اكتشاف أقدم جينات للجنس البشري تعود لـ15 ألف سنة في المغرب
لم تكشفِ الطبقات الجيولوجية بالمغرب عن آخر مَكْنوناتها بعد. فلا تزال الأعماق حبلى بالكثير من الخبايا والألغاز، وما زالت المواقع الأثرية في انتظار من يكشف الأسرار، ويُباشر البحث والتنقيب في أرضٍ لن تبخل بسَرد قصص البشرية.
فلا تمُرُّ فترةٌ حتى يتم الإعلان عن اكتشاف أثري جديد بالمغرب، يعود بالبشرية آلاف السنين إلى الوراء، كاشفاً عن معالمَ خفية، ومُظهراً تفاصيل مُذهلة عن بقايا هياكل بشرية أو أجزاء من إنسان العصور الغابرة، أو آثار حيوانات ضخمة مُنقرضة.
الجدُّ الأول.. مغربي!
آخر هذه الاكتشافات، أعلن عنه فريق دولي من علماء الآثار وعلوم الجينات برئاسة العالم المغربي عبدالجليل بوزكار، إذ عثروا على آثار جينات (حمض نووي) تعود لـ15 ألف سنة، هي الأقدم بإفريقيا بعد إجراء أبحاث على هياكل بشرية عُثر عليها مؤخراً بمغارة الحمام بمنطقة “تافوغالت”، شرق المغرب.
اكتشاف علمي آخر، تمت إماطة اللثام عنه، يونيو/حزيران 2017، قلب جميع المفاهيم المتعلقة بأصل الجنس البشري رأساً على عقب، عقب الكشف عن بقايا عظمية يزيد عمرها على 100 ألف عام، عن أي رفات أخرى معروفة للجنس البشري للإنسان العاقل، المسمى علمياً بـ”هومو سابينس”.
العلماء ممن انكبُّوا على دراسة البقايا العظمية اكتشفوا بعد 4 أشهر أن الجماجم وعظام الأطراف والأسنان المكتشفة، تخص 5 أفراد على الأقل تعود إلى نحو 300 ألف عام مضت، في كشف مدوٍّ بمجال علم الأجناس البشرية، في حين أن أقدم بقايا معروفة لجنس الـ”هومو سيبيانس” اكتُشفت في موقع أثري إثيوبي تعود إلى 195 ألف عام.
أرض الديناصورات
عام 2014، كان المغاربة والعالم على موعد مع الإعلان عن اكتشاف هيكل ديناصور كان يعيش في المغرب، وتحديداً بمنطقة الراشيدية، قبل 95 مليون سنة، فيما تمكن عالمان بمجال الحفريات من الكشف عن أسراره بفض دراسة معمقة.
الديناصور الذي تم العثور عليه بمنطقة الراشيدية، الجنوب الشرقي، ينتمي لفئة نادرة تُسمَّى “الإلنوصور”، وهو من أضخم الكائنات التي عاشت على وجه الأرض، حيث بلغ طوله حوالي تسعة أمتار، وتجاوز وزنُه طُنين، كما أن طول رأسه قارب المتر، وهي الفئة التي تعود إلى حقبة زمنية تراوحت بين 165 مليون سنة إلى 66 مليون سنة.
وبالعودة إلى القرن المنصرم، استطاع خبراء من فرنسا وسويسرا وأميركا والمغرب، الكشف عن بقايا ديناصور بمنطقة “إيمي نولان”، نواحي مدينة ورزازات، الجنوب الشرقي، عام 1998، فيما أوضحت نتائج الأبحاث أن الاكتشاف الجديد الذي بات يحمل اسم “ديناصور تازوضة”، يُعدُّ جد الديناصورات العاشبة عبر العالم، إذ عاش في الحقبة الجوراسية قبل حوالي 180 مليون عام.
يتعلق الأمر بديناصور متوسط الحجم، يزن حوالي خمسة أطنان، ويبلغ طوله تسعة أمتار. فيما تم العثور على بعض من عظام العنق، وجزء من عظام الظهر والذيل، فيما تم اكتشاف الجمجمة كاملة، بفك يحتفظ بمعظم أسنانه، ما يجعله واحداً من أقل من عشر حالات عالمياً تم فيها العثور على جمجمة كاملة.
