اعتقال زعيم المؤتمر الشعبي السوداني يفجر أزمة جديدة بالسودان
هل ستتم محاسبة الإسلاميين على الانقلابات ومكافأة العسكريين عنها؟ كانت هذه أبرز الانتقادات التي وُجهت لقرار السلطات السودانية توقيف علي الحاج الأمين العام للمؤتمر الشعبي السوداني أحد أكبر الأحزاب الإسلامية السودانية والذي أسسه زعيم إسلاميين السودان حسن الترابي.
ففي الوقت الذي تتطلع في المكونات السودانية للوصول إلى اتفاق سلام شامل مع الحركات المسلحة يفتح الطريق لتكوين المجلس التشريعي وإعلان ولاة الولايات كآخر متطلبات الوثيقة الدستورية وتدشين خارطة الطريق لبناء سودان ما بعد حكومة الإنقاذ جاء الإعلان عن اعتقال السلطات للأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي الدكتور علي الحاج ، ليضفي مزيداً من الاحتقان السياسي في الشارع السوداني وأثار غضب التيارات الإسلامية في البلاد، وتساؤلات حول استخدام قوى الحرية والتغيير التي يغلب عليها الطابع اليساري السلطة الانتقالية للتخلص من منافسيها الأيديولوجيين.
لماذا تم توقيف علي الحاج؟
جاء توقيف علي الحاج الذي خلف الترابي في قيادة المؤتمر الشعبي بسبب مشاركته في تقويض النظام الديمقراطي في عام 1989م عبر انقلاب نفذه الإسلاميون بقيادة الشيخ حسن الترابي والرئيس المعزول عمر البشير على الحكومة المنتخبة في ذلك الوقت، بحسب ما أعلنته قوى الحرية والتغيير.
ووصف البعض الاعتقال بحملة للاستهداف السياسي والانتقام من الكيانات الإسلامية على اعتبارها الرحم الذي وُلدت منه حكومة الرئيس السابق عمر البشير مع تجاهل نضال الإسلاميين ضد حكومة البشير بعد أن انشقت العديد من التيارات الإسلامية عنه وناصبته العداء، خاصة بعد الخلاف الشهير (المفاصلة) الذي خرج على إثره شيخ الإسلاميين الراحل حسن الترابي من الحكم مغاضباً البشير مؤسساً حزب المؤتمر الشعبي في مواجهة حزب المؤتمر الوطني التابع للبشير.
في حين رأى أخرون أنها تعبير عن العدالة الثورية ومحاسبة الذين أفسدوا النظام الديمقراطي في السودان.
وفي مواجهة هذا القرار، أطلق المؤتمر الشعبي تهديدات بالتصعيد في مواجهة الحكومة الانتقالية، وراهن على أنها لن تصمد كثيراً إن هي استمرت في سياسة تصفية الحسابات قبل أن يدعوها للإفراج عن الأمين العام للحزب.
قوى الحرية والتغيير لا تريد انتخابات بل أن تنال ما تريده عبر السلطة
وشن المؤتمر الشعبي هجوماً غير مسبوق على قوى الحرية والتغيير والحكومة الانتقالية، كما جاء على لسان القيادي بالمؤتمر الشعبي أبوبكر عبدالرازق الذي أوضح أن قوى الحرية والتغيير لم تتستر على نواياها حول إقصاء الإسلاميين وتحدثت عن ذلك جهاراً في كافة الوسائط الإعلامية.
وقال عبدالرزاق لـ «عربي بوست»: «قوى إعلان الحرية والتغيير لا تريد الوصول إلى الانتخابات ولا ترغب في فترة انتقالية فقط، بل تطمح لأن تحكم من غير وجه حق وأن تكون الفترة الانتقالية انتقامية في المقام الأول».
وعن اعتقال الأمين العام للمؤتمر الشعبي، يقول عبدالرازق: «الدكتور علي الحاج تم ترحيله إلى سجن كوبر الأربعاء الماضي دون أن يخضع لأي تحقيق، والبلاغ ما كان يجب تدوينه باعتبار أن القضية سقطت بالتقادم بعد مرور أكثر من 10 سنوات على الانقلاب».
ولفت الانتباه إلى أن المؤتمر الشعبي سيقدم مذكرة قانونية يطالب فيها بشطب الدعوى التي قدمت بحق علي الحاج، واصفاً اعتقال الرجل بالتعسفي وغير المبرر، معتبراً أن هذه الخطوة مضادة للحريات ومبادئ حقوق الإنسان التي قامت عليها الثورة السودانية.
قوى الحرية والتغيير: على المؤتمر الشعبي الفصل بين علي الحاج والحزب
من جهتها نفت قوى إعلان الحرية والتغيير أن يكون اعتقال علي الحاج ذريعة لتصفية حسابات قديمة مع الإسلاميين.
