الأوبزرفر: بولتون ورّط بريطانيا في المواجهة مع إيران
قال المعلق في صحيفة “الأوبزيرفر” سايمون تيسدال، إن الصقور في إدارة دونالد ترامب غرروا ببريطانيا وورطوها في مصيدة خطيرة لمعاقبة إيران.
وقال إن مستشار الأمن القومي جون بولتون والصقر المعروف من حرب العراق، رجل لديه مهمة، ولديه سلطة واسعة على سياسة دونالد ترامب وهو المحرك الرئيسي للمواجهة الأمريكية مع إيران. ولأنه متحمس بشدة لتدجين إيران، فهو لا يهتم بمن سيتضرر أثناء محاولاته حتى لو طال الضرر الجانبي من المواجهة الحليفة بريطانيا. ولهذا عندما سمع بولتون أن قوات البحرية البريطانية احتجزت ناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق في 4 تموز/ يوليو، أي يوم الاستقلال الأمريكي لم يخف فرحته العارمة. وكتب تغريدة على التويتر: “أخبار ممتازة: احتجزت بريطانيا ناقلة نفط عملاقة غريس-1 بطاقم إيراني أثناء توجهها إلى سوريا مخترقة العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي”.
ويقترح كلام بولتون الفرح أن احتجاز ناقلة النفط كان مفاجئا. لكن الأدلة المتراكمة تشير للعكس وهي أن فريق بولتون لعب دورا في تصنيع حادث جبل طارق. وهناك شك أن قيادة بريطانيا المنشغلة باختيار رئيس وزراء جديد وتتنافس على السلطة والتي تخوض نقاشات حول كيفية الخروج من الاتحاد الأوروبي تعثرت في المصيدة الأمريكية.
وباختصار فقد وقعت بريطانيا في عملية خداع. فآثار احتجاز الناقلة الإيرانية بدت واضحة، وقاد مباشرة يوم الجمعة إلى احتجاز الحرس الثوري ناقلة نفط بريطانية “ستينا إمبيرو” في مضيق هرمز. ومع أن إيران لم تربط بين العملية الأخيرة وما حدث لناقلتها إلا أنها تعهدت بالرد على ما أسمته” قرصنة” جبل طارق، وحصلت على انتقامها.
ونتيجة لذلك فقد انغمرت بريطانيا وسط أزمة دولية ليست جاهزة لها. وتوقيت الأزمة ليس جيدا خاصة أن رئيسا جديدا للوزراء ليس جاهزا سيدخل مقر 10 دوانينغ ستريت، ومن المفترض أن يكون بوريس جونسون. في وقت تقف فيه بريطانيا على حافة الخروج من الاتحاد الأوروبي، عازلة نفسها عن شركائها الأوروبيين. أما علاقتها مع أمريكا ترامب فهي متوترة.
وكان يمكن تجنب كل هذا الصداع. فقد عارضت بريطانيا قرار دونالد ترامب الخروج من الاتفاقية النووية الموقعة عام 2015، وهو سبب الأزمة الحالية. وراقبت بنوع من القلق سياسة ترامب- بولتون القائمة على ممارسة “أقصى ضغط” والتي شملت إجراءات عقابية على تصدير النفط وجعلت المعتدلين في إيران متشددين.
وفي الوقت الذي انضمت فيه بريطانيا لجهود الاتحاد الأوروبي لإنقاذ الاتفاقية، إلا أن رئيسة الوزراء تريزا ماي، ووزير خارجيتها جيرمي هانت، حاولا إمساك العصا من الطرفين، وذلك لإرضاء ترامب. ودعما شكاوى واشنطن من دور إيران المزعزع في المنطقة وبرامجها الصاروخية وقللا من التزام إيران في الاتفاقية النووية.
وفشلت الحكومة في تعزيز القوات العسكرية المطلوبة لحماية القوارب والناقلات العابرة مياه الخليج بعد هجمات أيار/ مايو، وحزيران/ يونيو، كل هذا بسبب نقص القدرات المتوفرة لدى البحرية الملكية على القيام بدوريات في الخليج. وهذا لأن المسؤولين البريطانيين خافوا من أن تؤدي زيادة القوات العسكرية في المنطقة لجرهم بمواجهة مع إيران. وبالنسبة لبولتون فإن جر بريطانيا وبدون غموض إلى الجانب الأمريكي كانت النتيجة التي يسعى إليها.
