الإندبندنت: قضايا بيئية تعصف بالشرق الأوسط
بدايةً من مستنقعات العراق إلى أبعد القرى النائية وسط الأحراش في جنوب السودان، يتكرَّر نفس المطلب: نحتاج إلى مياه نظيفة أو سنموت.
إن المياه النقية هي حاجة أساسية بالنسبة للبشر. المياه هي الحياة. ومع ذلك، لا تحظى أبداً أزمات المياه -التي غالباً ما تكون من صنع الإنسان وتوجد حلول لها- بنفس القدر من الاهتمام الذي تحظى به كوارث إنسانية أخرى مثل قصف جوي أو تفجير انتحاري على الرغم من أنَّ المياه الملوثة قد تكون كارثة أشد فتكاً من الصراع المباشر.
ومع ذلك، تُقابل عادةً قضايا المياه والنظافة والصرف الصحي -المعروفة باسم WASH في وكالات الإغاثة العالمية- بتجاهل ولا مبالاة. تقول «بيل ترو»: مراسلة شؤون الشرق الأوسط في صحيفة ” الإندبندنت” البريطانية، في الواقع، يُتغاضى عن معظم القضايا البيئية باعتبارها أخباراً ترفيهية غير مُلحّة وأُحيلت في وقتٍ سابق إلى الأقسام العلمية في الصحف أو البرامج التلفزيونية. هذا بدوره جعل البرامج المُهتمة بمكافحة تلك القضايا تعاني في أغلب الأحيان من نقص في التمويل بشكلٍ مؤسف.
ثمة حاجة إلى تغيير ذلك، قبل فوات الأوان
حذَّرت منظمة الأمم المتحدة في تقرير لها في خريف العام الماضي من أنَّنا الجيل الأخير الذي يستطيع الحيلولة دون وقوع ضرر لا يمكن إصلاحه لكوكبنا.
صدم التقرير، الذي يُعد الأشمل من نوعه، كثيرين. لم يعد بالإمكان اختزال شبح الاحتباس الحراري الوشيك أو الآثار الناجمة عن تغيُّر المناخ في صور هزيلة لدببة قطبية تجلس على رقعات جليدية متضائلة أو أفلام سينمائية خيالية غير قابلة للتصديق أو مناقشات حول فترة خمسة أجيال. إذ أنَّ الأمر يحدث الآن.
يُعد الأمر معقداً من منظور موارد المياه. تقول الصحافية «ترو»: أنا لست صحفية أو خبيرة بيئية، لكنني بدأت في العام الماضي تحقيقاً على مدار 8 شهور شمل 7 دول بشأن المياه والصراع في الشرق الأوسط وخارجه.
ما وجدته هو أنَّ حالات النقص المزمن في المياه حالياً لا تصل فقط إلى مستويات مقلقة، وذلك إلى حدٍ كبير جراء تغيّر المناخ وسوء إدارة الموارد سواء غير المقصود أو المُتعمّد، لكن أيضاً ثمة تأثير لنقص المياه في تلك الحالات على كل جوانب النزاعات الأخرى.
حروب محلية ودولية جديدة على الموارد
لا يؤدي نقص المياه -في البلدان التي بحثتها- إلى وفاة الأشخاص بسبب العطش فحسب، بل يعقّد الحروب القائمة بالفعل أو يساهم في إثارة حروب محلية ودولية جديدة على الموارد.
تقول ترو، «يُعد الافتقار إلى المياه النظيفة سبباً رئيسياً وراء جرائم العنف ضد المرأة وخطف الأطفال والحركات الجماهيرية الشعبية وإطاحة الحكومات، وحتى الانضمام إلى الجماعات الجهادية مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)».
توجد حلول في صميم كل حالة نقص مياه. في معظم الحالات، لا يوجد ما يكفي من التمويل أو معرفة الآليات أو الأدوات أو الإرادة السياسية لتنفيذ تغييرات.
صاغت الأمم المتحدة أحد عناصر المشكلة بعبارات واضحة صريحة في الأسبوع الماضي في دراسة شملت 16 دولة، صدرت بمناسبة اليوم العالمي للمياه، تفيد أنَّ 1.4 مليون شخص يلقون حتفهم كل عام بسبب المياه الملوثة فقط.
لكن الأمر الأكثر إزعاجاً يتمثَّل في اكتشاف أنَّ «عدد الأطفال الذين يموتون سنوياً جراء المياه الملوثة يفوق عدد من يموتون بسبب الرصاص والقنابل في مناطق الحروب الممتدة».
وفيات المياه الملوثة أكثر من وفيات الحروب
في الواقع، يُعد الأطفال دون سن 5 أعوام أكثر عرضة للموت بسبب المياه الملوثة من القتال المباشر بمقدار 20 مرة.
تضيف الكاتبة، تتأثر الفتيات والنساء على نحوٍ خاص، إذ يقعن ضحايا لحوادث العنف الجنسي أثناء جمعهن للمياه أو خروجهن لاستخدام المراحيض.
