اتجاهات النص الأدبي عند أحمد عبده
عنوان مؤتمر اليوم الواحد المنعقد في قصر ثقافة ديرب نجم, برئاسة الكاتبة الكبيرة الأستاذة فريدة النقاش, وأمانة الشاعر حسام الكرار. يتماهى العنوان مع إنتاج أحمد عبده متعدد الاتجاهات, فله عدد من الإبداعات ما بين الرواية والقصة القصيرة, ففي أدب الحرب” ثعالب في الدفرسوار/ نقش في عيون موسى/ حالة حرب”, وفي سرديات القرية ” الجدار السابع/ كلاب الصين/ سُرّة البلد”, وفي الأدب الاجتماعي والسياسي” حفر في الباطن/ مكاشفات البحر الميت/ بنات 6 أبريل”, وفي الكتابة للأطفال ” تحت ظلال العنب/ أكتوبر يا أولاد. يا أولاد أكتوبر.. وهي من أدب الحرب), وأعمال فكرية ” ثورة يناير والبحث عن طريق/ مصر تخلع النقاب/ حاخامات الدم في الشرق الأوسط”.
أدار الجلسة الافتتاحية الشاعر رضا عطية, والجلسة البحثية الأولى الشاعر حزين عمر والجلسة البحثية الثانية الشاعرة فاتن شوقي.
ومما قالته الأستاذة فريدة النقاش رئيس المؤتمر” علمتنا التجربة وعلوم النقد الحديث أنه لا انقلاب فنيا دون تغيير إجتماعي, وحتى نرصد عناوين الإتجاهات الرئيسية في النص الأدبي المعاصر, يلزمنا أن نتوقف أمام التغيرات الإجتماعية العاصفة وعنوانها الرئيس ثورة الإتصال التي تغلغلت في كل مناحي الحياة, وكان طبيعيا أن يتأثر بها الإبداع الأدبي…, أخذت فلسفة ما بعد الحداثة تؤثر بعمق على النص الأدبي, ويكتب مبدعون عن جماليات القبح, وينتجون في هذا السياق أعمالا مهمة هي بنت الإستهلاك الواسع, وتشظي العالم, وارتباك الفلسفة واهتزاز مصداقية الحكايات الكبرى.
وفي كلمته قال الشاعر حسام الكرار أمين المؤتمر” العمل الأدبي يأتي نتيجة لتفاعل كيميائي طرفاه المبدع والمتلقي, ويقف بينهما الناقد كالمادة المساعدة لإتمام هذا التفاعل, فهو يساعد المبدع على تقريب عمله للمتلقي كما يساعد المتلقي على تفهم عمل المبدع, والفن القصصي سابق للشعر لأن الحاجة الوجدانية إليه تسبق الحاجة الوجدانية للشعر, والقصص التي اعتبرها نقاد الغرب البدايات الشامخة لأدبهم القصصي اعترف المنصفون منهم بأنها متأثرة بقصص عربي سابق له بمئات السنين.
ويقول الدكتور على مطاوع عن رواية بنات 6 أبريل ” الرمز حينما يُوظّف بشكل فنيّ غير مُفْتَعَل، فإنّه يُشيّد عالماً من التّخيلي والجمالي، بعد استدعائه من الماضي، ليبني مستقبلاً متخيلاً في ذاكرة الجماعة الإنسانية، عن طريق استحضار ملامح هذا الرمز، وتجسّده في شخصيات بعينها، أو الإشارة إليها بإسقاط فنيّ، إحالةً إلي فضاءات سياسية واجتماعية معاصرة، يُشكّل بها المبدع خطابه السرديّ المنطلق من واقعه المعيش، ويبقى الرمز الذي وظّفه كاتبنا بوعي وفنية عبر الشخصيات التاريخية والتراثية؛ متناصاً مع خطابه السردي في موضوعه, ليشكّل نسقاً جديداً وتشكيلاً فنياً.
وقال الناقد خالد جودة في مقاربته لرواية مكاشفات البحر الميت والمجموعة القصصية حفر في الباطن ” اكتسبت تجربة أحمد عبده ظلها الحداثي من مردود مقولة النِفَّري: “إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة”، (حفر في الباطن) هو عنوان إحدي قصص المجموعة, وهي نحت لمسمي أحد المواقع في حرب الخليج الثانية, كدال إشاري لمأساة العراق، القاص يعالج أداة الحفر الفنية في تربة الواقع للكشف الإنساني. أما عنوان رواية “مكاشفات البحر الميت”, فيشير لرحلة اكتشاف وبوح للجسد المائي المسجي، هذه المفارقة في حدي العنوان، تمنح نموذجًا للعنوان الذي يمثل أيقونة كلية للعمل، وفي نفس الوقت يجذب القارئ لممارسة فعل القراءة، ولذة الاكتشاف، والاشتباك مع الوهج الفني، إنه العنوان المثالي الذي يدعو القارئ لمباراة الإبداع والتلقي المثيرة.
