اشتية يتحدى إسرائيل والولايات المتحدة: المال مقابل الأمن
الشاباك اهتم أكثر من أي جهة أخرى بتحذيرات رئيس الحكومة الفلسطينية، د. محمد اشتية، من انهيار السلطة في الأشهر الثلاثة القادمة. اشتية حذر وقال إذا استمرت الأزمة الاقتصادية المهددة لوجود السلطة فإن من شأنه أن يسرح رجال أجهزة الأمن الفلسطينية.
حذر اشتية بشدة السلطات الأمريكية والإسرائيلية من أن أجهزة الأمن ستكون الأولى التي ستنهار عند انهيار السلطة؛ لأنه فهم أن تحذيراً كهذا سيؤثر في الإسرائيليين الذين يرون الأمن في المقام الأول. في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن التنسيق الأمني مع إسرائيل مستمر منذ 25 سنة، والأجهزة الأمنية نجحت في تحقيق استقرار أمني مكن نتنياهو من البقاء في الحكم إذ جرى اعتبار رئيس الحكومة قادراً على توفير الأمن للإسرائيليين، وفقاً لصحيفة “هآرتس” العبرية.
اشتية الذي تسلم منصبه في أبريل 2019 أراد بتحذيره أن ينقل لحكومة إسرائيل رسالة واضحة: أنتم تخنقون السلطة اقتصادياً وتمنعونها من القيام بمهامها، أنتم تحاولون تحديد دورها كمزودة لأمن إسرائيل. ولكن هذا النشاط لم يعد مقبولاً على السلطة، على الأقل ليس في عهدي. بكلمات أخرى، رئيس الحكومة الفلسطيني الجديد أكد أن إسرائيل يمكن أن تجد نفسها قريباً أمام فجر يوم جديد: أجهزة الأمن الفلسطينية ستنهار، وإسرائيل لن تحظى “بخيرات” التنسيق الأمني.
الشاباك فهم في الوقت المناسب كيف سيؤثر وقف الدعم لأجهزة الأمن الفلسطينية عندما تمت المصادقة على “قانون الإرهاب” في الكونغرس الأمريكي في أواخر 2018، الذي في أعقابه رفض رئيس السلطة محمود عباس مواصلة الحصول على المساعدات للأجهزة الأمنية. خاف عباس من أن يمكن القانون الولايات المتحدة من ملاحقة الأجهزة الأمنية من ناحية قضائية وتفرض عليها غرامات غير محتملة لتعويضات بمئات الملايين، في الوقت الذي تبلغ فيه المساعدات الأمنية نفسها أقل من 35 مليون دولار في العام. هكذا توقفت المساعدة الأمريكية للأجهزة الأمنية، وهكذا شل التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل في الشتاء الماضي.
الشاباك فهم جيداً تلك التداعيات المرتبطة بتصريحات اشتية فيما يتعلق بالتسريحات المحتملة لأعضاء أجهزة الأمن. في المواجهة قرب رام الله، في السنة الماضية، قتل عدد من الجنود، واضطرت إسرائيل إلى البحث وحدها لفترة زمنية عن المسؤولين الأساسيين عن العملية (الكاتب يقصد العملية في جفعات أساف). التنسيق الأمني كان قليلاً، وتعاون أجهزة الأمن الفلسطينية كان محدوداً. إزاء لا مبالاة أجهزة الأمن الفلسطينية، اضطر الجيش إلى العثور بنفسه على كاميرات المتابعة في أحياء رام الله والبيرة.
في حينه، فهم الجيش الثمن الباهظ الذي سيدفعه إذا تحقق سيناريو وقف التنسيق الأمني وتمويل الأجهزة الأمنية. وفهم أيضاً أنه في هذه حالة كهذه ستكون حاجة لإعادة احتلال رام الله وكل الضفة. لذلك أراد جهاز الأمن الإسرائيلي البحث عن طريقة لتجديد المساعدات الأمريكية للأجهزة الأمنية الفلسطينية. المبلغ دفع بأثر رجعي خلال العام 2019، حسب صيغة التفافية تعفي السلطة من أي مسؤولية يمكن أن تنبع من قانون الإرهاب الامريكي.
تحذيرات اشتية ليست للصحف فقط، فهدفها إجبار حكومة إسرائيل التي تقف أمام انتخابات أن تفحص من جديد قرار عدم تحويل أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية بالكامل. رسالة الحكومة الفلسطينية جدية وقابلة للتنفيذ، وهي: إذا اعطوا الأموال سيحصلون على الأمن. هذا هو الشرط.
هذه الرسالة تتحدى إسرائيل والولايات المتحدة، قد يكون انهيار السلطة لا يقلقهما، لكنها قلقة بالتأكيد إزاء انهيار الأجهزة الأمنية. والدليل على ذلك أن الإدارة الأمريكية تبحث عن قانون يمكنها من دعم السلطة بمبلغ 60 مليون دولار، الأموال المخصصة معظمها للأجهزة الأمنية، كل ذلك خلافاً لموقف اشتية الذي يريد أن تعطى الميزانية للأمور المدنية الفلسطينية. وثمة سؤال: كيف سيثبت اشتية أن تحذيراته بخصوص تسريح رجال الأمن الفلسطينيين، وفعلياً وقف التنسيق الأمني، هي حقاً تحذيرات جدية ويمكن تنفيذها؟