وكان لخبر اكتشاف “ديناصور الأطلس” عام 1980 صدى علمي كبير على المستوى العالمي، وتم العثور عليه بمنطقة “تيلوكيت” ضواحي أزيلال بالسفح الشمالي لجبال الأطلس، إذ أكد العلماء أن الديناصور عاش قبل حوالي 160 مليون سنة. وهو أول ديناصور توجد عظامه كاملة، ويبلغ طوله حوالي 15 متراً ووزنه حوالي 20 طناً.
المغرب.. جنة الجيولوجيين
الاكتشافات الأثرية المتلاحقة والمهمة بالمغرب، جعلت الباحث الجيولوجي والأركيولوجي علي شرود، يؤكد على صحة الصفة الممنوحة للمغرب من طرف علماء العالم، باعتباره “جنة الجيولوجيين”، لافتاً إلى أن المملكة هي الدولة الوحيدة التي تحمل هذه الصفة على الصعيد العالمي.
الأستاذ الجامعي بكلية العلوم والتقنيات بمدينة الراشيدية، الجنوب الشرقي، أوضح لـ”هاف بوست عربي”، أن الموقع الجغرافي المتميز للمغرب وموقعه بالشمال الغربي للقارة الإفريقية زيادة على تواجد جميع الحقب الجيولوجية به وتكوينه الجيولوجي ذي العلاقة الوطيدة والمتصلة مع قارة إفريقيا من جهة، والقارة الأميركية التي كان ملتحماً معها طيلة 200 مليون سنة قبل التباعد، هو ما أضَفى على المغرب هذا التميز الأركيولوجي (الأثري).
“يزخر المغرب بأعداد مهولة من أدوات استخدمها الإنسان الحجري القديم في عدد من أعماله، إذ يتم العثور عليها بكثافة من قبل الباحثين والعلماء والطلبة بجميع مناطق المغرب، ما يعني أن هذا الحيز الجغرافي كان موطناً للبشرية الأولى، وهو ما يفسر العثور على هياكل عظمية وبقايا جماجم تعود لمئات آلاف السنين”.
“وُجدت آليات استعملها الإنسان القديم منذ قرون طويلة على مستوى منجم ” إيميضر”، أحد أكبر 10 مناجم لاستخراج الرصاص والزنك في العالم، ما يعني أن الإنسان كان يستغل الثروات ويتفاعل مع محيطه ومع الطبيعة، كان ذكياً بكل اختصار”، يقول العالم الأركيولوجي لـ”هاف بوست عربي”.
الدكتور علي شرود، أشار إلى أن أسنان القرش والديناصورات توجد بكميات هائلة بكامل التراب المغربي، زيادة على آلاف من بصمات الديناصورات والطيور ظلت منحوتة على الحجارة من ملايين السنين، مُعرِّجا على العثور على ساق ديناصور “بولحفا” عام 1989، التي بلغ طولها متراً و73 سنتيميتراً بالأطلس المتوسط.
المتحدث، حزَّ في نفسه أن تتمتع بلاد بكل هذه المواصفات غير المسبوقة أثريا، وتعاني في نفس الوقت من غياب محميات أركيولوجية وجيولوجية “جيوبَّارك”، خاصة تلك التي تضم عظام الديناصورات وهياكلها، مستطرداً “من غير اللائق أن يُسمح بتهريب وسرقة هياكل عظمية لديناصور أو أحد أجزائها بطرق غير قانونية، ليتم بيعها في مزادات علنية بملايين الدولارات وعرضها في متاحف غير مغربية”.
ودعا الباحث الجيولوجي، المسؤولين المغاربة إلى الحفاظ على هذا الإرث العظيم وحمايته وإيلائه العناية اللازمة، وتقوية السياحة العلمية والأثرية التي تَقتصر حالياً على العلماء والباحثين دون الاهتمام بالشغوفين بهذا العالَم الغامض والمبهر.