إيران تنتج أفضل أفلام السينما العالمية
هناك أربعة أفلام إيرانية في قائمة أفضل مئة فيلم في استطلاع أجراه مؤخرا موقع “بي بي سي كالتشر” لانتقاء أعظم الأفلام بلغات أجنبية. الكاتب الإيراني حميد دباشي يوضح أبرز ملامح السينما الإيرانية.
اشتملت قائمة “بي بي سي كالتشر” على أربعة أفلام إيرانية بين أفضل مئة فيلم بلغات أجنبية، ثلاثة منها للمخرج عباس كيارستمي وهي: “عن قرب” و”أين دار الصديق؟” و”مذاق الكرز”، وجاء ترتيبها التاسع والثلاثين، والرابع والتسعين، والسابع والتسعين على التوالي؛ والرابع للمخرج أصغر فرهادي بعنوان “انفصال” وجاء في الترتيب الحادي والعشرين ليدخل ضمن الأفلام الخمسة والعشرين الأولى بالقائمة.
ولا عجب أن القائمة الغراء اشتملت على تلك الأفلام التي مثلت محطات رئيسية في السينما الإيرانية، بل كان يمكن أن تشمل عددا من الأعمال الإيرانية الأخرى العظيمة دون تشكيك في ثقل الأفلام الأربعة المنتقاة وحضور كيارستمي الفائق في مصاف المخرجين الأبرز عالميا.
فالسينما الإيرانية على مدار المئة عام ونيف الماضية مرت بعلامات فارقة جعلت أهم المخرجين الإيرانيين محط أنظار العالم.
وفي الأغلب استقى النقاد المشاركون في وضع قائمة بي بي سي كالتشر معرفتهم بالسينما الإيرانية والسينما العالمية من المهرجانات الدولية الكبرى مثل كان والبندقية وبرلين ولوكارنو والتي تتفوق على مهرجانات أخرى في الولايات المتحدة واليابان وكوريا والشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وقد ألفت الأفلام الإيرانية سبيلها إلى تلك المهرجات الكبرى منذ وقت طويل انطلاقا من الإرث الثقافي والاجتماعي لإيران بينما اتسع النطاق الزمني والجغرافي للسينما الإيرانية بدءا من طلائع الأفلام الإيرانية التي صورت في استوديوهات شركة الهند الشرقية بالهند وحتى تلك المهرجانات الأوروبية.
ودائما ما تخطت السينما الإيرانية حدودها المحلية منذ فيلم “فتاة لُر” عام 1932 – وهو أول فيلم إيراني ناطق – والذي حمل أيضا اسم “إيران الأمس وإيران اليوم”، وأنتجه اردشير ايراني وعبد الحسين سبنتا بشركة الأفلام الإمبراطورية في بومباي، وامتدت إلى أوروبا والإمبراطوريتين العثمانية والروسية ومصر والهند في بقاع سبق إليها الشعر والنثر الفارسيان، والفنون البصرية، وفنون المسرح والتمثيل الإيرانية.
وتطل شخصية الشاعرة المعروفة فروغ فرخزاد (1935-1967) في تاريخ السينما الإيرانية، إذ استطاعت بوثائقي واحد قصير وهو “البيت أسود” (1962) أن تضع السينما الإيرانية على درب من الإبداع لم ينقطع، وقد صورته بمستعمرة للجزام ومزجت فيه بين الواقع والخيال مزجا فريدا جديدا.
وقبل أن ينقضي ذاك العقد المشهود تم تهريب فيلم “البقرة” (1969) للمخرج داريوش مهرجويى خارج إيران ليعرض بمهرجان البندقية السينمائي عام 1971 حيث حاز على جائزة النقاد، كما عرض في برلين ليتأكد كلحظة فارقة في تاريخ السينما الإيرانية البازغة.
ورواية الفيلم مستوحاة من قصة قصيرة للكاتب غلامحسين ساعدي عن قروي تربطه علاقة وثيقة ببقرة يُسقِط عليها الكثير من مشاعره الإنسانية فيما يعتمد الفيلم تعابير بصرية وروائية مبهرة.
