اشتباك أمريكي روسي في مجلس الأمن بشأن سوريا وسط تحذير من ضربات وشيكة
اشتبكت الولايات المتحدة مع روسيا بشأن سوريا في مجلس الأمن الدولي يوم الثلاثاء إذ عارضت كل منهما محاولة الأخرى لإجراء تحقيقات دولية في هجمات بأسلحة كيماوية في سوريا.
وأوقفت موسكو وواشنطن محاولات كل منهما في مجلس الأمن لبدء تحقيق في الهجمات بالأسلحة الكيماوية في سوريا التي تشهد حربا أهلية دخلت عامها الثامن.
وتدرس الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى القيام بعمل عسكري لمعاقبة الرئيس السوري بشار الأسد على ما يعتقد بأنه هجوم بغاز سام يوم السبت على مدينة دوما الخاضعة للمعارضة والتي صمدت طويلا أمام القوات الحكومية السورية.
وقال البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ألغى الثلاثاء جولة مقررة إلى أمريكا اللاتينية هذا الأسبوع للتركيز على الرد على واقعة سوريا. وكان ترامب حذر يوم الاثنين من رد سريع وقوي بمجرد التأكد ممن تقع عليه مسؤولية الهجوم الكيماوي في سوريا.
في غضون ذلك، دعت المنظمة الأوروبية للسلامة الجوية (يوروكونترول) شركات الطيران يوم الثلاثاء إلى توخي الحذر في شرق المتوسط لاحتمال شن ضربات جوية في سوريا خلال 72 ساعة.
وقالت المنظمة على موقعها الإلكتروني ”ينبغي توخي الحذر عند تخطيط العمليات الخاصة بالرحلات في منطقة معلومات الطيران بشرق المتوسط/نيقوسيا“. ولم تحدد المنظمة مصدر أي تهديد محتمل.
واستشهدت يوروكونترول في تحذيرها بوثيقة للوكالة الأوروبية لسلامة الطيران، والتي لم يتسن الحصول على نسخة منها.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، فشل مجلس الأمن في إقرار ثلاثة مشروعات قرارات بشأن الهجمات بالأسلحة الكيماوية في سوريا. فقد استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار أمريكي سعى إلى إجراء تحقيق يحدد المسؤول عن مثل هذه الهجمات، في حين أخفق مشروعا قرارين قدمتهما روسيا في الحصول على تسعة أصوات، وهو الحد الأدنى اللازم لتبني أي مسودة قرار بالمجلس والذي يتسنى بعده فقط استخدام الفيتو.
وتعارض موسكو أي ضربة غربية على حليفها المقرب الأسد وعرقلت تحرك مجلس الأمن بشأن سوريا 12 مرة.
وقالت السفيرة الأمريكية بالأمم المتحدة نيكي هيلي إن إقرار مشروع القرار الأمريكي هو أقل ما يمكن أن تفعله الدول الأعضاء.
وأضافت ”التاريخ سيسجل أنه في هذا اليوم فضلت روسيا حماية وحش على حياة الشعب السوري“ وذلك في إشارة إلى الأسد.
وذكرت منظمة إغاثة سورية أن 60 شخصا على الأقل قتلوا وأصيب ما يربو على الألف في هجوم كيماوي مزعوم على عدة مواقع في دوما يوم السبت.
وقال أطباء وشهود إن الضحايا ظهرت عليهم أعراض تسمم يرجح أنه ناجم عن غاز أعصاب وتحدثوا عن وجود رائحة غاز الكلور.
* اتهامات روسية
وذكر السفير الروسي بالأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا إن قرار واشنطن طرح مشروع القرار الذي أعدته للتصويت قد يكون تمهيدا لضربة غربية على سوريا.
وبعد أن فشل مجلس الأمن في إقرار مشروع قرار ثالث بشأن الهجمات بالأسلحة الكيماوية في سوريا وجه نيبينزيا حديثه لهيلي قائلا ”أطالبك مجددا.. أسألك مرة أخرى أن تحجموا عن الخطط التي تطورونها حاليا لسوريا“.
ومن المتوقع أن يتوجه خبراء من المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية إلى دوما للتحقيق في الهجوم الكيماوي المزعوم
وبحثت فرنسا وبريطانيا مع إدارة ترامب كيفية الرد على هجوم دوما. وشدد البلدان على ضرورة التحقق من المسؤول عن الهجوم.
وأعاد هجوم دوما الصراع السوري إلى الواجهة على الساحة الدولية، إذ وضع واشنطن وموسكو في مواجهة إحداهما الأخرى من جديد.
وقال ترامب إنه سيتخذ قرارا سريعا بشأن الرد خلال أيام قليلة، مضيفا إن الولايات المتحدة لديها ”خيارات عسكرية كثيرة“ بشأن سوريا.
ومن المحتمل أن تشمل أي ضربة أصولا بحرية، بالنظر إلى الخطر الذي قد تتعرض له الطائرات من منظومات الدفاع الجوي الروسية والسورية. وترابض في البحر المتوسط المدمرة دونالد كوك التابعة للبحرية الأمريكية والمزودة بصواريخ موجهة.
