«الإسلاموفوبيا» تتفاقم مع صعود اليمين في بريطانيا
سأل مواطن بريطاني بوريس جونسون وجيريمي كوربين، أثناء مناظرة تلفزيونية أذيعت على شبكة هيئة الإذاعة البريطانية «BBC» قبل أسبوع من إجراء انتخابات عامة في 12 ديسمبر/كانون الأول في المملكة المتحدة: «ماذا ستفعلان للتخلّص من الكراهية الموجودة في السياسة؟». كان طرح هذا السؤال على جونسون وكوربين أمراً مشروعاً بصفتهما زعيمي الحزبين السياسيين الرئيسيين في بريطانيا.
بالنسبة لكوربين، زعيم حزب العمال، كان السؤال يتعلّق في المقام الأول باتهام قيادة حزبه، الذي هو نفسه جزء منها، بأنَّها لم تكن قوية بما فيه الكفاية لمواجهة معاداة السامية داخل حزب العمال. أما بالنسبة لجونسون، زعيم حزب المحافظين، كان السؤال يتعلّق بمواجهة الإسلاموفوبيا (كراهية الإسلام) والتعصب ضد المسلمين داخل حزب المحافظين. لم يعط أي منهما جواباً يختلف كثيراً عن تصريحاته السابقة، ومن ثمَّ، جرى النظر إليهما بأنَّهما يحاولان التهرّب من الإجابة وإبعاد تهمة الكراهية عن حزبيهما، كما تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية.
«الإسلاموفوبيا» تتصاعد في بريطانيا
يقول إتش هيلر، باحث أكاديمي بارز في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، ومؤسسة «كارنيغي» للسلام، إنه إذا أخذنا بعين الاعتبار أنَّ جرائم الكراهية المُبلّغ عنها ضد اليهود في إنجلترا وويلز تضاعفت خلال عام 2019 مقارنةً بالعام السابق (إذ اُرتكبت 1326 جريمة مقارنةً بـ672)، يتّضح أنَّ معاداة السامية قضية تحتاج من حزب العمال والمجتمع البريطاني ككل معالجتها. لكن عدد جرائم الكراهية التي ارتكبت ضد المسلمين في نفس الفترة وصل إلى ثلاثة أضعاف جرائم معاداة السامية، إذ بلغ 3530 جريمة. ويمثّل هذا العدد تقريباً نصف جميع جرائم الكراهية ضد المجموعات الدينية في المملكة المتحدة. ومع ذلك، لايزال الانتباه لقضية الإسلاموفوبيا ضئيلاً مقارنةً بغيرها.
عندما يتعلّق الأمر بالمشاعر المعادية للمسلمين، لا يمكن اعتبار أنَّ هناك مشكلة إسلاموفوبيا في حزب المحافظين، فالأمر يتعلَّق برئيس الوزراء الحالي نفسه الذي كتب ذات مرة أنَّ «الإسلاموفوبيا تبدو ردة فعل طبيعية» وأصرَّ على أنَّ «الإسلام هو المشكلة». وكان حزب المحافظين قد اتَّخذ قراراً مؤخراً بتعليق عضوية عدد من مسؤولي الحزب بسبب تورطهم في أفعال وخطابات معادية للإسلام. ومع ذلك يبدو أنَّ المحافظين غير مستعدين بشكلٍ كافٍ لمواجهة انتشار الإسلاموفوبيا داخل صفوف الحزب.
الوضع قد يزداد سوءاً مع صعود اليمين
لكن التعصب ضد المسلمين لا يوجد في حزب المحافظين فحسب، بل ينتشر بصورة كبيرة في جميع أنحاء المجتمع البريطاني. زادت جرائم الكراهية ضد المسلمين من عام 2016 إلى 2017 بنسبة 30%. وفي العام التالي، أُرسلت رسائل مجهولة إلى عدد من العائلات المسلمة وأعضاء البرلمان المسلمين في جميع أنحاء لندن تحت عنوان «يوم معاقبة المسلمين»، والتي تدعو المواطنين البريطانيين إلى ارتكاب أعمال عنف وشن هجمات ضد المسلمين. وقد تعرضت بالفعل مساجد في المملكة المتحدة للهجوم، من بينها عندما اندفع سائق شاحنة وسط مجموعة من المُصلين عند خروجهم للتو من أحد مساجد لندن في يونيو/حزيران 2017.
والآن بعد انتهاء الانتخابات، لا يبدو أنَّ المشكلة على وشك الانتهاء. على العكس من ذلك، أصبحت كراهية الإسلام جزءاً من الخطاب السائد في المجتمع على نحو لم يسبق له مثيل في بريطانيا الحديثة. وقد يزداد الوضع سوءاً.
