استهداف لضباط النظام بجنوب سوريا بعد تراجعه عن تعهداته.. فهل تثور درعا على الأسد مجدداً؟
أصبحت محافظة درعا تشكل تحدياً للأسد ونقطة مقاومة كامنة في جنوب سوريا، رغم أنه يفترض أنها قد عادت لسيطرته بمساعدة الروس.
فقد لقي ضابطان بارزان في جيش النظام السوري ومسؤول سياسي مصرعهما في جنوب سوريا هذا الشهر، فيما يعد أكبر عدد من الاغتيالات في سلسلة من جرائم القتل التي كشفت عن صراع بشار الأسد من أجل السيطرة على الجنوب الذي مزّقته الحرب، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.
المعارضة مازالت تحمل السلاح
على الرغم من مرور ما يقارب العامين على اتفاقات السلام التي عُقدت بوساطة روسية وكان من المفترض أن تهدئ معارضة نظام الأسد، فإن ثمة جماعات معارضة تواصل حمل السلاح في أجزاء من محافظة درعا الجنوبية، التي تعتبر مسقط رأس الانتفاضة السورية في عام 2011.
وبعد تسع سنوات من الحرب في سوريا، يسيطر الأسد اسمياً على نحو 70% من البلاد، بفضل الدعم العسكري من حلفائه روسيا وإيران. لكن انتصارات النظام في ساحة المعركة لا ينفك أثرها يتضاءل أمام ما تعانيه البلاد من تدمير في معظم بناها التحتية والانهيار الاقتصادي المتفاقم جرّاء وباء كورونا. وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن أسعار المواد الغذائية زادت بأكثر من الضعف خلال عام واحد.
وبحسب تقارير إعلامية محلية، فقد قُتل الضابطان بجيش النظام السوري في درعا في منتصف أبريل، وقُتل مسؤول في حزب البعث الحاكم جرّاء إطلاق النار عليه أثناء مغادرته منزله، كما شهدت المحافظة اغتيال شخص آخر على صلات بالاستخبارات السورية، في الآونة ذاتها تقريباً.
مازالت محافظة درعا تشكل تحدياً للأسد بسبب المظالم التي تحدث بها
يقول عبدالله الجباسيني، وهو باحث سوري درس الديناميكيات السياسية والأمنية في درعا منذ عام 2012، إن تقلب الأوضاع في درعا “هو مثال عملي على الكيفية التي قد يبدو التشظي المحلي والأمني بعد عودة الدولة إلى بعض المناطق”.
ويؤكد الجباسيني أن “درعا ستستمر في تشكيل تحدٍّ للنظام ما دامت مظالم الناس لم تُحل”، مشيراً إلى أنه بحسب سجلاته، فقد قُتل 425 شخصاً على الأقل في المحافظة منذ اتفاقات المصالحة في درعا عام 2018.
كان جيش الأسد قد شنَّ في مارس هجوماً على بلدة الصنمين شمال المحافظة، حيث استمرت مجموعة صغيرة من مقاتلي المعارضة في توجيه هجمات قاتلة على أهداف تابعة للنظام. غير أن الهجوم لم يفلح كثيراً في تقوية موقف النظام، إذ اغتيل ما لا يقل عن 31 من جنود جيش النظام وميليشياته في درعا منذ العملية، وفقاً لبيانات جمعها الجباسيني.
الروس يشكون من حليفهم
كذلك تمثل أعمال العنف في درعا مشكلةً لروسيا التي لديها قوات شرطة عسكرية في جنوب سوريا، ولذا لم يكن غريباً أن يواجه الأسد مؤخراً انتقادات حادة في موسكو.
وفي سياق تلك الانتقادات، جاء ما كتبه ألكسندر أكسينيونوك، السفير الروسي السابق ونائب رئيس “جمعية الدبلوماسيين الروس”، في مقاله الذي نشره مركز بحثي مؤثر.
إذ قال: “لقد بات من الواضح وضوحاً متزايداً أن النظام عازف أو عاجز عن تطوير نظام حكم يمكنه التخفيف من حدة الفساد والجريمة المنتشرة”.
