الصحراء تتحول إلى مزارع خضراء.. الصين تزرع الأرز في دبي باستخدام مياه البحر
نجح خبراء صينيون في زراعة وحصاد الأرز في صحراء دبي بعد تطبيق زراعة الأرز “المقاوم للجفاف” في الرمال باستخدام مياه بحرٍ مُخفَّفة تسمح للمحصول الحيوي بالنمو، وطبقت التجربة في مساحة كيلومتر واحد وأنتجت 7500 كيلوغرام من المحصول وهي نتائج مرضية للغاية حسب الشركة الصينية.
و قال دو ديلي، المسؤول بمركز الأبحاث الصيني الرائد في زراعة الأزر المقاوم للملوحة، والذي يرى الكثيرون فيه حلاً ممكناً لنقص الغذاء في أجدب مناطق العالم: “كانت النتيجة مُرضية للغاية”، وتطمح الحكومة بتغطية 10% من مساحة الإمارات بزراعة الأرز، حسب صحيفة The Telegraphالبريطانية.
زرع الأرز في الصحراء
وصرَّحَ للصحيفة قائلاً: “علِمنا أنَّ بإمكاننا زرع الأرز في الصحراء، وكنَّا شديدي السعادة عندما حلَّلنا النتائج ورأينا كمَّ الإنتاج المُمكن”.
ويُزرَع الأرز عادةً في تربةٍ زراعية باستخدام مياهٍ عذبة كثيرة، وليس في وجود الرمال ومياه البحر.
دبي حيث الزراعة أشد صعوبة
وفي دبي، حيث درجات الحرارة الحارقة التي قد تصل إلى 50 درجةٍ مئوية في النهار، وحيث يشيع هبوب العواصف الرملية، يكون تحدِّي زراعة الأرز أشد صعوبة.
لكنَّ العلماء في مركز أبحاث وتطوير “أرز البحر” بمدينة تشينغداو، شرقي الصين، أنتجوا أكثر من 7.5 طن متري لكل هكتار (10 آلاف متر مربع) من إحدى سلالات الأرز المقاوم للملوحة والتي زُرِعَت في الإمارات العربية ذات الجو المغبر في يناير/كانون الثاني الفائت.
وأخبر يوان لونغبينغ، الملقَّب بـ”أبي الأرز المُهجَّن” في الصين، ومدير مركز تشينغداو، الإعلام الصيني أنَّ النتائج كانت “أفضل ممَّا كان يتوقع”، وأنَّه وفريقه يسعون الآن للتوسُّع في بحثهم.
مزارع تجريبية لأرز مياه البحر
وقد وُضِعَت خططٌ لإقامة مزرعة تجريبية بمساحة 100 هكتار (كيلومتر مربع) في وقتٍ لاحق من العام الجاري، قبل التقدُّم باقتراحاتٍ بتغطية 10 % من مساحة الإمارات العربية المتحدة بحقول الأرز.
وقال جانغ غودونغ، وهو نائب مدير مركز تشينغداو وأحد زملاء دو، إنَّ الشركة تنظر كذلك في أمر اتفاقياتٍ لزراعة “أرز مياه البحر” مع عدة دولٍ آسيوية، ومن بينها فييتنام، والهند، وسريلانكا.
وواحات اصطناعية تفيد دول الصحاري العربية
وسوف تقيم الشركة كذلك “واحاتٍ اصطناعية” عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ما تقول وسائل الإعلام الصينية إنَّه “سيُفيد جميع الدول العربية ويساعدهم على التخلُّص من الفقر والجوع وكذلك على تحسين البيئة”.
البداية كانت في الصين
يزرع الباحثون أرز مياه البحر حالياً على الشواطئ المالحة لمدينة تشينغداو المطلَّة على البحر الأصفر، لكنَّ 20 مليون هكتار (200 ألف كيلومتر مربع) أخرى من الأراضي القفر الصينية -ما يبلُغ مساحة بريطانيا العظمى- قد تحدَّد أن تجري زراعتها كذلك.
وقد نشر حساب مجموعة People’s Daily الإعلامية الصينية عبر موقع تويتر تغريدةً كُتِب فيها: “أرز في الصحراء! “أبو الأرز المهجَّن” الصيني يوان لونغبينغ وفريقه قد نجحوا في زراعة الأرز في صحراءٍ بمدينة دبي أنتجت حوالي 7500 كيلوغرام لكل هكتار (10 آلاف متر مربع)، وأنجزوا بذلك أوَّل اختبارٍ ناجح عالمياً لزراعة الأرز في صحراءٍ استوائية”.
