنس” التي تصدر في دبي، وصل متوسط الرواتب عام 2018 إلى 7,867 دولارا في الشهر. ويمكن أن يصل راتب المدير التنفيذي لشركة وسائط متعددة في البحرين إلى 33 ألف دولار شهرياً، والمحامي إلى 8133 دولارا ومدير شؤون الموظفين إلى 7438 دولار، لكن موظف الاستقبال يتلقى 1699 دولارا والعامل أو الخادمة المنزلية يتلقيان أقل من ذلك بكثير.
وهناك أيضا وجود عسكري أمريكي وبريطاني مهم في البحرين، نظراً لموقعها القريب من مضيق هرمز الذي يعد أحد أكثر طرق الشحن البحري ازدحاماً في العالم، والذي يمر عبر إيران.
ويعد العمل المصرفي أكبر قطاع اقتصادي في البلاد بعد النفط، حيث تعتبر البحرين رائدة في مجال التمويل الإسلامي، الذي يلتزم بتعاليم الشريعة الإسلامية في الاستثمارات والتأمين وتسهيلات القروض.
وفي إطار تعزيز تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، يعمل مجلس التنمية الاقتصادية البحريني على الترويج للبحرين على أنها “وادي السيليكون” في الشرق الأوسط عن طريق تقديم الحكومة لحزمة من الحوافز السخية وبيئة مشجعة للمشروعات الناشئة في مجال التجارة الإلكترونية والاستثمار الخاص.
ويقول غودارد، من مؤسسة “إتش إس بي سي”، إن سياسة التنويع الاقتصادي أدت إلى خلق فرص مثيرة للاهتمام للوافدين من أصحاب المهارات الذين يتطلعون للارتقاء في حياتهم المهنية.
وفي عام 2016، اختار المستثمر الهندي أمجد بوليالي البحرين بدلاً من الإمارات العربية المتحدة، التي عمل بها لعشر سنوات، لإطلاق شركته الناشئة في مجال توصيل مواد البقالة إلى المنازل لمن يطلبها عبر شبكة الإنترنت.
يقول أمجد، البالغ من العمر 35 عاماً، إن البحرين مكان جيد لتأسيس الشركات الناشئة لأنها سوق صغيرة تكون فيها عمليات التشغيل أسهل وأقل تكلفة، مع ميزة إضافية هي إمكانية الوصول براً للعملاء في السعودية.
ويضيف: “يوجد الكثير من الفرص للشركات الناشئة في مجالات التجارة عبر الإنترنت والتقنية الدقيقة في البحرين”، مشيراً إلى الحوافز الحكومية السخية مثل دفع جزء من رواتب الموظفين في شركات التكنولوجيا إذا كانوا يحملون الجنسية البحرينية، وهو ما ساعده على استخدام رأسماله التأسيسي على نطاق أوسع.
يقول أمجد: “ثمة توازن مدهش بين الحياة والعمل هنا، إذ يمكنك العيش قريباً من مكان عملك دون أن تعلق في الازدحامات المرورية كما يحدث في أماكن أكثر ازدحاماً مثل دبي، وهو الأمر الذي يمكنك من استغلال وقتك في تحقيق إنتاجية أكبر”.
ويقول أمجد إنه على الرغم من أن البحرين أصغر من البلدان الخليجية المجاورة، فإنه يشعر بأنها تتمتع باستقرار أكبر بالمقارنة بالأماكن التي عادة ما يفضلها الأجانب مثل دبي.
ويضيف: “في دبي عندما ترتفع أسعار الأشياء، فهي ترتفع بشكل كبير للغاية، ثم تبدأ في الانخفاض من جديد. لكن هنا تكون الأمور أكثر استقراراً، وهو ما يجعل البحرين مكاناً جيداً للعمل والاستثمار”.