ارتفاع وتيرة الإرهاب في الساحل الأفريقي
ارتفعت وتيرة الأعمال الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء بغرب أفريقيا ما عزز الفوضى وانفلات الأمن بشكل غير مسبوق في المنطقة التي أصبحت مسرحا لعمليات عدد من الجماعات الإرهابية، ومافيا المخدرات والسلاح.
وأعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، إضافة إلى موريتانيا وتشاد، خطة عمل تغطي الفترة بين العامين 2020 و2024 لمكافحة الإرهاب بقيمة مليار دولار، وذلك إثر قمتها الطارئة في واجادوجو، السبت.
وأنشئت القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس التي يطلق عليها منطقة “قوس الأزمات”في عام 2014 بهدف التصدي لهذه المشكلة، بدعم من فرنسا.
واعتبارا من يوليو 2017، ضمت القوة جنودا من بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر لمحاولة التصدي للجماعات الإرهابية.
وتواجه القوة المدعومة لوجيستيا أيضا من الولايات المتحدة وشركاء أوربيين، نقدا لاذعا في المنطقة بسبب تنامي العنف وخروجه من السيطرة، ما أدى إلى تهجير مئات الآلاف من سكان الصحراء إلى دول الجوار وعلى رأسها موريتانيا والجزائر وبوركينا فاسو.
ومنذ اندلاع ثورة الطوارق الأخيرة عام 2012 بقيادة الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وجدت الجماعات الإرهابية فرصة سانحة للاندفاع بقوة واستغلال الفوضى وفراغ السلطة في صحراء أزواد شمال مالي، ولتتمدد إلى بقية دول المنطقة عبر حزام الساحل وحتى بحيرة تشاد.
ويلقي مراقبون باللائمة في انفلات الأمور شمالي مالي وخروجه عن السيطرة على سياسات الرئيس المالي السابق أمادو توماني توري بين 2002 – 2012، والذي تجاهل مطالب الطوارق في الحصول على حقوقهم ودمجهم بالحياة السياسية في البلاد.
وواجه عهد توماني توري انتقادات مستمرة بدأت بمحاولة شيطنة الطوارق واتهامهم بالإرهاب إثر أعمال الخطف التي مورست ضد سياح وعمال إغاثة أجانب، والتي مارست أطراف مقربة من توري مهام وساطة فيها دفعت فيها فدى بملايين الدولارات.
وأدى تعنت توري حينها إلى تأجيج الوضع، ما انتهى بإعلان ثورة على يد إبراهيم أغ باهنغا 2006 والتي أكدت عدم رغبة توري في إحلال أي سلام مع الطوارق، فيما حاول القيام بحملة دولية حاول فيها اعتبار الطوارق إرهابيين، لكن يقظة المجتمع الدولي ومعرفته الجيدة بمطالب الطوارق حالت دون ذلك.
وانتهى عهد توري الذي ناصب الطوارق العداء بانقلاب عسكري ضده في 2012 بعد اشتداد المعارك مع الطوارق وإثر هزائم متوالية ضد جيشه، أطلقت فوضى أضحت خارجة عن السيطرة حتى وقتنا هذا.
ورغم مضي سنوات على ثورات الطوارق وتغير المنظومة الحاكمة التي أتت بحكومة مدنية منتخبة في مالي، وبعد توقيع عدد من الاتفاقيات والتفاهمات، فإن حلول السلام المقترحة ودمج الطوارق في المجتمع لا تزال تراوح مكانها بسبب عراقيل متعددة يتهم فيها الطوارق السلطات التنفيذية بعدم الرغبة في إيجاد حل حقيقي.
ويرى مراقبون أن نزع فتيل الإرهاب في المنطقة لا يمكن أن يتم إلا بحل هذه القضية التي ستجعل من الطوارق شركاء حقيقيين في إرساء السلام بالمنطقة، فهم فقط من يمكنهم استعادة السيطرة على منطقتهم وطرد فلول الإرهابيين والذئاب المنفردة الذين جعلوا من المنطقة مجالا مفتوحا لأعمالهم الإرهابية التي اتسعت لتشمل جميع بلدان المنطقة تقريبا.
جمهورية الإرهاب
وتتألف منطقة الساحل الأفريقي المشتعل من عدة بلدان أفريقية تمتد من غرب القارة إلى شرقها، انطلاقا من داكار ووصولا إلى جيبوتي، وتواجه هذه المنطقة تنامي التهديد الإرهابي والجريمة المنظمة، حيث تنفذ الجماعات المسلحة عمليات دامية على طول الشريط الساحلي لهذه الدولة.
وارتفعت التهديدات منذ حث زعيم تنظيم “داعش” الإرهابي أبوبكر البغدادي أتباعه على التوجه للمنطقة بعد هزيمته في سوريا والعراق، وجرت آخر معركة بين التنظيم الإرهابي وقوة دولية في بحيرة تشاد في 23 يونيو الماضي.
