اغتيال “أبو العطا” هدية مزدوجة لنتنياهو
اتحد بهاء أبو العطا أمس مع بارئه، وحسناً ما حدث. كان ينبغي لهذا أن يحصل قبل وقت طويل من ذلك، ولكنه تأجل وذاب وجرجر إلى أن تحول هذا النموذج من أزعر الحارة إلى أزعر إقليمي، محيطي وشرق أوسطي. وبتنغيصه على نتنياهو مناسبة انتخابية في أيام حملته الأخيرة سرّع إصدار شهادة وفاة له، وافترض أن الحقيقة الدقيقة في هذا الموضوع ستتبين لاحقاً. أمر واحد مؤكد: في كل ما يتعلق بالتنفيذ المهني يستحق الجيش -الاستخبارات، المخابرات وسلاح الجو- كل الثناء. ولا يتبقى إلا التأسف على فشل محاولة القوى الخفية في إسقاط شريك الراحل في الطرف الدمشقي. مهما يكن من أمر، فإن قطاع غزة مكان سيئ أقل بقليل مما كان صباح أمس. هذا لا يعني أن سيكون هناك هدوء من الآن فصاعداً، بل العكس: فقد وعد الجهاد بالانتقام وهؤلاء الرفاق يوفون بوعدهم بشكل عام.
على المستوى العسكري الصرف كان هناك تنفيذ نقي ينطوي على تطور دراماتيكي: لأول مرة في العصر الجديد عزلت إسرائيل حماس عن الجهاد الإسلامي وجبت ثمناً مباشراً من المزود المحلي في ظل القفز عن التاجر بالجملة (حماس). هنا تنازل عن مبدأ حديدي إسرائيلي بأن حماس هي صاحبة السيادة في المنطقة، وهي التي تدفع الحسابات عن كل المشاغبين في القطاع. وبالفعل، ليس بعد اليوم. لقد أرادت إسرائيل أن تبقي حماس خارج هذه القصة. وعرفت إسرائيل بأن حماس لا تتوق للانضمام إلى هذه القصة، بل العكس: فقد كان أبو العطا شوكة متعددة الاستخدامات، وكانت عالقة في حلق حماس بقدر لا يقل عن الحلق الإسرائيلي. فقد تحدى السنوار وهنية، ولم يرهما من مسافة متر، فعل ما أراد وخرب بمنهاجية على كل محاولات التسوية مع إسرائيل، معرضاً للخطر إنجازات حماس غير القليلة مؤخراً. واليوم لم يعد موجوداً، والرفاق في حماس لا يذرفون الدمع. إذا لم نعطهم سبباً وجيهاً حقيقياً، فسيبقون على الجدار يتذمرون ولكن دون أن يطلقوا النار.
المشكلة هي ماذا سيحصل هذا الصباح. في أثناء يوم أمس تصرفت إسرائيل بتواضع، قادها شخص لا يتميز بالمجال، ألا وهو بنيامين نتنياهو. ففي تصريح أصدره للإعلام، مع رئيس الأركان كوخافي ورئيس المخابرات ارغمان، قفز نتنياهو عن التباهيات الشخصية، فقال وكرر بأن كل شيء حصل “بتوصية محافل الأمن”، وكأن به ينظم لنفسه حجة دفع. ربما بسبب الخطر الكبير في تدهور الأمر إلى جولة حربية في الجنوب (وربما في الشمال أيضاً). لا يريد نتنياهو أن يكون موقعاً على هذه الجولة، وبالتأكيد ليس الآن، بينما هو المشبوه الفوري في تدهور المنطقة نحو الفوضى التي تساعده على فرض الوحدة على غانتس بشروطه.