وقال القيادي بالحرية والتغيير المحامي ساطع الحاج لـ «عربي بوست»: «ما تم هو إجراء قانوني نصت عليه الوثيقة الدستورية التي وقعت في أغسطس/آب 2019 والتي نصت على محاسبة الذين قاموا بتقويض النظام الدستوري الحاكم في 1989، والخطوة جاءت بتوصية من لجنة كونت من قانونيين للتحقيق حول ملابسات ما حدث في انقلاب الإسلاميين آنذاك»، مشيراً إلى أن الخطوة اتخذت الصفة الرسمية المعروفة عبر النيابة.
وأضاف: «لا توجد أي تصفية للحسابات لأن الشعب السوداني بأكمله يعرف الأسماء التي قادت الانقلاب على النظام الديمقراطي الحاكم في 1989م». مشيراً إلى أن اعتراف العديد من القيادات بما قاموا به للرأي العام في مناسبات مختلفة.
وقال: «تجري حالياً تحقيقات قانونية من قبل النيابة العامة وإذا أثبتت ضلوع الشخص في تقويض النظام الدستوري فسيحاسب وإذا ثبت غير ذلك سيطلق سراح».
ورأى ساطع أن التهديد والوعيد من قبل المؤتمر الشعبي غير مبرر لأن الاعتقال في الأساس لا يمس الحزب بشيء على اعتبار أن علي الحاج وقت الانقلاب على الحكومة الديمقراطية لم يكن سوى كادر إسلامي عادي قبل أن يصبح زعيماً للحزب في وقت لاحق بعد وفاة عراب الإسلاميين الشيح حسن الترابي.
وطالب المؤتمر الشعبي بأن يفصل بين علي الحاج في شخصه وبين كونه رئيسهم في الحزب، لأن مشاركته آنذاك كانت ضمن مجموعة الإسلاميين وحينها لم يكن هناك وجود لحزب باسم المؤتمر الشعبي أصلاً.
وحول تصفية الحسابات مع الإسلاميين.. يرى ساطع أن الحركة الإسلامية تتحمل الوزر الأكبر في تقويض النظام الدستوري القائم وقتها ولابد من محاسبتهم على ذلك، قائلاً: «الحرية والتغيير تبحث عن الذين شاركوا في تقويض النظام وقتئذ».
حركات إسلامية تعلن مساندتها للشعبي ضد الحكومة الانتقالية
يبدو أن اعتقال الرجل جعل العديد من التيارات الإسلامية توحد كلمتها فدخلت جماعة الإخوان المسلمين في السودان على الخط معلنةً دعمها الكامل للمؤتمر الشعبي وأمينه العام في مواجهة الاعتقال من قبل حكومة الحرية والتغيير، معتبرة الخطوة لا تعدو أكثر من مكايدات وتصفية حسابات شخصية.
وقالت الجماعة في بيان صادر عن المراقب العام للإخوان المسلمين، الخميس الماضي، عوض الله حسن: «إن تجريم السياسيين بانقلاب 1989 لن يحل مشكلات البلاد، وتهمة الانقلاب أولى توجيهها للعسكريين، قبل أن تمضي الأمور إلى إفساد الفترة الانتقالية والدخول في نفق الصراعات الصفرية».
كما وجّهت حركة الإصلاح الآن بقيادة غازي صلاح الدين والمحسوبة على التيار الإسلامي في السودان كذلك انتقادات عنيفة للحكومة الانتقالية، معتبرة الخطوة استبداداً جديداً تتكرر فيه دروس الفشل كما جاء في بيان الحركة، متسائلة عن شعار الثورة (حرية، سلام وعدالة) بوصفه وعداً يخدّر به الموالون الغافلون ويشقى بزينته صاحب كل رأي حر.
وقال البيان: «تطلُّعنا لنتائج ثورة عظيمة بذل فيها الشعب دمه من أجل حرية وسلام وعدالة يصطدم كل يوم بالحقيقة، وهي أننا نعيش في ظلال استبداد جديد يكرر كل دروس الفشل المجربة منذ عقود».
وأوضحت الحركة أن «اعتقال علي الحاج دون جريرة معلومة، وفي ظل فوضى دستورية وقانونية أورثتنا إياها ما يسمى الوثيقة الدستورية، كان حدثاً متوقعاً في أية لحظة».
وتابع البيان: «أما وقد حدث فعلاً فإننا ندينه بأقوى العبارات، ونطالب بإطلاق سراحه وجميع المعتقلين السياسيين».
وطالبت الحركة الحكومة المنصّبة باحترام العهود الدولية لحقوق الإنسان وحمايتها، ودعاها إلى النظر لأولويات العمل الوطني المتمثلة في بذل أعظم الجهود من أجل حل ضوائق المعاش وتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية التي تحفظ كرامة المواطنين.