وفي يناير 2013، تدخلت فرنسا في شمال مالي عبر عملية “سيرفال” بغية منع الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم “القاعدة” من السيطرة على البلاد، ومنذ ذلك الحين توحدت العمليات الفرنسية التي تضم زهاء 4500 جندي تحت اسم عملية برخان، وتقدم دعما لوجيستيا لبلدان المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل (موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد) في سعيها لمحاربة الجماعات الإرهابية المسلحة.
وأعلن رسميا رؤساء الدول الخمس في المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل المعرضة للتهديد الإرهابي عن تشكيل القوة المشتركة العابرة للحدود في باماكو في 2 يوليو 2017 إضافة إلى قوة تابعة للأمم المتحدة قوامها 15 ألف جندي.
وتشمل مهام القوة المشتركة مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، والإتجار بالبشر في الأراضي التابعة لبلدان المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل.
وتشير الإحصاءات وتقارير الأمم المتحدة إلى أن عدد العمليات الإرهابية التي تنفذها الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل والصحراء الكبرى الأفريقية، ارتفع من 90 عملية في العام 2016 إلى 194 عملية في العام 2017، ثم زاد العدد الى 465 عملية في العام الماضي 2018.
وحسب هذه التقارير ارتفعت أعداد الضحايا من جراء تلك العمليات من 218 قتيلا في العام 2016 إلى 529 قتيلا في العام 2017 ، وإلى 1110 قتلى في العام الماضي، واتسع نطاق هجمات تلك الجماعات الإرهابية على المدنيين خلال الأعوام الثلاثة الماضية من 18 عملية استهداف للمدنيين في العام 2016 إلى 39 عملية في العام 2017 ليقفز العدد إلى 160 عملية خلال العام 2018.
وبذلك شكلت العمليات الإرهابية الموجهة ضد المدنيين نسبة 34 في المائة من إجمالي العمليات التي نفذتها جماعات الارهاب بإقليم الساحل والصحراء الكبرى حتى نهاية العام الماضي.
أبرز الجماعات الإرهابية
وتنشط في المنطقة منظومة إرهابية مكونة من جماعة بوكو حرام، التي يغلب نشاطها في نيجيريا والنيجر وتشاد، وما يسمى بـ”تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، ويعمل بتركيز في منطقة الحدود بين مالي وموريتانيا، هذا إلى جانب “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، التابعة للقاعدة وتعمل في شمال مالي ومنتشرة جهة الحدود المالية الموريتانية، وكذلك جبهة ماسينا، التي تعمل في مالي وبوركينا فاسو، وتنظيم “داعش” الآخذ في التمدد عبر خلايا متعددة تعمل في مالي وبوركينافاسو وتشاد، وتنظيم “الموقعون بالدماء”، الذي ينشط بين حدود مالي وليبيا والجزائر.
وتعمل هذه التنظيمات مجتمعة بتنسيق مع حركة الشباب الصومالية التي تنشط في الصومال، وتركز تحركاتها في شرق أفريقيا ولها تواصل مستمر مع بقية الجماعات.
وتشهد دول الساحل الأفريقي نشاطات مريبة لتركيا وقطر تحت شعار التعاون والدعم، حيث لوحظ نشاطهما في مناطق عدة من الدول المذكورة.
وكان الرئيس الإريتري قد اتهم تركيا بالسعي للتحكم في أفريقيا وفق أجندة تنظيم “الإخوان” الإرهابي، وبدعم مما أسماها “قوى الهيمنة العالمية”.
ووجه سادو ديالو عمدة مدينة غاو في شمال مالي اتهامات لأمير قطر بتمويل المتشددين عبر مطاري غاو وتنبكتو وتمويلهم تحت غطاء المساعدات الإنسانية والغذائية في السنوات الماضية.
وأكد حينها أن من بين المستفيدين من هذه المساعدات القطرية على وجه التحديد، حركة “التوحيد والجهاد” في غرب أفريقيا، التي تعتمد أيضا في مصادر تمويلها على تجارة المخدرات والسلاح والاختطاف واحتجزت لعدة أشهر 7 دبلوماسيين جزائريين وطالبت بفدية لكن السلطات الجزائرية رفضت ذلك.
وحسب محللين في المنطقة تحدث معهم موقع “سكاي نيوز عربية”، فلا يلوح في الأفق أي حل يمكن من خلااله السيطرة على الإرهاب في المنطقة ما لم يتم وضع حل حقيقي لقضية الطوارق وإرساء سلام حقيقي وشامل، فيما حذر هؤلاء من تجار الحرب في المنطقة ممن تحركهم خيوط في الداخل والخارج تسعى دوما إلى تأزيم الأمور في المنطقة.