الثورة والشهرة
ورغم الكثير من التطورات المهمة على صعيد السينما الإيرانية فقد تركزت أنظار العالم خلال السبعينيات على الثورة الإيرانية (1977-1979) حتى أعادت رائعة أمير نادري “الراكض” (1984) إلى البؤرة واعتبر الفيلم فتحا جديدا حين عرض أول مرة بمهرجان القارات الثلاث في نانت، وتم تصويره بمواقع عدة بجنوبي إيران خلال الحرب الإيرانية-العراقية (1980-1988) ورسم صورة فريدة لصبي بمعزل عن العالم متيم بالركض في رمزية عميقة ومؤثرة للمخرج.
ولم يكد العالم يبرح فيلم “الراكض” الذي أحرز نجاحا واسعا إلا وانتبه لعباس كيارستمي مع العرض الأول لفيلمه “أين دار الصديق؟” (1985) بمهرجان لوكارنو السينمائي، وهو الفيلم الذي أصبح الآن من الكلاسيكيات.
ورغم أن كيارستمي كان معروفا في إيران، إلا أن استقباله أوروبيا وضعه في مصاف العالمية مع فيتوريو ديسيكا مخرج “لصوص الدراجات” (1948) وياسوجيرو أوزو مخرج “قصة طوكيو” (1953) وساتياجيت راي مخرج ثلاثية آبو (1955-1959).
وبينما أصبح كيارستمي الاسم الأبرز بين المخرجين الإيرانيين على الساحة الدولية، أسبغت أسرة مخملباف أثرا بالغا على السينما الإيرانية خاصة حين عرضت سميرا مخملباف فيلمها الأول “التفاحة” (1998) بمهرجان كان، بينما لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها.
يومها كنت بالمهرجان ورأيت كيف تغيرت بين عشية وضحاها نظرة العالم لإيران من صورة ملتح حانق (الخميني) إلى وجه باسم لمخرجة شابة.
وفي العقد التالي حاز جعفر بناهي على ثناء النقاد العالميين مع عرض فيلمه “الدائرة” (1999) بمهرجان البندقية، ويعد بناهي تلميذا لعباس كيارستمي، ولكنه تطرق بفنه إلى دوائر اجتماعية وسياسية لم يعهدها كيارستمي.
في البداية تحسس بناهي خطاه ولكن سرعان ما اعتقل لنشاطه السياسي خلال الحركة الخضراء (2008-2010) وحكم عليه بالسجن مع إيقاف التنفيذ ومنع من الإخراج ولكنه أخذ يهرب أفلامه لعرضها في المهرجانات الأوروبية.
وجاء صعود نجم أصغر فرهادي ليفتح أفقا جديدا لمعطيات السينما الإيرانية وفاز فيلمه “انفصال” (2011) من نوعية الدراما الاجتماعية بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 2012 وفي 2016 فاز فيلمه “البائع” بنفس الجائزة. ل
قد جاء فرهادي إلى السينما من خلفية مسرحية ولذا تتسم أفلامه بعمق الدراما المطعمة ببراعة التصوير لمدير تصويره محمود كلاري.
وقد شجعت الشهرة العالمية أجيالا أخرى من صناع السينما الإيرانيين على السير على درب سابقيهم.
غير أن هناك من الأفلام الرائعة التي لم تنل ما تستحق من اهتمام عالمي ومنها أفلام فرخ غفاري وإبراهيم گلستان وبهمن فرمان آرا، ناهيك عن مخرجات متميزات مثل رخشان بنى اعتماد، ومرضية مشكيني، ومنيژه حكمت، ممن لم يوفهم العالم حقهم.
كما نشأ جيل جديد بالخارج من المخرجين الإيرانيين ومنهم رامين بحراني (تشوب شوك، 2007) وشيرين نشاط (نساء بلا رجال، 2009)، ممن يأخذون السينما الإيرانية لآفاق لم تعهدها من قبل.
حميد دباشي محاضر في الأدب والسينما الإيرانية بجامعة كولومبيا بنيويورك