كيف تعتقلونه وهو كان خارج البلاد خلال وقت الانقلاب؟
وعلى ذات المنوال نسج منبر السلام العادل الذي يتزعمه الطيب مصطفى القيادي الإسلامي المعروف وخال الرئيس السابق عمر البشير انتقاده للخطوة، معتبراً أنها مظهر آخر من مظاهر الظلم والإقصاء على أساس أن الحاج من مدبري انقلاب الإنقاذ بالرغم من أنه كان خارج السودان لحظة وقوع الانقلاب في انتقائية ظالمة لم تدن أو تجرّم الانقلابات الأخرى السابقة، حسب تعبيره.
وأضاف منبر السلام العادل في بيان له كذلك واصفاً تلك التصرفات بالكيدية والانتقامية والتي قد تقود إلى إحداث شرخ سياسي ومجتمعي كبير بل وزيادة التوتر والاحتقان في الشارع السياسي.
ومضى منبر السلام العادل ليضع جملة من المطالب على طاولة الحرية والتغيير من بينها التعجيل بإطلاق سراح الدكتور علي الحاج وبصورة فورية ووقف أي اعتقالات أخرى تحت تلك الذريعة الظالمة، وإن كان لا بد من محاكمة انقلاب الإنقاذ فإن على القائمين بالأمر تضمين كل الانقلابات العسكرية السابقة منذ الاستقلال وبدون أي استثناء.
تجدر الإشارة إلى أن الشيوعيين كان لهم دور مهم في بعض انقلابات السودان، ومن شأن تضمين كل انقلابات البلاد أن يؤثر عليهم في وقت يعتقد أن اليسار عامة يلعب دوراً مهماً في الحكم الحالي في السودان.
وأكد المنبر موقفه الثابت والمبدئي ضد الفساد ومحاسبة ومعاقبة كل المفسدين، على أن يتم ذلك بالبينات الدامغة بعيداً عن التعسف خارج سلطة القانون.
كما طالب منبر السلام العادل من المكون العسكري في مجلس السيادة -كونه من تصدى لأحداث التغيير وتحمل أمانة التكليف- بمزيد من الحزم في التعامل مع التسلط الذي تمارسه الحرية والتغيير على القوى السياسية الأخرى خاصة فيما يتعلق بالاعتقالات بدون تهم محددة والفصل التعسفي من الخدمة وغير ذلك من الممارسات الانتقامية والإقصائية الظالمة.
يخشون شعبيته الكبيرة والاعتقال سياسي وليس قانونياً
المحلل السياسي النذير السر قال: إن ما يحدث في الفترة الحالية يعبر عن انقسام سياسي حاد حدث عقب الثورة، إذ أعدت الوثيقة الدستورية لمحاسبة التيارات الإسلامية وبالتحديد المؤتمر الشعبي الذي يعتبر حالياً ذا قاعدة جماهيرية كبيرة.
ولفت السر إلى أن القانون الذي اعتقل علي الحاج فيه جدال بين سقوط المادة بالتقادم وعدم سقوطها.
ويرى السر أن الاعتقال سياسي من الدرجة الأولى وليس قانونياً، وقال إن الصراع حالياً بين الإسلاميين أنفسهم من جهة، وقوى الحرية والتغيير من جهة أخرى. وأضاف: «لا أتوقع استمرار حملة تصفية الحسابات لأن التيار الإسلامي السياسي في السودان كبير وقوي جداً، وإذا توحد يمكنه أن يشكل أكبر تهديد للفترة الانتقالية أو الانتقال الديمقراطي لاحقاً».
اعترف بضلوعه في الانقلاب، لكنه وجّه لقوى الحرية والتغيير سؤالاً محرجاً
وكان رئيس حزب المؤتمر الشعبي الدكتور علي الحاج قد أقر في وقت سابق بضلوعه في تنفيذ الانقلاب العسكري الذي قاده البشير قبل 30 عاماً.
وقال في مؤتمر صحفي: «نحن قدمنا اعترافات لا نزال باقين عليها، نحن كنا مع الذين نفذوا الانقلاب». إلا أنه وضع الكرة في ملعب الحرية والتغيير عندما عاد ليتساءل: «أليس الوضع القائم اليوم هو انقلاب عسكري؟ قبل أن يجيب عن ذلك بنفسه بأن الفريق البرهان ومجموعته نفذت كذلك انقلاباً عسكرياً ويحمد له أنه أنقذ البلاد وقد فعلنا مثل فعله هذا في ذلك الوقت».
ويضع توقيف الحاج بعد اعترافه هذا قوى الحرية والتغيير في موقف لا تحسد عليه بين الرغبة في إقصاء الإسلاميين والاتهامات بالتشفى، وبين الحاجة لتقديم الرغبات الشخصية على مصلحة البلاد التي تمر بمخاض عسير في الفترة الحالية.