وهناك صراع روسي إيراني يدور في جنوب سوريا يزيد الأمر سوءاً
على الجانب الآخر، عملت كل من روسيا وإيران على إنشاء قوات تابعة لها في جنوب سوريا، على الحدود مع الأردن وإسرائيل، خلال العامين الماضيين، وذلك في ظل تنافس غير مباشر بينهما على النفوذ في المنطقة، وهو ما يقول الخبراء إنه يفاقم حالة انعدام الأمن.
ويذهب حايد حايد، وهو باحث في “المركز الدولي لدراسات التطرف” بجامعة لندن، إلى أن “المنافسة بين إيران وروسيا هي أحد الأسباب الرئيسية وراء حالة عدم الاستقرار في درعا.
إذ يحاول حلفاء إيران زعزعة الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المدعومة من روسيا، بغرض تعزيز سيطرتها في المقابل”.
تتمتع قوات الشرطة العسكرية الروسية بوجود كبير في جنوب سوريا، خاصة في شرق درعا، فالجنود الروس، كما يصفهم أحد سكان المنطقة، “يتجولون بكامل معداتهم العسكرية كما لو كانوا ذاهبين إلى الحرب”.
النظام أخل بتعهداته
وبموجب شروط اتفاقات المصالحة التي عقدت في المحافظة عام 2018، عادةً ما يسمح لمقاتلي المعارضة بالاحتفاظ بأسلحتهم الخفيفة مقابل وقف الهجمات على قوات النظام، وانسحاب قوات الأسد من مدن المنطقة. وتتمركز قوات الشرطة العسكرية الروسية حول المحافظة، للحفاظ على الأمن، ووسيطاً بين دمشق والجماعات المحلية.
يقول عدنان المسالمة، وهو محام من درعا وأحد المشاركين في المفاوضات، “كان الاتفاق واضحاً، وتضمن أن قوات الأمن والجيش [التابعة للنظام] لن تدخل مناطقنا وأن نتولى نحن إدراتها بأنفسنا”.
ومع ذلك فإن نشطاء ومفاوضين في درعا يقولون الآن إن النظام لم يبد التزاماً بالاتفاق، ويتهمون القوات الموالية للنظام بأنها اعتقلت مدنيين عند نقاط تفتيش واقعة بين المدن، وأن آلاف الأشخاص ما زالوا محتجزين في سجون النظام.
ويقول أبو سارية الحوراني، أحد الناشطين، لمراسل Financial Times، إن هذه المظالم هي التي تدفع إلى مهاجمة الأهداف التابعة للنظام، مشيراً إلى أنه كان من بين نحو 30 مقاتلاً شنوا عمليات سرية ضد قوات الأسد في مدينة الصنمين بدرعا في وقت سابق من هذا العام.
هل يعني ذلك أن درعا ستتمرد على الأسد؟
ومع ذلك، يقول خبراء في الشؤون السورية إن اغتيال عناصر النظام لا يشكل ما يمكن القول إنه تمرد جديد على النظام بعد. كما يرجع ارتفاع معدل عمليات القتل في درعا إلى عوامل محلية أيضاً، ويشمل ذلك عمليات قتل انتقامية بدوافع مختلفة، منها القصاص وفق الأعراف القبلية، والمنافسة بين المهربين والعصابات الإجرامية في المنطقة، إضافة إلى أن تنظيم داعش أعلن مسؤوليته عن بعض تلك الهجمات.
ويعني حضور العوامل المحلية أن أعمال العنف هذه تطال أيضاً غير المقاتلين. وبالفعل، قتل ثلاثة عمال إغاثة في درعا هذا العام، وتعرض عدد من المدنيين السوريين لعمليات خطف إجرامية متكررة.
المناطق التي يتوسط فيها الروس وضعها أفضل
ويشير عبدالله الجباسيني إلى أن المناطق التي تفاوض فيها المقاتلون مع النظام بوساطة روسية تتمتع بخدمات أساسية وحالة أمنية أفضل من أجزاء المحافظة التي استعادها جيش النظام بالقوة.
ويقول إن تكتيكات “فرّق تسد” التي يتبعها النظام تحدث مزيداً من الفوضى بدلاً من المصالحة والسلام.
وهو ما يلخصه الجباسيني بالقول: “خلقت الدولة بيئة عدائية، وفاقمت السخط، وعملت على تأجيج الصراعات المحلية”.