الانسحاب من العراق وأفغانستان شعار رفعه ترامب وبايدن.. لكن هل ترضخ شبكة المصالح الأمريكية؟
قبل أربع سنوات فاز دونالد ترامب بمنصب الرئيس بعد أن وعد الأمريكيين بأنه سيسحب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان وينهي الحروب اللانهائية، لكنه لم يفعل! والآن ترامب ومنافسه جو بايدن يكرران نفس الوعد وإن بطرق مختلفة، فهل يصدُق أيٌّ منهما هذه المرة؟
وكالة Associated Press الأمريكية تناولت الملف الأبرز في السباق الرئاسي الساخن في تقرير بعنوان: “من المتوقّع أن تكون للانتخابات الأمريكية عواقبها على القوات الموجودة خارج البلاد”، رصدت وعد كلٍّ منهما واحتمالات قدرته على التنفيذ.
تداعيات على القوات في الخارج
قال كلٌّ من الرئيس دونالد ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن إنهما يرغبان في سحب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان، لكن نهج كلٍّ منهما يختلف عن الآخر، وستكون لنتيجة انتخابات الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني عواقبها بعيدة المدى على القوات الأمريكية والمنطقة الأوسع أيضاً.
فخلال حملته الانتخابية قبل أربع سنوات تعهّد ترامب بإعادة جميع القوات من “الحروب التي لا نهاية لها” إلى أرض الوطن، ما أدّى في بعض الأحيان إلى ظهور ضغطٍ مضاد من القادة العسكريين وقادة الدفاع والمشرعين الجمهوريين أنفسهم القلقين بشأن التخلّي عن شركائنا على الأرض، وزادت ضغوطه أكثر في الأشهر الأخيرة، إذ عمل من أجل تحقيق ذلك الوعد وإعادة القوات إلى الوطن قبل يوم الانتخابات.
وعلى نطاقٍ أوسع، نجح ترامب بشعاره “أمريكا أولاً” في استمالة الناخبين الذين سئموا الحرب وأحبطتهم مليارات الدولارات التي أُنفِقَت على الدفاع الوطني بدلاً من الاحتياجات المحلية، لكن ذلك أدّى أيضاً إلى تنفير الشركاء الأوروبيين القدامى الذين حاربت قواتهم إلى جانب قوات الولايات المتحدة، كما أضرّت بسمعة الولايات المتحدة بصفتها حليفاً وفياً.
بايدن والاهتمام بالحلفاء
وكان بايدن أكثر إصراراً على استرداد العلاقات الأمريكية مع الحلفاء والناتو، وله موقفٌ محسوبٌ أكثر في ما يتعلّق بهذه الحروب، إذ يقول إنّه يجب سحب القوات بشكلٍ مسؤول، وإنّ وجود قوة باقية سيكون ضرورياً في أفغانستان لضمان عدم قدرة الجماعات الإرهابية على إعادة بناء نفسها ومهاجمة أمريكا من جديد، لكن هذا النهج يُغضب التقدميين وغيرهم ممن يعتقدون أنّ الولايات المتحدة أنفقت الكثير من الوقت والمال والدماء في معارك بعيدة عن أرض الوطن.
بينما قال ترامب للمراسلين في البيت الأبيض مؤخراً: “سنخرج من الحروب التي لا نهاية لها. كبار رجال البنتاغون لا يُحبونني على الأرجح لأنهم لا يُريدون شيئاً سوى خوض الحروب، حتى تظل كل الشركات الجميلة التي تصنع القنابل والطائرات وكل شيء آخر سعيدة.. لنُعِد جنودنا إلى أرض الوطن. البعض لا يُريد العودة إلى أرض الوطن. والبعض يُريد مواصلة إنفاق المال”.