في الواقع، أصبحت مشكلة الإسلاموفوبيا حالياً أكثر خطورة مما كانت عليه بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول أو سلسلة تفجيرات لندن، التي استهدفت قطارات الأنفاق وحافلة في العاصمة البريطانية عام 2005.
قبل وقت قصير من انتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول، أجرت شركة ICM استطلاعاً لآراء الناخبين حول مواقفهم من المسلمين. اعترف 37% من الناخبين المحافظين بأنَّهم ينظرون إلى المسلمين بصورة سلبية، وقال 55% أنَّه يجب تقليل أعداد المسلمين الذين يدخلون بريطانيا، فيما اتفق 62% مع وجهة النظر القائلة بأنَّ الإسلام يهدد نمط الحياة البريطانية.
صحيح أنَّ هذه الأرقام مثيرة للقلق جداً، لكنها لا تدعو إلى العجب. كثرت المخاوف من انتشار التعصب ضد المسلمين في حزب المحافظين خلال السنوات الماضية. وقد قُدّمت عدة شكاوى مُتعلّقة بمواقف معادية للمسلمين عبَّر عنها مسؤولون ونشطاء من حزب المحافظين. وفي عام 2018، أعلنت سعيدة وارسي، الرئيسة المشاركة السابقة لحزب المحافظين، أنَّه يتعيَّن على الحزب فتح تحقيق في انتشار الإسلاموفوبيا داخل الحزب. وكانت سعيدة، عندما كانت تشغل منصب رئيس مشارك للحزب، قد قالت قبل سنوات إنَّ الإسلاموفوبيا أصبحت مقبولة في المجتمع البريطاني على نطاق واسع.
لم تكن سعيدة مخطئة؛ لأنَّ الأرقام المذهلة في نتائج آخر استطلاع رأي أجرته شركة «ICM» لم تكن متعلقة بناخبي حزب المحافظين فحسب، بل بالجمهور البريطاني ككل. عندما يتعلّق الأمر بالناخبين البريطانيين عموماً، أظهر استطلاع الرأي أنَّ 26% لديهم نظرة سلبية تجاه المسلمين، وقال 41% إنَّه ينبغي تقليل عدد المسلمين القادمين لبريطانيا، واتفق 45% مع وجهة النظر القائلة بأنَّ الإسلام يهدد نمط الحياة البريطانية.
المسلمون ضحايا التطرف أيضاً
يقول إتش هيلر: لقد بحثتُ كثيراً في شؤون المتطرفين الإسلاميين خلال معظم مسيرتي المهنية وتلقيت تهديدات منهم عدة مرات بسبب عملي -أحياناً لقولي إنَّ هؤلاء المتطرفين يشكلون تهديداً للمملكة المتحدة والمجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم. في نهاية المطاف، المسلمون هم الضحايا الرئيسيون لهذا التيار المتطرف في مختلف أنحاء العالم، وهم مَن يدفعون الثمن الأغلى لمحاربة تلك الجماعات المتطرفة.
لكن تجدر الإشارة إلى أنَّ استطلاع شركة ICM لم يسأل عن المتطرفين الإسلاميين، لكنه سأل عن المسلمين بوجهٍ عام والإسلام بصفته ديناً. لم تنحصر معاداة المسلمين في أقلية صغيرة من البريطانيين -ولا حتى في حزب سياسي واحد. فعندما ينظر ما يقرب من نصف المشاركين في الاستطلاع إلى الدين الإسلامي والمسلمين العاديين -وليس المتطرفين- باعتبارهم تهديداً، فإنَّ بريطانيا إذن تواجه مشكلة خطيرة ينبغي الانتباه إليها.
جاء الانتشار المتزايد للإسلاموفوبيا وقبولها نتيجة ثلاثة عوامل:
العامل الأول: يتمثل في تصريحات صادرة عن شخصيات سياسية بارزة عبّرت عن مواقف معادية للمسلمين. فقد وصل الأمر إلى أنَّ رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب، قال أشياء مثل «أعتقد أنَّ الإسلام يكرهنا» – وهذا لا يعتبر تصريحاً يخص التطرف، بل الإسلام.
العامل الثاني: هو وجود شبكة مدعومة جيداً تهدف إلى جعل الغرب ينظر إلى الإسلام والمسلمين باعتبارهم مشكلة. أوضح مركز الأبحاث الأمريكي «Center for American Progress» في تقريرين بارزين بعنوان » Fear, Inc» و » Fear, Inc. 2.0» الأسس المختلفة وشبكات النفوذ، التي تركز على نشر ودعم السرد القائل بأنَّ المسلمين والإسلام يريدون تدمير الحضارة الغربية من الداخل. هذا لا يحدث مصادفة، لكن عن قصد، ويدعمه السياسيون الديماغوجيون في أمريكا الشمالية وأوروبا وخارجها.
