بقلم/ ليلى موسى*
بعد عشر سنوات من الحرب الدائرة في سوريا، السؤال الذي يطرح نفسه ما هو الحل للخروج من هذه الأزمة ووضع حد لأنهاء معاناة الشعب السوري، كما تعلمون سوريا مقسمة إلى مناطق لنفوذ وكل منطقة تتمتع بنظام حكم خاصة بها.
فمناطق نفوذ النظام السوري “التوليتاري” ذات نظام الحكم الأمني القمعي والمدعوم روسياً وإيرانياً، وبإصرار النظام على نهج وعقلية إن ما حدث في سوريا على أنها نتيجة مؤامرة دولية بتواطؤ بعض القوى الداخلية العميلة ونعت كل معارضيه بالإرهاب والارتزاق، هذه العقلية والمقاربة كانت أحد الأسباب التي أوصلت البلاد إلى حالة من التشرذم والتشتت وغياب الأمن والاستقرار وساحة لصراع وتصفية حسابات دولية ومنح فرص للعديد من القوى الدولية والإقليمية لتحقيق مشاريعها وأجنداتها في سوريا.
بالإضافة إلى تعويل النظام على القوى الخارجية ورفضه للأخر والحوار تسبب بانقسامه إلى معسكرين ما بين الروس والإيرانيين، بالرغم من التعاون الوثيق بين الدولتين فيما يخص دعم النظام وإنقاذه، ولكن لا يخفى على أحد حجم التناقضات بينهما مما لا شك فيه بأن يكون للنظام نصيب من تداعيات تلك التناقضات.
وبالرغم من إعادة سيطرة النظام على ما يقارب أكثر من 60% من اجمالي الجغرافية السورية بدعم جوي روسي وأرضي إيراني، ورافق ذلك التقدم والسيطرة على الجغرافية المزيد من المعاناة للشعب السوري نتيجة عقوبات قانون القيصر, إضافة لوباء كورونا نتيجة إصرار النظام على نهجه الأمني والقمعي وعدم مراعاة للأوضاع الإنسانية وهشاشة بنيته الصحية والاقتصادية، ولم يرافق ذلك التقدم الجغرافي أي استجابة لمعاناة الشعب بل زاد من معاناته أكثر فأكثر وأصبح أكثر من 80 % من الشعب يعيشون تحت خط الفقر، لأن النظام ما لم يعالج بنية نظام حكمه السياسي القائم لا يمكن أن يكون هناك إنهاء للأزمة السورية.
على المدى المنظور كما هو ظاهر ليس هناك أي نية للنظام بأن يكون جزء من الحل للأزمة وأنهاءها على العكس من ذلك يصارع الزمن لكسب المزيد من الوقت لإطالة عمره والبقاء في السلطة، وما الانتخابات الرئاسية الأخيرة إلا خير دليل على ذلك.
أما مناطق نفوذ المعارضة “الائتلاف” ذات نظام الحكم الثيوقراطي والمحتلة تركياً وممولة قطرياً هذه المعارضة التي لم تأتي بشيء جديد كونها منذ البداية كانت تعول على اسقاط النظام والصراع على السلطة وتجريم وتكفير كل ما هو مختلف، والتي ارتهنت نفسها للخارج لذلك تحولت إلى مادة دسمة للمقايضة في بازارات القوى الدولية والإقليمية وبشكل خاص بين الروس والأتراك.
هذه المعارضة بهذه العقلية والمقاربات الخاطئة تسببت بتحويل قضية شعب يحظى بدعم وتعاطف دولي وشعبي ومجتمعي إلى حالة منبوذة على كافة الأصعدة، ومن قضية ذات بعد إنساني إلى مرتزقة تهدد الأمن السلم الدوليين، وأصبحت مناطق سيطرتها ما يشبه “الأفغنة” تحتضن جميع القوى التكفيرية الظلامية الإرهابية، هذه المعارضة التي تحولت لمطية للعديد من القوى لتحقيق مشاريعها في سوريا وبشكل خاص الدولة التركية باحتلالها للمناطق الشمالية الغربية وبعض من المناطق الشمالية الشرقية لسورية وما “تتريكها” لتلك المناطق إلا جزء من تطبيقها لمشروعها الميثاق الملي وإعادة العثمانية الجديدة.
كما أن المعارضة بممارستها هذه أكدت بشكل وأخر رواية النظام بأن كل ما يحدث في سوريا ليس خلل في بنية النظام القائم إنما هي أزمة نتيجة مؤامرة تستهدف استقرارها وتهديداً لأمنها الوجودي العروبوي القومجي وهي عبارة عن مجموعات إرهابية مرتزقة.
أما مناطق نفوذ الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والتي سلكت الخط الثالث، والتزمت الحياد منذ بداية الحراك الثوري الشعبي ولم تنحاز لا لطرف النظام ولا لطرف المعارضة المرتهنة نفسها للقوى الخارجية واستطاعة قراءة المشهد السياسي والتطورات الإقليمية والعالمية بالشكل الصحيح، وأن ما يحصل في سوريا على صلة وثيقة بتلك التطورات وليست ببعيدة عنها وأن لسوريا خصوصياتها المختلفة عن باقي البلدان التي شهدت ما يسمى بالربيع العربي.