كلاهما فشل من قبل
ورغم حديث الرجلين عن سحب القوات، لكنّ كليهما حاول بطريقته وفشل على نحوٍ مُختلف، إذ وصل ترامب إلى المنصب بإدانة الحروب وإعلان أنّه سيُعيد القوات إلى أرض الوطن، وحين تولّى المسؤولية، كان سلفه باراك أوباما قد حدّد عدد الجنود منذ فترة عند 8400 جندي، ولكن في غضون عامٍ واحد، قفز الإجمالي إلى نحو 15 ألف جندي بالتزامن مع موافقة ترامب على طلبات القادة بإرسال المزيد من الجنود من أجل عكس مسار الانتكاسات في تدريب القوات الأفغانية، وقتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المتزايد في الخطورة، والضغط بما يكفي على حركة طالبان من أجل إجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
بينما كان بايدن جزءاً من جهود إدارة أوباما الفاشلة للتفاوض على اتفاقٍ مع القادة العراقيين في عام 2011، ونتيجةً لذلك سحبت الولايات المتحدة كامل قواتها من البلاد، لكن ذلك الانسحاب لم يدُم طويلاً، فبعد ثلاث سنوات فقط حين استولى مسلحو داعش على مساحات شاسعة من العراق؛ أعادت الولايات المتحدة نشر قواتها في العراق وسوريا لهزيمة داعش.
وبعينٍ على الانتخابات، سرّع ترامب ضغطه من أجل إعادة القوات إلى أرض الوطن، إذ قال القائد الأعلى للجيش الأمريكي في الشرق الأوسط الجنرال فرانك ماكنزي مؤخراً إنّ عدد الجنود قد ينخفض إلى نحو 4500 جندي في أفغانستان، ومن خمسة آلاف إلى ثلاثة آلاف فقط في العراق بحلول نوفمبر.
الأمر ليس بهذه البساطة
بينما شكّك جون غلازر، مدير السياسة الخارجية في معهد Cato Institute البحثي، في كلا المرشحين، إذ قال إنّ بايدن -حال انتخابه- سيُعاني من الضغط من أجل سحب القوات، لكنّه سيميل إلى إعادة الأمور لطبيعتها، “ما يعني الوقوف إلى جانب الحلفاء، وإعادة تأكيد التزامنا تجاه حلف الناتو”.
وأضاف غلازر أنه يعتقد أن ترامب يرغب حقاً في سحب القوات، ولكن مصالحه الانتخابية هي ما يُحرّكه في المقام الأول، فهو “يرغب في الانسحاب، ولكنّه لا يعرف طريقة فعل ذلك دون أن يبدو وكأنّه يُمسك بذيله ويفرّ هارباً”.
وأردف أنّه في حال إعادة انتخاب ترامب، “فأنا قلقٌ من أنّه سيفقد القليل من حافزه الانتخابي. وفي حال عدم وقوف الأصوات ضده، فأنا لا أعلم حقاً ما يُمكنه فعله. إذ يُمكن أن ينزلق بنا إلى صراعٍ آخر نظراً لعدوانيته في أيّ قضية”.
لكن ماكنزي وغيره من القادة العسكريين جادلوا مراراً بأنّ الأوضاع على الأرض وأنشطة العدو هي التي يجب أن تُحدّد أعداد القوات، وأشاروا إلى أنّ الولايات المتحدة يجب أن تُبقي قواتها في المنطقة من أجل ضمان عدم استعادة الأعداء معاقلهم.
في حين قال النائب ماك ثورنبيري من تكساس، كبير الجمهوريين في لجنة الخدمات المسلحة بمجلس النواب: “يرغب الجميع في إعادة الجنود إلى أرض الوطن من أفغانستان والدول الأخرى، وأعتقد أنّ الأمر يختلف تماماً بين سحب القوات عند استيفاء شروطٍ معينة، وبين سحب القوات على أي حال وانتظار حسن الحظ. ولا يسعني هنا سوى التفكير في طريقة انسحاب الرئيس أوباما من العراق.. إذ انسحبنا حينها وقُلنا: حظاً سعيداً. ومن الواضع أنّ الأمور لم تسر على ما يرام بعدها”.