يعكس قرار الحكومة الإيرانية تقليص التزامها بالاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة) «انتقالاً من الصبر الاستراتيجي إلى العمل الاستراتيجي» في مواجهة العقوبات الأمريكية المتزايدة، وذلك وفقاً لمؤتمرٍ صحفي نظَّمته شبكة القيادة الأوروبية.
ومع أنَّ الخطوات الإيرانية أثارت التوتُّرات بشأن الاتفاق النووي، فإنَّها قد تُوفِّر أيضاً سبيلاً للمفاوضات بين طهران وواشنطن، بحسبموقع Lobe Log الأمريكي.
في الثامن من مايو الذي يوافق ذكرى مرور سنة على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على إيران، أعلنت الحكومة الإيرانية أنَّها ستتوقف عن الالتزام بالقيود المفروضة على كمية الماء الثقيل (130 طناً مترياً)، واليورانيوم منخفض التخصيب (300 كيلوجرام) المسموح بتخزينها على النحو المنصوص عليه في الاتفاق النووي.
وكانت هذه الخطوة «إلى حدٍّ كبير رداً» على القرار الذي اتخذته إدارة ترامب، في الثالث من مايو 2019، بمنع إيران من بيع الكميات الفائضة لديها من كلتا المادتين في السوق الدولية، وذلك وفقاً لدينا إسفندياري، الباحثة بمركز بيلفر التابع لجامعة هارفارد الأمريكية.
إذ وصف إسفنديار باتمانقليج من مؤسسة أبحاث Bourse and Bazaar، المهتمة بالشأن الإيراني، هذا الأمر، بأنَّه «تحرك محسوب من الإيرانيين يُمثِّل في الحقيقة خطوةً صغيرة في طريق الابتعاد عن خطة العمل الشاملة المشتركة، ويمكن التراجع عن تلك الخطوة كلياً».
فالماء الثقيل واليورانيوم منخفض التخصيب لا يُمثِّلان بحدِّ ذاتهما مبعثَ قلقٍ فيما يتعلَّق بالانتشار النووي. وكما أشارت دينا إسفندياري، فإنَّ مخزونات إيران من كلا المادتين أقل كثيراً من الحدود الواردة في خطة العمل الشاملة المشتركة، ولذا من المستبعد أن تخرق إيران الاتفاق في أي وقتٍ قريب.
وكان الأمر رد فعلٍ مباشراً على قرار إدارة ترامب بمنع إيران من بيع الكميات الفائضة لديها، وهو القرار الذي يُمثِّل بحدِّ ذاته انتهاكاً لاتفاق 2015.
فبالإضافة إلى خطواتها المباشرة المتعلِّقة باليورانيوم منخفض التخصيب والماء الثقيل، منحت طهران تلك الدول المُشارِكة المتبقية في الاتفاق –وبالتحديد ما يُسمَّى بالقوى الأوروبية الثلاث «E3» وهي فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة- 60 يوماً لإيجاد طريقة لحماية صادرات النفط والنشاط المالي الإيراني من العقوبات الأمريكية.
وفي حال عجزت تلك الأطراف عن ذلك، يُهدِّد الإيرانيون باستئناف تخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى من حدّ نسبة 3.67% الواردة في الاتفاق النووي، واستئناف بناء مفاعل الماء الثقيل في آراك، وهي منشأة يمكن أن تنتج كمياتٍ كبيرة من البلوتونيوم، دون الحاجة لإجراء تعديلات كبيرة في التصميم (التي نُصَّ عليها أيضاً في الاتفاق النووي). وقد تُمثِّل تلك الخطوات انتهاكاتٍ أكبر بكثير للاتفاق النووي.
بحسب إيلي غيرانمايه، الباحثة بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، يشعر الإيرانيون بأنَّهم مضطرون لاتخاذ تلك الخطوات، بسبب حملة إدارة ترامب «لفرض أقصى قدرٍ من الضغط» على إيران، وخصوصاً خطوات الإدارة الأخيرة، الرامية لمنع مبيعات النفط الإيرانية تماماً، والحد من برنامج طهران النووي المدني.
فقالت: «مِن وجهة نظر إيران، فإنَّ هذا السيناريو واهٍ فعلاً، كان على الأقل هناك مُتنفَّسٌ ما لإيران قبل أن تدخل تلك العقوبات حيز التنفيذ هذا الشهر، لكن أعتقد الآن أنَّه بات من الصعب للغاية داخلياً السماح باستمرار هذا الاتفاق كما هو».
وأضافت: «وكما سمعتُ من بعض المسؤولين الإيرانيين الذين حدثوني، فإنَّهم كانوا بحاجة لتغيير الحسابات الاستراتيجية للأطراف المتبقية في الاتفاق، وكذلك للولايات المتحدة. وإنَّ النهج الحالي لن يكون بلا تكلفة بالنسبة لأعضاء الاتفاق الآخرين، أو بالنسبة للولايات المتحدة، في حين تتحمَّل إيران التكاليف الأمنية والاقتصادية الثقيلة التي تواجهها في هذه اللحظة».
