احتفل بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم … ولا تلتفت – معمر حبار
من القواعد التي يتّبعها صاحب الأسطر في الاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويلزم بها نفسه في الكتابة والحديث، منها:
عدم التطرق إلى مسألة جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، لأنّي أحتفل بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن علم، وفقه، ودراية، وتجربة، وبحث، ومقارنة، وثقة، ولست على استعداد لأن أرهق نفسي في تقديم الأدلة على جواز الاحتفال والفرح بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
أبذل كلّ الجهد في قراءة المزيد من الكتب التي تعزّز حب والاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ويعترف المرء أنّه يتعلّم وباستمرار المزيد والمفيد فيما يخصّ حب والاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
لا يضيّع المرء وقته في الردّ على المخالفين والمحاربين للمؤمنين الذين يفرحون بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وافرح بمن يقاسمك الفرح حول أصل الفرح وهو سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ودعك من الذي يفسد عليك نعمة الفرح بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
نفتخر بكلّ من يعيش الآن معنا وقدّم إضافة فاعلة للحياة والكون، وخدم الإنسانية بما يخدمها ويحفظها ويقويها. ولو افترضنا جدلا أنّ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف جاء في القرن الخامس، فإنّ ذلك لا يضير الأمّة في شيء لأنّ الخير لا ينقطع عن أمتي. والمجتهدون في كلّ عصر، والمدافعون عن دين الله تعالى وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يخلو منهم زمان ولا مكان. وسنصير ذات يوم من القرون السّالفة، ولا يرضى من عاش هذا العصر والقرن أن يكون نسيا منسيا ولا يأخذ منه إذا كان هو الأفضل والأحسن، كما لا يليق بالأمّة أن تحذف وتزيل من حياتها القرن الرابع والخامس والعاشر وإلى اليوم وبعد اليوم، فإنّ ذلك مما لا يليق بالسّلف باعتبار السّلف كلّ من سبقك[1] ، وبذل الجهود من قبلك ليؤدي الأمانات إلى أصحابها كاملة غير ناقصة، ويعدّ إنكار الجميل وعدم العرفان بفضل من سبقنا وخدمنا ونحن في عالم الغيب.
من الأمور التي يظلّ يذكرها المرء باستمرار وبصوت مرتفع ودون خجل ولا حياء هي مصطلح “البدعة الحسنة”[2]. فعلماء الأمّة قسّموا البدعة إلى 5 أقسام، والاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أقرته الأمّة عبر أفضل علمائها وخيرة مجتهديها منذ القرون الأولى، والمحتفل لم يستقدم جديدا ولم يخترع جديدا لكنّه ظلّ في كنف الأمة وضمن ما رسمه أفضل علماء الأمّة.
هناك حقيقتين على المحتفل بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يفرّق بينهما جيّدا حتّى يواصل احتفالاته عن علم وطمأنينة وثقة. تتمثّل الحقيقة الأولى: في كون الله سبحانه وتعالى هو أوّل[3] من احتفل بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو أوّل من احتفل بمولده صلى الله عليه وسلّم، حين سئل عن صيام يوم الاثنين، فأجاب: يوم ولدت فيه، وكذا الملائكة الكرام، وأسيادنا الأنبياء، ووالديه الكريمين، وجدّه عبد المطلب، والجارية، وقريش، وأهل الكتاب من بعض اليهود والنصارى، والباحثين عن الحقيقة من الفرس والروم، ومرضعته حليمة السّعدية، وأسيادنا الصحابة الذين كانوا يحتفلون بمولده وهم يصومون يوم الاثنين الذي ولد فيه من كلّ أسبوع وطيلة حياتهم، وغير ذلك كثير.
تكمن الحقيقة الثانية في كون الذين ينظرون إلى المولد النبوي الشريف من ناحية التأريخ[4]، يرون أنّ الاحتفال بدأ منذ القرن الخامس الهجري وإلى يومنا هذا.
ما يجب ذكره أنّه لا تعارض بين الحقيقتين، ولا تناقض بينهما، والمؤرّخ له منهجيته في البحث، والفقيه والداّرس للسيرة النبوية له منهجيته في البحث. إذن المسألة لا تتعدى اختلاف في المنهجية، ويبقى الأصل قائما والمتمثّل في إعلان الحب والفرح والاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم منذ أن بشّر الله ملائكته، والسّماوات والأرض، وأنبيائه، وعرشه، أن افرحوا بمولد خير البشر وأفضل من في الكون سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
المطلوب من الذين يحتفلون ويفرحون بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهم يقرؤون القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، أن يقفوا بتدبر إذا وفّقهم الله تعالى على مايعزّز فرحهم واحتفالاتهم، ويزيد في ثقتهم وطمأنينتهم، وهو يستخرج منها حبّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم والاحتفال والفرح بمولده الشريف، كقول الله تعالى: “هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره الكافرون”. التوبة33. و “إنّ الله وملائكته يصلون على الني، يا أيّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليما”. الأحزاب 6. و “لعمرك”. الحجر 72، و”وإنّك لعلى خلق عظيم”، و”إنّا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزّروه وتوقّروه”، و”وإذ قال عيس بن مريم …”. الصف6، وغير ذلك من الآيات والأحاديث التي تدلّ على الفرح والاحتفال بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وبمولده الشريف.
[1] للوقوف على معنى “السلفية، راجع كتاب: “السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي”، للعالم محمّد سعيد رمضان البوطي، رحمة الله عليه.
[2] لمعرفة المعنى الحقيقة لمفهوم “البدعة الحسنة”، طالع: العالم الفقيه المحدث عبد الوهاب مهية أمدّ الله في عمره، كتاب: “البدعة الحسنة بين إقرار السلف وإنكار الخلف “دار الخلدونية، الطبعة الأولى 1436 هـ – 2015، من 287 صفحة.
[3] لمعرفة المزيد وبالإسم حول الذين احتفلوا بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، راجع: كتاب: “الّدر المكنون في الاحتفال بمولد النّبي الأمين المأمون”، الأستاذ: محمد وصي الرحمن ابن محمد إسحاق، دار الكتاب العلمية، لبنان، 2017، من 239 صفحة.
[4] للوقوف على الاحتفال بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الناحية التّاريخة (الجزائر كمثال)، راجع: المؤرخ الجزائر عبد الرحمن الجيلالي رحمة الله عليه، مقال له بعنوان: “المولد النبوي الشريف في الجزائر عبر العصور”، صفحات: 43-56، مجلة: رسالة المسجد. العدد: الثال. ربيع الأول 1426هـ – 2005، وزارة الشؤون الدينية والأوقاف.