تقدم وعقبات كبيرة
وحتى آر باي، وهي كبيرة محلِّلين تعمل مع شركة China Policy الاستشارية ومقرُّها بكين، وصفت تجربة دبي بأنَّها تُمثِّل “تقدُّماً بارزاً”.
ومع ذلك، فقد قالت باي إنَّ هُناك عوائق بالغة تحول دون جَعل أنواع المحصول الجديدة متوفِّرة على نطاقٍ واسع، وتتعلَّق أساساً بتنظيم وتمويل تطوير المزروعات في المناطق الفقيرة.
وأخبرت باي صحيفة The Telegraph: “إنَّ المزارعين الموجودين في المناطق ذات التربة أو إمدادات المياه عالية الملوحة، أو هؤلاء ممَّن يتأثرون بارتفاع مستوى مياه البحر، يُتوقَّع أن يكونوا بين أفقر السكَّان”.
وأضافت: “سيكون التأكُّد من حصولهم على الوسائل اللازمة لاستخدام لهذا النوع الجديد خطوةً أساسية في تحقيق إمكانيته القصوى”.
ويتم تصديره من الصين
وبدأت الصين بتحقيق خطواتٍ كُبرى في مجال تطوير أرز مياه البحر بعد عام 1986 عندما اكتُشِف نمو نوع من الأرز البرِّي في المستنقعات القريبة من البحر بمقاطعة غوانغدونغ جنوب الصين.
وعلى مرِّ عشراتٍ من الأعوام التالية، هُجِّنَت تِلك النبتة مع الأنواع المزروعة، لكنَّ لم يحدث سوى العام الفائت فقط أن اعتقد العلماء أنَّ بإمكانهم إنتاج محصول بكميات تجعل عملية الزراعة صالحة تجارياً.
استراتيجية أكبر دولة تزرع الأرز
بدأت الصين استكشاف وسائل جديدة لزراعة غذائها القومي الأول (الأرز) في سبعينيات القرن الماضي فيما انتاب حُكَّام الحزب الشيوعي في بكين القلق أنَّ الصين قد لا تملُك ما يكفي من الطعام لسد احتياج تعدادها السكَّاني الآخذ في الازدياد آنذاك.
حرَّك القلقُ من ارتفاع مستوى مياه البحر وتغيُّر معدَّلات الترسيب البحثَ العلمي على مدار عشرات الأعوام التي تلت ذاك، فيما سعى روَّاد الأعمال الجُدد في الصين وراء الأرباح المُحتَمَلَة التي يمكن تحقيقها من وراء تحديَّات التغيُّر المناخي.
لكنَّ الصين قد وجَّهت اهتمامها على نحوٍ متزايد في الآونة الأخيرة تجاه الفوائد الإستراتيجية مِن استيراد المواد الغذائية من الدول النامية ذات العلاقات الودية مع بكين، فضلاً عن خصومها المُحتَمَلين في الغرب.
وباعتبارها أكبر دولةٍ زارعة للأرز في العالم الآن، فإنَّ الصين لم تعُد تراودها أية مخاوف تجاه نقص الأرز، ومن المُحتَمَل أن تظلّ مكتفيةً ذاتياً من الأرز في المستقبل المنظور.
وتصدر مشروعها ونفوذها أيضاً
وتعرض بكين مشروعها، الملقَّب بطريق الحرير الصينيّ المعاصر، باعتباره وسيلةً لتحسين ثروة بعضٍ من أفقر مناطق إفريقيا وجنوب شرق آسيا.
لكنَّ المشروع قد لاقى أيضاً مخاوف وشكوكاً من بعض الجهات بكونِه جبهة مُحتَمَلَة لترويج طموحات الصين الإستراتيجية.
وأخبرت لي زينكين، وهي زميلة باحثة بالمركز القومي لأبحاث وتطوير الأرز المُهجَّن في الصين، والموجود في مقاطعة خونان في وسط الصين، صحيفة The Global Times الصينية أنَّ أرز المياه المالحة هوَ “مُنتجٌ حيوي لأمن الصين الغذائي”.
ويقول المراقبون إنَّ الأمم الفقيرة والنامية لديها دوافع قوية لدعم “دبلوماسية الأرز” الجديدة التي تطرحها بكين.
وقالت باي: “كلَّما استوردت الصين طعاماً من الخارج كان لديها مصلحةٌ إستراتيجية في ضمان الأمن الغذائي لشركائها في التجارة كذلك”.