وفي كلمته عن المتوالية الروائية سرة البلد, قال الدكتور عايدي علي جمعة” يرصد الروائي أحمد عبده لكتلة سردية اقتبسها من الكاتب الفرنسي بارتلمي سانت هيلير، يقول فيها: “منذ الفراعنة كتبت على مصر العبودية السياسية، وإني أبعد الناس عن القول بأن النيل هو السبب الوحيد لهذا الوضع المحزن”, وبذا يتجاوب هذا الصوت السردي مع الصوت السردي الأساسي في الرواية.
وعن المجموعة القصصية كلاب الصين يقول” وقد ظهرت خصائص القصة القصيرة بوضوح في هذه المجموعة، ومن أهم هذه السمات سمة التكثيف، حيث ظهرت عملية اكتناز واضحة فيها، وكان لحضور اللقطة الواحدة دور كبير في عملية الاكتناز، فرأينا انحسارا واضحا لتفاصيل الحدث، وانحسارا واضحا في عدد شخصيات كل قصة وانحسارا واضحا في عدد كلماتها أيضا.
وعن رواية ثعالب في الدفرسوار يقول المترجم عبده الريس” الرواية تحكي قصة مجتمع بسيط من خلال أسرة بسيطة على خطوط المواجهة مع العدو الإسرائيلي إبان الثغرة، ورصد معاناتها من تأثير الحرب” لا فلوس في الجيب، ولا طبيخ في ماعون، هاتوا لنا افطار من خشاش الغيط”
والرواية تنتمي للواقعية التاريخية، فهي تتناول حدثًا تاريخيًا” الحرب”, والثغرة التي تسلل منها العدو في منطقة الدفرسوار, وجاءت نهاية الحدث هنا مفتوحة, وينحو بعض الكتاب إلى المبالغة في وصف الأحداث, حتى يضمنوا وضوح الرؤية لدى المتلقي, أما أحمد عبده فقد وصل إلى نفس الغاية ولكن بطريقة مختلفة, في تصوري أكثر فنية. تناولت الحرب من خلال رصد تأثيراتها على البشر وليس من خلال رصد الحرب نفسها على الجبهة.
وعن المجموعة القصصية حالة حرب يقول” إن أحمد عبده في هذه المجموعة القصصية؛ ومن خلال آلية الحكي التلقائي, الأقرب إلى الحس الشعبي ” والاختلاف هنا أنه أضفى عليها البعد الفانتازي مما أعطى للسرد طابع شائق ومثير يجعل القارئ منتبها على طول الخط”
وفي دراسة مقارنة بين قصص الحرب “نقش في عيون موسى” و” أكتوبر يا أولاد .. وبين الأدب العبري تقول الدكتورة جيهان سلام بعد أن قرأت الجموعة القصصية (نقش في عيون موسى) و قصته الموجهة لليافعين ( أكتوبر يا أولاد.. يا أولاد أكتوبر), تخيلت أحمد عبده واقفاً في ميدان التحرير, ممسكاً بالميكروفون تحيطه دائرة من الصبية واليافعين وهو يصرخ فيهم: هيا نرد على تصريحات الحاخام اليهودي (عوفاديا يوسف) الذى وصف فيها العرب بأنهم أولاد أفاعي، وأن الله ندم لأنه خلقهم وبالتالي الواجب قتلهم، وهياَّ نرد على المناهج الإسرائيلية التي تعلم الأطفال كراهية العرب واحتقارهم، ونرد على ( موشيه ديان ) الذي قال ( قتل العرب هو قدر جيلنا ) وهياّ نرد على ( مناحيم بيجن ) رئيس وزراء إسرائيل الأسبق (العرب مجرد صراصير يجب سحقهم )
وتناول الكاتب مجدي جعفر ثلاث كتب سياسية هي ” ثورة يناير والبحث عن طريق/ مصر تخلع النقاب/ حاخامات الدم في الشرق الأوسط” فقال لا أستطيع أن أقرأ هذه الكتب من منظور سياسي فقط، رغم الحضور الطاغي للسياسة بها، ولا أستطيع أيضا – أن أقرأ هذه الكتب بمعزل عن أحمد عبده، القاص والروائي، الذي اكتمل مشروعه الأدبي، وذروة الاكتمال بهذه الثلاثية، التي أعتبرها ملحمة، تُضاف إلى مُنجزه الأدبي والفكري والسياسي.