العامل الثالث: هو نشر الآراء المعادية للمسلمين من خلال أشخاص لا يُعرف عنهم التطرف وكراهية الإسلام. وكما أشار الباحث، توم كيباسي، الشهر الماضي: «من الصعب تجنّب الاستنتاج بأنَّ كثيرين في الإعلام البريطاني يتجاهلون الإسلاموفوبيا، لأنهم يعتقدون أنَّ مؤيدي الإسلاموفوبيا لديهم وجهة نظر».
ولم يكن هناك سوى عدد قليل جداً من السياسيين أو المثقفين أو الشخصيات الإعلامية على استعداد لمواجهة هذه القضية. على العكس من ذلك، اكتفوا جميعاً في أغلب الأحيان بتوجيه رسائل باستخدام مفردات غير مباشرة حول هذا الموضوع تساند إما الحياد أو التأييد، في ما يعرف بـ «سياسة صافرة الكلب»، بهدف تحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأمد. وكما يقول المثل: «الشيء الوحيد الضروري لكي ينتصر الشر هو ألا يفعل الأشخاص الجيدون شيئاً».
التسامح مع مشاعر الكراهية
يضيف هيلير: ولا ينبغي لنا تأييد محاولة التقليل من شأن هذا النوع من التهديد، الذي يُشكّل خطراً على التماسك الاجتماعي لمجتمعاتنا. فقد أدَّى هذا النوع من المواقف إلى انتشار اعتقاد في أوائل القرن العشرين بأنَّ يهود أوروبا يشكّلون تهديداً على المجتمع، مما أدى في نهاية المطاف إلى المحرقة «الهولوكوست». وقد تسبّب الافتقار إلى الجدّية في شيطنة مسلمي البوسنة في تسعينيات القرن الماضي، مما أدى إلى جريمة إبادة جماعية للمسلمين في البوسنة. وكان التسامح مع مشاعر الكراهية هذه قبل عقدين من الزمان قد مهَّد الطريق أمام حدوث لفتة مخزية من لجنة نوبل في الأسبوع الماضي.
يُفترض أنَّ جائزة نوبل تعني اعترافاً بعظمة الفائز بها. لكن في 10 ديسمبر/كانون الأول، فاز بالجائزة المؤلف النمساوي، بيتر هاندكه، الذي ينكر الإبادة الجماعية لمسلمي البوسنة. تسلم هاندكه الجائزة بمصافحة ملك السويد. وفي ضوء ذلك، يتّضح أنَّ التعصب ضد المسلمين والإسلاموفوبيا لا يعتبران سبباً للاستبعاد من وجهة نظر أروقة السلطة في أوروبا هذه الأيام –بل يمكن القول إنّه تجرى المكافأة عليهما.
وفي حين أن السمة الرئيسية المميزة للمجتمع السليم هي حماية أقلياته الأكثر ضعفاً، فإنَّ السمة المميزة للمجتمع المضطرب هي إهمال تلك المسؤولية. كانت مذبحة مسجد النور في مدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا في شهر مارس/آذار مدفوعة جزئياً من تعصب القوميين المتطرفين في البلقان، الذين أدّى تعصبهم ضد المسلمين إلى الإبادة الجماعية لمسلمي البوسنة.
وكان فريد أحمد، أحد الناجين من مذبحة كرايستشيرش، حيث قام متطرف قومي أبيض بإطلاق الرصاص على المصلين من بينهم زوجته، قد أعلن في أعقاب الحادث أنَّه سامح القاتل. لكنَّه حذَّر أيضاً بشدة قائلاً: «الدرس هو أنَّه إذا حدث الشر في مدينة الحب والرحمة، فيمكن أن يحدث في أي مكان ولأي شخص».لا أحد يعتقد أنَّ مثل هذه المذبحة يمكن أن تحدث في دولة متسامحة مثل نيوزيلندا، لكنها حدثت.
وقد حذرت الأجهزة الأمنية في المملكة المتحدة المواطنين من أنَّ اليمين المتطرف حاول بالفعل تنفيذ مذابح مماثلة في بريطانيا من خلال تخزين معدات بهدف تفجير أحد المساجد، لكن خطته فشلت لحسن الحظ. ووفقاً للأجهزة الأمنية البريطانية، جاءت ثلث المؤامرات الإرهابية في المملكة المتحدة منذ مارس 2017 من أنصار اليمين المتطرف، الذين يحركهم التعصب ضد المسلمين أكثر من أي شيء آخر. لذا، قبل أن تحدث مذبحة في بريطانيا على غرار نيوزيلندا، يتعيَّن على بوريس جونسون بذل المزيد من الجهد للتخلّص من الكراهية التي تلوث السياسة البريطانية.