وذكر مصدران من الحكومة الأمريكية أن من القضايا الرئيسية التي تدرسها وكالات الدفاع والمخابرات ومخططو الحرب الأمريكيون هو مدى فاعلية الدفاعات الجوية السورية وحجم المساعدة الروسية في تنظيم، وفي آخر الأمر، توجيه عمليات الدفاع الجوي السوري.
وكانت الولايات المتحدة شنت العام الماضي ضربات من مدمرتين بحريتين ضد قاعدة جوية سورية.
ومن شأن تحرك عسكري أمريكي مماثل للذي أقدمته عليه واشنطن العام الماضي أن يحدث تحولا في دفة الحرب التي تميل لصالح الأسد منذ 2015 عن طريق دعم هائل من إيران وروسيا.
وليس هناك توقعات تذكر بأن يعترض أعضاء الكونجرس إذ وجه ترامب ضربة لسوريا، على الرغم من مطالبة بعض المشرعين بضرورة الحصول على تفويض برلماني لأي عمل عسكري.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء إن أي ضربات لن تستهدف حلفاء الحكومة السورية أو أي شخص بعينه وإنما المنشآت الكيماوية التابعة للحكومة السورية.
* تحقيق في الأسلحة الكيماوية
وفي لاهاي، قالت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الثلاثاء إنها طلبت من سوريا وضع الترتيبات اللازمة لنشر فريق تحقيق.
وأضافت في بيان ”الفريق يستعد للانتشار في سوريا قريبا“.
وتستهدف مهمتهم تحديد إن كانت ذخائر محظورة استخدمت لكنها لن توجه اللوم.
وحثت حكومة الأسد وروسيا المنظمة على التحقيق في المزاعم بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية في دوما في خطوة تهدف فيما يبدو إلى تفادي أي تحرك بقيادة الولايات المتحدة.
ونسبت الوكالة العربية السورية للأنباء إلى مصدر رسمي بوزارة الخارجية قوله ”سوريا تؤكد حرصها على التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لكشف حقيقة الادعاءات التي تقوم بالترويج لها بعض الأطراف الغربية وذلك لتبرير نواياها العدوانية خدمة لأهدافها السياسية“.
وقال مصدر أوروبي إن حكومات أوروبية تنتظر أن تجري المنظمة تحقيقها وظهور أدلة دامغة عن الهجوم. وذكر المصدر أن خطة للولايات المتحدة وحلفائها للقيام بعمل عسكري ستظل معلقة إلى ذلك الحين.
كان تحقيق سابق أجرته الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية خلص إلى أن القوات الحكومية السورية استخدمت غاز السارين في هجوم في 2017 واستخدمت غاز الكلور كسلاح عدة مرات.
وفي سوريا، وصل آلاف المقاتلين وأسرهم إلى شمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة المسلحة بعد تسليم مدينة دوما للقوات الحكومية.
ويعني اتفاق التسليم استعادة الأسد السيطرة على الغوطة الشرقية بالكامل بعد أن كانت أكبر معقل للمعارضة قرب دمشق ومنحه أكبر انتصار ميداني له منذ 2016 عندما استعاد حلب.
ومما يزيد من توتر الموقف، هددت إيران الحليفة الرئيسية الأخرى للأسد بالرد على هجوم جوي استهدف قاعدة عسكرية سورية. وألقت طهران ودمشق وموسكو باللوم في الهجوم على إسرائيل.
ومن ناحية أخرى، قال ميخائيل بوجدانوف نائب وزير الخارجية الروسي أنه لا يوجد احتمال لحدوث مواجهة في سوريا تؤدي إلى اشتباك عسكري بين روسيا والولايات المتحدة.
ونسبت وكالة تاس إلى بوجدانوف قوله إن هناك ”اتصالات عمل“ بين مسؤولين روس وأمريكيين حول سوريا مضيفا أنه يرى أن الحس السليم سيسود في النهاية.
وقال مصدر في البحرية الفرنسية الثلاثاء إن طائرة حربية روسية حلقت فوق سفينة حربية فرنسية على ارتفاع منخفض في شرق البحر المتوسط في مطلع الأسبوع في انتهاك متعمد للقواعد الدولية.
وقالت مجلة لوبوان الأسبوعية إن الطائرة الروسية حلقت فوق الفرقاطة أكيتان وكانت مدججة بالسلاح. وكانت الفرقاطة الفرنسية مزودة بستة عشر صاروخا سطح جو. وتعمل الفرقاطة حاليا قبالة ساحل لبنان إلى جانب سفن أمريكية في إطار القوة الفرنسية التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية في كل من سوريا والعراق.
ورغم رفض المجتمع الدولي للهجمات بالأسلحة الكيماوية فإن قتلى مثل هذه الحوادث بالعشرات وهي أعداد قليلة بالمقارنة مع مئات الآلاف القتلى من المقاتلين والمدنيين الذين راحوا ضحية الصراع الذي بدأ في 2011.