ولهذا وجد بولتون فرصته عندما بدأت الأقمار الصناعية الأمريكية تلاحق ناقلة النفط وهي في طريقها نحو سوريا على ما يزعم وجد بولتون فرصته. ونقلت صحيفة “البايس” الإسبانية عن مصادر مسؤولة قولها إن غريس-1، التي ترفع العلم البنمي كانت تحت الرقابة منذ نيسان/ أبريل، عندما بدأت الرحلة من إيران.
ونظرا لأن الناقلة المحملة بالنفط الخام ضخمة لكي تعبر قناة السويس فإنها سافرت عبر رأس الرجاء الصالح ومنه إلى البحر المتوسط “وبحسب المخابرات الأمريكية فقد كانت الناقلة في طريقها إلى مصفاة بانياس السورية. وأخبرت السلطات الإسبانية عنها قبل 48 ساعة من وصولها ولاحقت البحرية الإسبانية الناقلة وهي تمر من مضيق جبل طارق. وكان من المقرر أن تعبر المياه الدولية كما تفعل السفن الإيرانية دون أن توقفها”.
ورغم قول المسؤولين الإسبان إنهم كانوا سيوقفون الناقلة لو سنحت لهم الفرصة وتوفرت لهم المعلومات. ولكن بولتون لم يعتمد على مدريد، بل أعطى معلوماته لبريطانيا. وعندما دخلت الناقلة في 4 تموز/ يوليو، المياه الإقليمية لجبل طارق اتخذ القرار المصيري في لندن، ولا يعرف من اتخذه، حيث قامت وحدة من 30 عنصرا في المارينز بمداهمة الناقلة.
وكان رد إيران عنيفا وغاضبا، حيث قالت إن عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد سوريا تطبق على دوله وليس على بلد ثالث مثل إيران. ونفت أن تكون وجهة الناقلة إلى سوريا. وشارك إيران غضبها وزير الخارجية الإسباني جوزيف بوريل. وعبر عن سخطه بدخول البريطانيين المياه البحرية لجبل طارق التي لا تعترف بها مدريد، وشعر بالضيق لأن بلاده انجرت للأزمة مع إيران، حيث استدعت الخارجية الإيرانية السفير الإسباني في طهران لكي يوضح دور مدريد في الأزمة وأبعد بلاده عنها. وقال إن ناقلة النفط الإيرانية احتجزت بناء على طلب أمريكي من بريطانيا.
ومع أن بريطانيا لا تزال ملتزمة بالتعليمات الأوروبية، إلا أن خدمات العمل الخارجية في الاتحاد الأوروبي ظلت صامتة. وعليه فسيطرة إيران على ناقلة النفط البريطانية تكشف عن عزلة بريطانيا وضعفها. فحقيقة نصيحة الحكومة لناقلات النفط البريطانية تجنب مضيق هرمز هو اعتراف بأنها لا تستطيع حمايتها. وتعبر من المضيق ما بين 15- 30 سفينة ترفع العلم البريطاني يوميا. فلو توقفت التجارة فأثرها سيكون خطيرا على أسعار الطاقة.
ويبدو أن دعوات هانت للدعم الدولي وقعت على آذان صماء، ففرنسا وألمانيا والصين التي تعتمد على نفط الخليج لن تسارع إلى المساعدة. ولم تستطع أمريكا بعد تشكيل قوة حماية دولية لحماية الملاحة في الخليج، ولم تظهر أي نتيجة لتعهد ترامب بمساعدة بريطانيا. وما هو واضح هو أن مقامرة بولتون نجحت.
ودخلت بريطانيا رغم شكوكها إلى الجبهة الأمامية في المواجهة الأمريكية مع إيران. فالاتفاقية النووية تقترب من الانهيار. وعبر تهديد إيران بالعواقب الخطيرة تقوم بريطانيا بالرقص على دقات طبول الحرب التي يدعمها بولتون.