وتابعت: «إذاً، أوضحت (دينا إسفندياري) ما فعلوه، وذَكَرَ (سهيل شاه، مدير مشروع إيران بشبكة القيادة الأوروبية) أنَّ شعاره في هذه اللحظة هو أنَّ إيران انتقلت من (الصبر الاستراتيجي إلى العمل الاستراتيجي). لقد فعلوا هذا بطريقةٍ استراتيجية حذرة ومستنيرة للغاية. فقد نظروا في الجوانب الفنية، ومن الواضح أنَّهم وضعوا خارطة طريق لنهجٍ متعدد المراحل».
الجمهور الرئيسي لإيران هو على الأرجح أوروبا، ففي وقتٍ سابق من هذا العام 2019، كشفت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة النقاب عن «أداة دعم التبادل التجاري» (أو INSTEX)، وهي «أداة ذات غرض خاص» تهدف لحماية المعاملات التجارية الأوروبية-الإيرانية من العقوبات الأمريكية.
كان الهدف من الآلية في البداية حماية كل أشكال التجارة الأوروبية-الإيرانية، لكنَّ نطاقها منذ ذلك الحين تقلَّص ليُغطي فقط التجارة في السلع الإنسانية، التي لا تُقيِّدها من الناحية العملية العقوبات الأمريكية.
ووفقاً لباتمانقليج، لم «تُشغَّل» أداة INSTEX حتى الآن، وربما تكون التوقعات الإيرانية من حيث فوائد الأداة قد فاقت الحقائق الأوروبية، أو على حدِّ وصفه، بات الأوروبيون «ضحايا تصريحاتهم، بعدما علَّقوا على INSTEX كل التوقعات المرتبطة برد فعلهم تجاه العقوبات الأمريكية».
ووفقاً لإيلي غيرانمايه «كانت هناك بعض الآمال الجامحة من الجانب الإيراني بأنَّ آلية INSTEX قد تُسهِّل التجارة في النفط، وهو ما قال الأوروبيون بوضوح عنه للتو إنَّهم يستحيل أن يمسوا في هذه الفترة أي تجارة خاضعة للعقوبات من المنظور الأمريكي». وبالتالي يبدو أنَّ الإيرانيين يبعثون برسالةٍ لأوروبا، من أجل تعزيز وتشغيل آلية INSTEX، وضمان أن تُوفِّر أقصى فوائد ممكنة للاقتصاد الإيراني. وهي رسالة تأتي مصحوبةً ببعض المخاطر.
فيقول باتمانقليج: «لكنَّ هناك مقامرةٌ هنا. وأعتقد أنَّ المقامرة تتمثَّل في أنَّ الإيرانيين حسبوا هذه الخطوة، على أمل أنَّها قد تستحث مقاومةً من جانب الأوروبيين (في مواجهة إدارة ترامب)».
وأضاف: «بيد أنَّه توجد مخاطرة تتمثَّل في أنَّها (الخطوة الإيرانية) قد تؤجج أيضاً شعوراً بالانهزامية، ربما تكونون قد لمستموه لدى المسؤولين الأوروبيين بشأن قدرتهم على مواجهة الولايات المتحدة، وقدرتهم على تلبية التوقعات الإيرانية فعلاً».
قد يكون هناك غرضٌ آخر خلف الخطوات التي اتَّخذها الإيرانيون هذا الأسبوع، وهو: تمهيد الأرض أمام المفاوضات مع الولايات المتحدة.
فقد تبنَّت إيران أسلوب «الصبر الاستراتيجي» حين سحب ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، في مايو/أيار الماضي، ما يعني أنَّها اختارت ألا تتفاوض مع ترامب وأن تحاول ببساطة ركوب العاصفة حتى -من منظورٍ إيراني مفعم بالأمل- ينهزم ترامب في انتخابات 2020، وتتولى السلطة إدارة أمريكية جديدة ربما تكون وديةً أكثر.
لكنْ هناك شكوك فيما إن كان ترامب سيخسر فعلاً في 2020، وفي ظل الخوف المتنامي من أنَّ الاقتصاد الإيراني قد لا يتمكَّن حتى من تحمُّل سنتين أُخريين قبل مغادرة ترامب المحتملة للسلطة، في حالة تحقَّق أفضل السيناريوهات، يوجد حراك في طهران خلف فكرة بدء المفاوضات الآن.
ووصفت نجار مرتضوي، الكاتبة بصحيفة The Independent البريطانية، هذه الدينامية قائلةً: «حتى الآن كنا نتحدث كثيراً عن المعتدلين في مواجهة المتشددين، المعتدلين الذين كانوا هم مَن أبرموا اتفاقاً مع إدارة أوباما، في مواجهة المتشددين الذين يقفون موقفاً معاكساً لكل شيء يريده المعتدلون».
