إيكونوميست: دوامة التصعيد والتهدئة في غزة تخدم السياسة الداخلية الإسرائيلية وحماس
نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا عن الظروف الجديدة في غزة بعد مقتل القائد العسكري في حركة الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا. وقالت المجلة إن الصاروخ الذي قتل أبو العطا وزوجته قبل فجر يوم 12 تشرين الثاني (نوفمبر) دفع الحركة كما هو متوقع بإطلاق الصواريخ على غزة دونما أن تؤدي لمقتل أحد.
وقتل 34 فلسطينيا ومئات الجرحى في الغارات الإسرائيلية. وتقول المجلة إن هذه أشكال قاتمة من التصعيدات المنتظمة، كان آخرها في آيار (مايو)، حيث يقوم كل طرف بإطلاق العنان لحمم من النار لعدة أيام ثم يوافقان على هدنة، تقوم مصر بالتوسط بها. ولكن حركة الجهاد الإسلامي قالت محذرة بعد مقتل قائدها إن الوضع هذه المرة سيكون مختلفا.
وقال زعيم الحركة زياد النخالة “نحن ماضون إلى الحرب”. مضيفا أن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي قد “تجاوز كل الخطوط الحمر”. وعادة ما تقود الإغتيالات في غزة إلى حروب، فبعد مقتل قائد لحماس عام 2012 عاش القطاع حربا قصيرة. ورغم كل التصريحات المتبجحة وافقت حركة الجهاد بعد 48 ساعة على وقف إطلاق النار. فكثاني أكبر حركة مسلحة في القطاع، تظل أصغر وأقل براغماتية من حركة حماس التي تسيطر على القطاع منذ عام 2007.
ورفضت حركة حماس بشدة المشاركة في القتال مع أنها لم تتخذ الإجراءات لوقف حركة الجهاد عن إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل بدون إذن. ونسقت الحركتان من خلال ما أطلق عليها “غرفة العمليات” إلا أن حماس لم تطلق مقذوفاتها الصاروخية التي تحتفظ بها في ترسانتها.
وصعدت حركة حماس في الثمانينات من القرن الماضي من خلال عقيدة “المقاومة” ضد إسرائيل. وخاضت منذ سيطرتها على القطاع ثلاثة حروب ضد الدولة اليهودية. وكانت النتائج كارثية على غزة وسكانها البالغ عددهم مليوني نسمة: قتل فيها الآلاف وجرح عشرات الآلاف إضافة للحصار من إسرائيل ومصر الذي شل الإقتصاد، وهاجر ألاف الشباب بحثا عن مستقبل في أماكن أخرى.
ولا يوجد هناك دعم شعبي لحرب جديدة. ورغم عدم تسامح حركة حماس مع الكثير من المعارضة المفتوحة إلا أن الكثير من الغزيين يأملون بأن تخرج من السلطة بشكل كامل. ومن أجل الحفاظ على سيطرتها في القطاع ربما فضلت حماس عقد هدنة مع إسرائيل مقابل تخفيف الحصار. ويخشى عدد من حكماء الحركة أن تتحول حماس إلى نسخة من السلطة الوطنية الفلسطينية ولكن بوجه ديني. وتكافح الحركة لضبط جماعات مسلحة صغيرة تريد إشعال المواجهة مع إسرائيل. ومعظم أفراد هذه الجماعات ممن تركوا حركة حماس بسبب خلافهم معها.
وفي آب (أغسطس) قتلت إسرائيل أربعة مسلحين كانوا يريدون عبور الحدود. وحتى هذا الوقت تجنبت إسرائيل توجيه ضربة لحماس كإشارة عن اهتمام إسرائيل مهتمة بالتهدئة. فبالنسبة لنتنياهو فهناك حافز إضافي لاستمرار الإنقسام بين حركة حماس والسلطة الوطنية التي لم تعد مهمة. كما أنه يفكر في السياسة الإسرائيلية الداخلية. فقد خسر إئتلافه المكون من الأحزاب اليمينية والدينية مقاعد في جولتين انتخابيتين عقدتا في (إبريل) و (سبتمبر).
ولم يعد لديه سوى أقلية في الكنيست. ومع أن الجنرالات يدعمون زعمه حول توقيت الإغتيال وأنه تم بناء على الظروف في غزة إلا أنه مفيد له من الناحية السياسية. فمن أجل تشكيل حكومة جديدة عليه إقناع ائتلاف أزرق وأبيض الإنضمام في تحالف جديد. ولكن قيادة الإئتلاف هذا رفضت الإنضمام إليه، مشيرة إلى التحقيقات الجنائية التي تلاحقه.
ومن المتوقع توجيه لائحة اتهامات له في الأسابيع المقبلة. وحاول نتنياهو إغراء زعيم الإئتلاف بيني غانتس من خلال إشراكه في اتخاذ القرار بشأن غزة وإمكانية تعيينه وزيرا للدفاع. ويعد جانتس جديدا على السياسة ويبدو متعبا من المناورات والحملات الإنتخابية ويقال إنه بدأ يلين. ويمكنه المشاركة في إئتلاف من نتنياهو إن تعهد الأخير تعليق رئاسته للوزراء حالة وجهت اتهامات جنائية له. وعلى غانتس إقناع زملائه في الإئتلاف ومعظمهم يعارض الفكرة. ولم يعد أمامهم خيارات، وربما أجبر غانتس على تشكيل حكومة أقلية تدعمها الأحزاب العربية في إسرائيل التي لم تنضم لتحالفه.
لكن عملية غزة جعلت من التعاون صعبا. وفي خطاباته وتغريداته اتهم نتنياهو الاحزاب العربية بدعم “جرائم الحرب” الفلسطينية وحذر غانتس من التعاون معها. والموعد النهائي لتشكيل الحكومة هو 11 (ديسمبر) ولو فشل أي مرشح بالمهمة فعندها ستواجه إسرائيل إمكانية انتخابات ثالثة في عام واحد. وتظهر الإستطلاعات أن انتخابات ثالثة غير محتملة. ويبدو التوصل لاتفاقية مع حماس أسهل من تشكيل الحكومة في إسرائيل.