الانتخابات الإسرائيلية بين متاهة الاستطلاعات والعودة إلى العصور الوسط
سيحتاج بنيامين نتنياهو اليوم إلى كل مؤهلاته الساحرة وسحره كي يثبت عدم صحة الاستطلاعات وإنقاذ نفسه من البئر العميقة التي تنتظره محاكمة في نهايتها، وبعد سنوات سيصعب عليه الاستيقاظ من غيمة سوداء يلقيها على اليسار الإسرائيلي. حسب الاستطلاعات الأخيرة، الليكود الآن في وضع تعادل ساكن مع “أزرق أبيض”، في حين أن كتلة اليمين تجد صعوبة في الوصول إلى 61 مقعداً. على نتنياهو تحويل الدولاب والانتصار في جبهتين، والحاسمة بينهما هي “جبهة الكتل”، من أجل أن يحيد تماماً تفكير الرئيس. ورقمياً هو وهم قريبون جداً من هذا الهدف.
انتصار في نهايته تشكيل ائتلاف يميني – حريدي سيمنح نتنياهو، حسب رأيه، رخصة لتكسير جهاز تطبيق القانون، والمستشار القانوني للحكومة، والمحاكم والإعلام الحر… باختصار، أقدام الديمقراطية الإسرائيلية التي اجتازت حروباً وانتخابات وقتل رئيس حكومة.
هو انتصار سيكافئه على حملة انتخابية عنصرية كاذبة وعنيفة لم تشهدها إسرائيل من قبل. حملة الانتخابات هذه قادها شخصياً مع حفنة من مساعديه المؤهلين، عديمي القيم والكوابح مثله. ومن لم يكن على شاكلته وصورته، فإنه يشبهه روحاً. هذه حملة انتخابات ثانية جاءت لاعتبارات شخصية من أجل الهرب من مواجهة ثلاثة قضاة.
سنة 2019 ستسجل صورة سيئة السمعة في التاريخ، سنة فيها مشتبه فيه بقضايا جنائية يجر دولة متنورة وحديثة مرتين إلى الانتخابات. إذا خرج نتنياهو غداً أو حتى نهاية الأسبوع “ساحراً وملكاً” فسيُسجل بأن الجمهور قد برّأه من كل التهم.
الحملة التي أدارها كانت مشهداً مهيناً للصورة الرسمية والحقيقة. لقد نثر الكراهية والتحريض: وصف المواطنين العرب بـ “سارقين”، وقال إنهم يسعون إلى تدمير إسرائيل. إذا كان هذا لا يرفع نسبة التصويت في المجتمع العربي فما الذي سيرفعها؟ لقد كذب وخدع وشوه في مرات كثيرة، بصوته أو من بواسطة “عمال صغار” من الصعب إحصاؤهم. وسنرى اليوم ما الذي سيخرجه من كم قميصه. قد يسوق بهستيريا على صفحته في “فيسبوك” فرية سرقة الانتخابات في نيسان الماضي، التي ارتكزت على تقرير صحافي أثار الأسئلة ولكنه لم يعط إجابات. الحقيقة الوحيدة أن الصندوقين الوحيدين اللذين اكتشف فيهما تزوير، كما يبدو، تضمنا مصلحة الليكود وشاس. فكرة “سرقة الانتخابات” اخترعتها ونشرتها قيادة حملة الليكود حتى يستطيع من يقف على رأسه أن يطالب بعد ذلك بإعادة الانتخابات. ليس صدفة أن يمتنع نتنياهو عن التعهد بإعادة التفويض، إذا فشل هذه المرة، لرئيس الدولة (على فرض أنه سيحصل على هذا التفويض). لا يجب التأثر من قوله: “ألا أحترم نتائج الانتخابات؟ أنا ديمقراطي!”، أليس كذلك، نحن بحاجة إلى ديمقراطي آخر كهذا، ولكننا بحاجة إلى ديكتاتوريين. إذا خسر فلن يترك أي شيء من أجل التمسك بالسلطة، فالبديل عن ذلك وباحتمالية عالية هو المحاكمة والإدانة والسجن.
61 مقعداً أو أكثر ستؤدي إلى تشكيل الحكومة الأكثر تطرفاً، وسيشغل فيها مناصب رئيسية أشخاص مشبوهون ومتهمون ومدانون بقضايا جنائية، متدينون قوميون، يتوقون إلى أيام العصور الوسطى، أشخاص مؤيدون واضحون لمئير كهانا ومشجعون للقاتل باروخ غولدشتاين. إما أن يكون هذا هو وجه حكومة إسرائيل المقبلة وإما أن يتم تشكيل حكومة وحدة بمشاركة الليكود و”أزرق أبيض”. ليس هناك إمكانية حقيقية لتشكيل حكومة وسط – يسار برئاسة بني غانتس.
في العاشرة مساء، عند نشر نتائج العينة، سيبدأ النظام السياسي بالانشغال في المسألة المصيرية: يتوقع كل منهما، بنيامين نتنياهو وبني غانتس، أن يحصل من الرئيس على التفويض لتشكيل الحكومة.
بدون حسم واضح، ربما يبدأ هنا سباق معكوس: كل واحد من المرشحين سيفضل أن يكون الثاني الذي يحصل على التفويض. هذا من أجل أن يقوم أعضاء الكنيست الـ 22، الذين لا يرغبون في الذهاب مرة أخرى إلى الانتخابات في شهر شباط 2020، بالركض نحو أحضان ذاك المرشح من أجل إحباط احتمالية حل الكنيست. هذا أحد السيناريوهات المجنونة التي يمكن أن تحدث إذا نتج عن هذه الانتخابات طريق مسدود. والباقي لا يستحق الحديث عنه. إذاً، فلننتظر من أجل رؤية النتائج النهائية.