وأضافت: «لكن الآن، أرى زيادةً في الانقسام داخل المعسكر المعتدل يتسبَّب في فرض ضغطٍ حتى على الرئيس روحاني وفريق جواد ظريف –فريق السياسة الخارجية- من جانب الإصلاحيين، والمعتدلين، أي الأشخاص الذين يُعتبَرون داعمين للاتفاق، والذين دعموا المفاوضات، والذين ما يزالون يريدون الدبلوماسية والانخراط، لكن وفق استراتيجيةٍ مختلفة».
وأردفت: «وبالتالي، ما يعتقدونه –أو يعتقده هذا المعسكر المتنامي- هو أنَّ الرد على الرئيس ترامب العام الماضي لم يكن كافياً من إيران، وأنَّ إيران لم يعد ينبغي أن تنتظر تحرُّك أوروبا».
ووفقاً لمرتضوي، يدفع هذا المعسكر الجديد روحاني لاتخاذ خطواتٍ للتهديد بانسحاب إيران الكامل من الاتفاق النووي، باعتبار ذلك وسيلةً لكسب أوراق ضغط في المفاوضات قبل الموافقة على بدء مباحثاتٍ مع ترامب. وفي أسوأ الأحوال، يرى هؤلاء أنَّ التفاوض مع ترامب قد يُوفِّر لإيران المزيد من الوقت، من أجل تبديد الفترة المتبقية له في البيت الأبيض، بالتزامن ربما مع تجنُّب المزيد من العقوبات الأمريكية.
وفي حال أُريد لتلك الخطة النجاح، سيتعيَّن استغلال ما يبدو أنَّه فجوةٌ صغيرة بين ترامب وبعض مستشاريه الأكثر تشدداً، وأبرزهم مستشار الأمن القومي جون بولتون. إذ صرَّح ترامب للصحفيين في البيت الأبيض يوم الخميس 9 مايو/أيار، بأنَّه يريد التحدث مع القادة الإيرانيين.
فقال: «ما أحب أن أراه من إيران هو أن أراهم يتصلون بي». وأشار إلى أنَّ الاقتصاد الإيراني في حالة فوضى، نتيجة للضغط من جانب الولايات المتحدة.
وأضاف: «ما ينبغي عليهم فعله هو الاتصال بي، والجلوس، ويمكننا إبرام اتفاق، اتفاق عادل. نحن فقط لا نريدهم أن يحصلوا على أسلحة نووية، لا نطلب الكثير، وسنساعدهم على العودة بصورة رائعة».
وهذا بالتأكيد يختلف عن سياسة إدارته السابقة تجاه إيران، التي تمحورت حول قائمة من 12 مطلباً طرحها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على الحكومة الإيرانية العام الماضي. لكن في الوقت نفسه، تفيد تقارير بأنَّ بولتون –الذي يشتهر بتفضيله لخوض حربٍ مع إيران- يقود اجتماعاتٍ سرية بشأن إيران، في مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، تُذكِّرنا بصورة كبيرة بالزيارات المتكررة لنائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني إلى مدينة لانغلي (مقر وكالة الاستخبارات المركزية) في الفترة السابقة لحرب العراق.
مع ذلك، هناك مؤشرات على أنَّ العلاقة بين ترامب وبولتون تمر بفترة صعبة. فبطبيعة الحال عارض ترامب رغبة بولتون في صراعٍ عسكري مع كوريا الشمالية، من خلال الانخراط مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، في مساعٍ دبلوماسية. وهناك الآن تقارير تفيد بأنَّ ترامب بدأ يُعبِّر عن خيبة أمله من نزعات بولتون المتشددة، فيما يتعلَّق بالأزمة السياسية الجارية في فنزويلا، وهو ما قد يكون نذير تباينٍ أكبر بين الرجلين.
وبالتأكيد تشير تصريحات ترامب، يوم الخميس، إلى أنَّ الإيرانيين أمامهم فرصة للانخراط معه في مباحثاتٍ إذا ما اختاروا ذلك.
يقام في السادسة من مساء اليوم احتفال بأول إصدارات دار أم الدنيا للدراسات والنشر والتوزيع…
الرياض 13 أبريل 2022: أتاحت التأشيرة السياحية السعودية للحاصلين عليها أداء مناسك العمرة إلى جانب…
يحتاج التأمل في أعمال التشكيلي السوري محمد أسعد الملقّب بسموقان إلى يقظة شرسة تجعلنا قادرين…
في حلقة جديدة من برنامجه "تراثنا الشعري" استضاف بيت الشعر بالأقصر الأستاذ الدكتور محمد…
يقيم المركز الدولي للكتاب، خلف دار القضاء العالي، ندوته الشهرية لمناقشة أعمال (سلسلة سنابل) للأطفال،…