كما كان التواضع من نصيب الجيش أيضاً: ففي خطوة شاذة، امتنع الناطق العسكري عن إطلاق أفلام الهجوم والإحباط. فالإحباط نفسه نفذ بقنبلة صغيرة (125 كيلوغراماً) اخترقت غرفة النوم وأصابت السرير المحدد. فالمبنى السكني كان مأهولاً ولم يصب بأذى أحد غير الزوجين. ليس في العالم الكثير من الجيوش القادرة على تنفيذ مثل هذا النوع من العمليات، سواء من الجانب الاستخباري أم الناحية الجراحية. وقد نفذت العملية بتوجيه من رئيس الأركان وبإقرار من الكابنت (الذي صدر قبل نحو عشرة أيام). وكانت الفرصة السانحة نادرة، إذ اعتبر أبو العطا “قنبلة موقوتة” لأنه أعد جولة إطلاق صواريخ أخرى. صحيح أنه لم يكن مخرباً انتحارياً في طريقه إلى مجمع تجاري مليء بالناس، ولكنه لم يكن أيضاً حبيب الأمم الإنسانية. فقد كان الرجل داقاً كبيراً لطبول الحرب في المنطقة، وخروجه المفاجئ أمس خلق موجات صدمة داخل الجهاد الإسلامي الذي رد بفوضى وتشوش. وبخلاف حماس، ليس للجهاد سلسلة قيادية مكثفة ومدربة قادرة على العمل تحت الضغط العسكري أيضاً. عندما يعمل الجهاد فهذا يكون بشكل عام بتخطيط دقيق مسبق، ولهذا فقد فوجئ أمس. أما ما سيحصل اليوم فهو قصة أخرى تماماً.
لقد كان إحباط أبو العطا في مركز منشورات كثيرة في “هآرتس” و “معاريف” عشية الانتخابات السابقة. كان هذا هو اليوم الأسوأ الذي مر على نتنياهو منذ زمن بعيد: بعد الظهر أطلق إعلانا مفاجئاً عن “نيته” ضم غور الأردن، الإعلان الذي وقع مفاجئاً على رؤوس أذرع الأمن ورافقته مكالمة هاتفية غاضبة وصاخبة بين الطرفين. بعد ذلك سافر لحضور مناسبة انتخابية في أسدود، حيث اضطر إلى إخلاء المكان على عجل بسبب الرفيق أبو العطا. نتنياهو، الغاضب بشدة، عاد إلى الكريا وأمر الجيش والمخابرات بتصفية الرجل فوراً. وبدأت المنظومة تعد العدة، ولكن ليس قبل يقال لرئيس الوزراء بأنه إذن الكابنت مطلوب لغرض عملية بهذا الحجم، ولا سيما عشية الانتخابات.
وحسب ما نشر في “معاريف”، لم يعقد نتنياهو الكابنت، بل أجرى مشاورات هاتفية ليلية دون أن يسمع الوزراء استعراضات أمنية. وفي الغداة، كان يفترض بالعملية أن تنفذ، ولكن لم تكن هناك فرصة سانحة. وفي هذه الأثناء نما للقصة جناحان في أرجاء الكريا، وصلت إلى مكتب النائب العسكري الرئيس، وهذا رفع الهاتف إلى المستشار القانوني وطلب فتواه. لم يتردد مندلبليت: لا يكفي التشاور هاتفياً في الكابنت. مطلوب اجتماع منظم.. استسلم نتنياهو. وذهبنا إلى الانتخابات، عدنا، أقر الكابنت قبل نحو عشرة أيام، ثم أغلق الحساب أمس. ما الذي يثبته كل هذا؟ أن نتنياهو ليس حذراً.. منضبطاً ومتخوفاً مثلما كان على مدى حياته المهنية كلها، وأحياناً ينبغي الإشراف عليه عن كثب والحرص على أن تعمل المنظومة وفقاً للقانون.
لمن يشتبه بدوافع نتنياهو في أن يأمر بالإحباط في التوقيت الحالي، ثمة دافع آخر: فليس هذا من تسوية الحساب وترميم صورة “سيد الأمن”، وليس بهاء أبو العطا هو الذي أُحبط أمس، بل وأُحبطت معه الحكومة الضيقة بتأييد الأحزاب العربية إحباطاً ناجحاً جداً. وإن كان، فمثل محمد ضيف لا يمكن أن نعرف إذا كانت روحه قد صعدت أخيراً.
كانت تلك لنتنياهو هدية من السماء بكل معنى الكلمة، فهل هذا هو ما أدى بالجيش والمخابرات أن ينفذوا ذلك في التوقيت الحالي؟ معظم الاحتمالات أن “لا”. فمنظومتنا الأمنية لا تزال معافاة، مرتبة، منهاجية ورسمية. من يعرف الرفاق افيف كوخافي، ونداف ارغمان ومرؤوسيهما، سيعرف أنه من الصعب جعلهم شركاء في مغامرة عسكرية – سياسية. من جهة أخرى، لم يمتنع نتنياهو عن مهام صعبة، وبالتالي على الجميع أن يبقى متيقظاً.