عولت منذ البداية بأن الحل يجب أن يكون سوري- سوري، وتبنت نظام حكم لا مركزي ديمقراطي منذ البداية، وأنها الحل الوحيد الذي يتناسب مع طبيعة الفسيفساء التي يتمتع بها الشعب السوري، واعتمدت على قواها الذاتية وبإمكانياتها المحدودة بالحفاظ على أمن واستقرار مناطقها مستندة على مبدأ الدفاع المشروع واتخذت من فلسفة أخوة الشعوب والتعايش المشترك أساساً بين جميع مكوناتها واثنياتها والتوسيع من مشاركة وقيادة الشبيبة والمرأة للمجتمع، هذه المعارضة الوطنية التي اتخذت من التنوع وحدة وغنى وثراء وكانت نتاج هذه الفلسفة التي تكللت بتأسيس إدارة ذاتية بمساهمة ومشاركة جميع مكوناتها وبكافة شرائحها وفئاتها التي استطاعة تحقيق استقرار نسبي وحفاظاً على بنيتها التحتية و بيئة مخدمة وأوضاع معيشية مقبولة مقارنة مع المناطق السورية الأخرى، وتحولت إلى ملاذ آمن لآلاف النازحين من جميع المناطق السورية الأخرين الفارين من أتون الحرب، وتمتع أفرادها بالحقوق والحريات وحرية التعبير والرأي، وهذا ما أكدته التقارير السنوية للمفوضية الأمريكية للحريات والأقليات الدينية في تقريرها لعامي 2019و 2020 الإدارة الذاتية النموذج الأفضل تتمتع فيها الأقليات بممارسة معتقداتها الدينية بكل حرية وطلبت من الكونغرس ضرورة الاعتراف بهذه الإدارة ودعمها، وأنها نموذج تصلح لتعميم في المنطقة، بالإضافة إلى أن هذه المناطق التي لم تفصل أمنها واستقرارها بمعزل عن التطورات والتهديدات الحاصلة على الصعيد المحلي والدولي والإقليمي انطلاقاً من ايمانها بأن أمنها يبدأ من الأمن الإقليمي والعالمي والعكس صحيح لذلك حملت على عاتقها بالرغم من إمكانياتها المحدودة من محاربة أعتى تنظيم إرهابي وتمكنت من دحر دولة الخلافة المزعومة.
وبالرغم من مرور سبع سنوات على تأسيس الإدارة وتحقيقها لخطوات ملموسة على الأرض لم تحظى بشرعية دولية، وإقصائها من العملية السياسية (اللجنة الدستورية، هيئة التفاوض) بالفيتو الروسي التركي، والحصار المفروض عليها من النظام ودولة الاحتلال التركي إلا أن ذلك لم يثنيها من المضيء قدماً بالحفاظ على مكتسباتها وتحقيق قفزات نوعية ملموسة على كافة الأصعدة المجتمعية.
فهذه الإدارة، ورغم حجم التهديدات التي تتعرض لها من قبل العديد من القوى والدول الإقليمية والدولية لأنها كانت حجرة عثرة أمام مشاريعها الاحتلالية الاستعمارية في المنطقة، كونها حافظت على النسيج والسلم الاجتماعي للمنطقة وقطعت الطريق أمام انفجار النزاعات والحروب الأهلية في مناطقها والفوضى ولم تسمح باستغلالها واستثمارها لتمرير مشاريع احتلالية استعمارية لمناطقها.
بالرغم من تيقن القوى الإقليمية والدولية من أن هذه الإدارة، وبهذه الفلسفة التي تأسست عليها ستكون حجرة عثر أمام مشاريعها إلا أن مضطرة لتعامل معها ولا يمكن تجاهلها أو التغاضي عنها، وأنها فرضت نفسها بقوة على المجتمع الدولي لما تمتلك من القوى الصلبة والناعمة، متمثلة بموقع جيوستراتيجي وقوات عسكرية مدربة ومنظمة ومقومات اقتصادية ومشروع سياسي يحظى بقبول شعبي ومجتمعي ودولي والمكانة التي تحظى بها المرأة. كل ذلك جعلت من الإدارة رقماً صعباً في المعادلة السورية.
إذاً النظام بعقليته القومجية العنصرية الاقصائية هذه ما لم يواكب التطورات الحاصلة ويأخذ التغييرات الحاصلة بعين الاعتبار ويقدم على إحداث تغيير في بنية النظام يلبي تطلعات الشعب سيكون مصيره مصير باقي الأنظمة المركزية في المنطقة نحو الزوال، والمعارضة بنهجه الإسلاموي التكفيري المعارض لفسيفساء والتنوع السوري، هذا النهج الذي يشكل تهديداً على الأمن الوجودي الإنساني والمنطقة والعالم بوجود استمرار هذه المعارضة سنكون أمام أفغنة وتعريق (عراق) أشد خطورة بتصدير الإرهاب والتطرف.
تبقى الإدارة الخيار الأفضل من بين الأنظمة المطروحة، كونها مشروع وطنياً يؤكد على سيادة وحدة سورية شعباً وأرضاً ويرفض التقسيم والاحتلال بجميع أشكاله وماضية قدماً في محاربة الإرهاب واجتثاثه ومحاربة ثقافة الكراهية وتأكيد على العيش المشترك وأخوة الشعوب وقبول الآخر وتحرير الأراضي المحتلة وخاصة من قبل دولة الاحتلال التركي، يمكن التعويل عليها في حل الأزمة السورية إذا ما عممت في المناطق السورية الأخرى وخاصة هناك بوادر وخطوات عملية لنيل الشرعية الدولية ربما تكلل قريباً بشكل رسمي، وما زيارة الوفود الدولية لمناطق شمال وشرق سوريا خير دليل على ذلك، لأن هذه القوى الدولية باتت تعلم علم اليقين بأن الإدارة الذاتية هي صمام الأمان لحماية السلم والأمن الدوليين من الإرهاب، وأن فلسفة التعايش وأخوة الشعوب وحدها كفيلة بالقضاء واجتثاث جذور ثقافة الكراهية والتطرف.
*ممثل مجلس سوريا الديمقراطية لدى مصر