إيران رغم معارضتها لاتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل لكنها لا تستطيع قطع علاقاتها مع أبوظبي
أخرجت النخبة الدينية والعسكرية في إيران ما في جعبتها من “خطب رنانة” اعتراضاً على اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، خصم طهران اللدود، لكن الأمر بدا وكأنه “جعجعة بلا طحين”، كما تقول وكالة رويترز.
فقد وجّهت السلطات الإيرانية انتقادات شديدة للاتفاق الذي أُعلن عنه الأسبوع الماضي وتوسطت فيه الولايات المتحدة، وحذر بعض المسؤولين الإيرانيين من أن الإمارات وإسرائيل بتودد كل منهما إلى الأخرى تخاطران بانفجار الوضع في الشرق الأوسط، وأطلق آخرون “تهديدات مستترة” ضد بعض دول الخليج.
طهران تخشى توتر العلاقات مع أبوظبي
لكن ذلك كل شيء حتى الآن، فلم تستدعِ طهران القائم بأعمالها في الإمارات أو تقطع العلاقات معها، مثلما فعلت بعض الدول الأخرى. وقال مسؤول كبير قريب من كبار صانعي القرارات في إيران: “دائماً ما تفضل القيادة الإيرانية السلام وليس التوتر، خاصة مع جيرانها”.
وأضاف لرويترز: “نتصرف دائماً على أساس مصالح إيران الوطنية. لن تتخذ طهران أي إجراء عدائي ما دامت مصالحها لم تتعرض للخطر”.
وفي ظل وجود علاقات تجارية مع إيران ترجع إلى أكثر من قرن من الزمان، تمثل دبي، التي لا تبعد عن الجمهورية الإسلامية سوى 150 كيلومتراً فقط عبر الخليج، إحدى بوابات إيران الرئيسية إلى العالم الخارجي.
وقال محللون إن طهران لا يمكنها تحمل أن تخسر دبي كطريق للتجارة، خاصة بعد أن قلصت العقوبات الأمريكية بشدة صادراتها النفطية وتسببت في مزيد من التعقيد لتجارتها الدولية.
وقال المحلل سعيد ليلاز الذي يعمل من طهران: “لن يقطع قادة إيران أبداً فرع الشجرة الذي يجلسون عليه”، مشيراً إلى أن دبي تظل أحد أبواب إيران الرئيسية إلى العالم الخارجي.
“إجراء متسرع”
في يونيو، نقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الرسمية (إرنا) قول مسؤولين إيرانيين إن الإمارات، وهي الشريك التجاري الثاني لإيران بعد الصين، ستواصل التعامل مع جزء ضخم من واردات طهران وصادراتها.
وقال مسؤول إيراني آخر إن القادة الدينيين لإيران قرروا، تجنباً لزيادة عزلة بلادهم، الامتناع عن اتخاذ نهج عدواني تجاه التغير الجيوسياسي للمنطقة.
وأضاف المسؤول الذي طلب هو الآخر ألا ينشر اسمه بسبب حساسية الموضوع: “لن تستفيد طهران من أي إجراء متسرع لأن الدول الأخرى مثل سلطنة عُمان والبحرين والسعودية يمكن أن تقوم أيضاً بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل”.
موقف حلفاء إيران في المنطقة
تحتفظ إسرائيل والإمارات منذ أمد بعلاقة غير سرية تتعلق بمصالح مشتركة، لكن هذا الاتفاق يعزز المعارضة لإيران، وهي قوة إقليمية ترى الإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة أنها تمثل تهديداً.
وقال مائير جافيدانفر المحاضر في مركز هرتزليا متعدد التخصصات بإسرائيل: “إمكانية رفع العلم الإسرائيلي في الإمارات، وهي شريك تجاري في غاية الأهمية لإيران، تمثل انتكاسة كبيرة للنفوذ الإيراني في المنطقة”.
ويخشى بعض الإيرانيين العالمين ببواطن الأمور من أن يجعل ضبط النفس مع الإمارات، الجمهورية الإسلامية تبدو ضعيفة أمام حلفائها السياسيين والمسلحين في المنطقة الذين وسعوا نفوذها في السنوات العشرين الماضية.
قال مسؤول إقليمي إنه لهذا السبب، فمن غير المستبعد أن يعبر وكلاء إيران عن عدم رضاهم عن الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي بشن عمليات على نطاق محدود. وأضاف: “لا تندهش إذا شهدت حدوث تفجيرات على نطاق بسيط، قنبلة أو طائرة مُسيرة أو هجمات صاروخية، في المنطقة خلال الأسابيع المقبلة”.
وقال دبلوماسي إيراني سابق إن بعض العناصر الأكثر تشدداً في الجناح المحافظ قد تنظر إلى الأمر على أنه استفزاز كون أن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي يعني أن مصالح رسمية إسرائيلية ستتركز علناً قرب حدود إيران في الخليج.
وعلى أي حال، فمنذ الثورة الإسلامية عام 1979 تمثل المواجهة مع إسرائيل أحد ركائز سياسة إيران الخارجية. ودعا المسؤولون الإيرانيون مراراً إلى القضاء على إسرائيل.
طموحات إقليمية
تمثل المعارضة لإسرائيل جزءاً من التماسك الذي يوحد إيران مع شبكة إقليمية من الجماعات الحليفة المسلحة التي تسهم في دفع المصالح الإيرانية، من العراق إلى لبنان واليمن إلى سوريا.
تشعر إسرائيل بقلق خاص إزاء ما يُشتبه بأنها مساعٍ إيرانية لتطوير أسلحة نووية، وهو ما تنفيه طهران. لكن على الرغم من حدة الخطاب في أزمات سابقة، فإن المسؤولين الإيرانيين والإسرائيليين لم يشيروا مطلقاً إلى أي اهتمام بالدخول في حرب شاملة.
ومع تعرض اقتصادها لضغط شديد بسبب العقوبات الأمريكية وأزمة فيروس كورونا، فإن حشد الوكلاء سيفرض كلفة مالية وسياسية بالغة على إيران، حيث يشعر كثير من مواطنيها بالفعل بالاستياء من الطموحات الإقليمية للمؤسسة الحاكمة.
ومع تنامي الإحباط يقول محللون إن إيران في خضم اضطرابات شعبية بسبب المظالم الاقتصادية بالبلاد. وقد أثار الوضع المتدهور للاقتصاد الإيراني احتجاجات واسعة النطاق منذ أواخر عام 2017.