وتكافح النساء مع نقص احتياجات النظافة الصحية في فترة الطمث، مما يؤدي إلى الإصابة بالأمراض لدرجة أنَّ الكثير منهن يغبن عن المدرسة أثناء فترات حيضهن الشهرية بسبب عدم توافر المراحيض في المدارس. وتطول القائمة بأشياء من هذا القبيل.
يتَّضح من هذا أنَّه لم يعد بإمكاننا إيداع القضايا البيئية في قسمٍ خاص بها بعد أن ظهر جليَّاً إلقاؤها بظلالها على جميع جوانب الحياة على أرض الواقع بدءاً من الأعمال التجارية إلى القضايا المرتبطة بالنوع الاجتماعي.
تجاهل غرف الأخبار للأزمات البيئية
كان هذا الموضوع محور مناقشات لجنة قمت باستضافتها في مهرجان الصحافة الدولي بمدينة بيروجيا الإيطالية هذا الأسبوع. وأشار سفين إيجنتر، أحد الأعضاء المشاركين في اللجنة ورئيس تحرير موقع Clean Energy Wire»»، إلى إنَّه يتعيَّن على الصحفيين الاهتمام والبحث بشكلٍ أعمق، والربط بين النزاعات والبيئة، والتفكير بطريقة إبداعية خارج الصندوق، وإطلاق أجراس الإنذار لأن هناك حلولاً.
وقال إيجنتر إنَّ «تركيزنا في موقع Clean Energy Wire يصب على الانتقال الطاقي، لكنَّنا نغطي قضايا المُتعلّقة بالكهرباء، حرية الحركة والتَّنقل، الأعمال التجارية، الشؤون السياسية والعلاقات الدولية من منظور الانتقال الطاقي».
وأضاف: «هدفنا حتى الآن هو محاولة إدخال الصحفيين من جميع المشارب في هذا الاتجاه الضخم. يجب أن يفكر الصحفيون خارج إطار تقاريرهم المعتادة فيما يتعلق بالمصادر وطرق البحث». وفي السياق ذاته، يقول ويم زوينينبرغ، الذي يعمل في منظمة PAX غير الحكومية ومقرها هولندا، إنَّ المواقف تجاه البيئة تحتاج إلى تغيير التصوّر الخاطئ بأنَّ البيئة تتعلَّق فقط «بالنحل والفراشات».
يعمل زوينينبرغ عن كثب مع موقع Bellingcat باستخدام قاعدة بيانات مفتوحة المصدر تشمل صوراً بالأقمار الصناعية لتحديد وتتبّع قضايا مثل حالات تسرب النفط، التي دمَّرت الأراضي الزراعية في شمال العراق، مما أثار موجات نزوح وانتشاراً للفقر وتصاعد مخاوف الانضمام إلى الجماعات المتطرفة.
الصحفيون البيئيون يتعرضون للهجوم
ويقول زوينينبرغ: «بمجرد أن يصمت صوت رصاص البنادق، يهرب الناس. يوجد تلوث لأن شخصاً ما استهدف مصنعاً للفوسفات بجوار نهر أو جرى تدمير جزء كبير من البنية التحتية لشبكة المياه. لا يستطيع الناس الوصول إلى المياه ولا يمكنهم ري أراضيهم، وهذا يؤثر على سبل معيشتهم».
وأضاف: «يصعُب تخيُّل الوضع. تستطيع تخيُّل شخص يخطو على لغمٍ أرضي، لكن كيف تتخيل شخصاً يمرض أو انتشار الأمراض؟ فالأمر حسّي إلى حدٍ كبير -لهذا السبب أنت تبحث فيه باستخدام معلومات مفتوحة المصدر».
تقول لويز سارانت، صحفية بيئية تغطي منطقة الشرق الأوسط، إنَّ الصحفيين البيئيين يتعرضون للهجوم على نحوٍ متزايد من الأنظمة لأنَّهم يكشفون عن حقائق مقلقة بشأن الممارسات السيئة.
على سبيل المثال، ألقي القبض على ما لا يقل عن 63 من النشطاء والباحثين في مجال البيئة في عام 2018، وذلك وفقاً لمنظمة العفو الدولية.
كانت سارانت نفسها قد كتبت كثيراً عن قرار مصر الكارثي باستيراد الفحم، وقالت إنَّها جرى توقيفها عند الدخول إلى مصر على نحوٍ متكرر وأن مسؤولي الاستخبارات كانوا يراقبون منزلها.
وتقول سارانت إنَّ نقص البيانات في العديد من البلدان يؤثر على قدرة الصحفيين على الإبلاغ.. كذلك، يشعر الخبراء بالقلق من المضي قدماً في تقاريرهم بوجهٍ خاص في أماكن مثل مصر.
وتضيف: «يخشى الناس من الحديث ويتجنَّبون فعل ذلك قدر الإمكان.. وهذا تطور طرأ حديثاً». ومن ثمَّ، يعود الأمر إلى غرف الأخبار والمحررين وحتى القرّاء لدعم أولئك الذين يعملون على أرض الواقع لإنتاج تلك التحقيقات الضرورية.