إيران تطور صواريخ عابرة للقارات سراً في الصحراء.. خطأ صغير كشف تفاصيل البرنامج بالكامل للخبراء الأمريكيين
كشفت صحيفة The New York Times الأمريكية، الأربعاء 23 مايو 2018، أن إيران تطور صواريخ عابرة للقارات، في صحراء نائية تبعد مئات الكيلو مترات عن العاصمة طهران.
وقالت الصحيفة الأميركية إن تفصيلة بسيطة في المبنى الذي شك فيه الخبراء الأميركيون، كشفت الواقعة.
وأضافت أنه قبل أسابيع، اطلع فريقٌ من الباحثين في مجال الأسلحة من كاليفورنيا على برامج تلفزيونية إيرانية جديدة تمجد العلماء العسكريين، كانوا يتوقعون أنَّ الإيرانيين -على الأكثر- سيلقون درساً في التاريخ، مع ذكر بعض التفاصيل الجديدة حول أحد البرامج المتوقفة منذ فترةٍ طويلة.
لكن بدلاً من ذلك، عثروا على سلسلةٍ من الأدلة التي أدت بهم إلى استنتاجٍ مذهل. فقبل وفاته بقليل، أشرف العالِم العسكري حسن طهراني مقدم، على تطوير منشأةٍ سرية أخرى في الصحراء الإيرانية النائية يقولون إنَّها تعمل حتى يومنا هذا.
وأعادت هذه الصور إلى الأذهان الواقعة التي وقعت قبل سنوات عندما أدى انفجارٌ إلى التدمير شبه التام لمنشأة بحوث الصواريخ بعيدة المدى في إيران عام 2011، وقُتل العالِم العسكري الذي يديرها، اعتبر كثيرٌ من محللي الاستخبارات في الغرب الحادثة مدمرةً لطموحات طهران التقنية.
وأضافت الصحيفة الأميركية، أنه لأسابيع، ظل الباحثون يتنقلون بين صور الأقمار الاصطناعية للمنشأة. ويقولون إنَّهم وجدوا أنَّ الجهود في الموقع يبدو أنَّها تركز الآن على تطوير محركات الصواريخ المتقدمة ووقودها، وهو ما يجري غالباً تحت جنح الظلام.
ومن المحتمل أنَّ المنشأة تطور صواريخ متوسطة المدى فقط (التي تمتلكها إيران بالفعل)، أو ربما برنامجاً فضائياً متطوّراً بشكلٍ غير معتاد.
لكن وفقاً للباحثين، فإنَّ تحليل الهياكل والعلامات الأرضية في المنشأة يشير بقوة إلى أنَّها تعمل على تطوير تقنية للصواريخ بعيدة المدى، غير أنَّه لا يوجد دليل قاطع على ذلك.
هل هذا الإجراء ينتهك الاتفاقية الدولية؟
وبحسب الصحيفة الأميركية، لن ينتهك مثل هذا البرنامج الاتفاقية الدولية التي تمنع إيران من تطوير سلاحٍ نووي، أو أي اتفاق رسمي آخر. ومع ذلك، إذا اكتمل البرنامج فإنه يمكنه تهديد أوروبا، وربما الولايات المتحدة كذلك. وإذا ثبت أنَّ إيران تطور تقنية صواريخ طويلة المدى، فسيزيد ذلك من التوترات بين طهران والولايات المتحدة.
ووافق 5 خبراء من خارج الفريق، راجعوا النتائج بصورةٍ مستقلة، على وجود أدلةٍ دامغة على تطوير إيران تقنية الصواريخ بعيدة المدى.
وقال مايكل إيلمايلاكن، خبير الصواريخ في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الذي استعرض المواد: “يسلط التحقيق الضوء على بعض التطورات المثيرة للقلق”. وقال إنَّ الدليل ليس قاطعاً، لكنَّه ربما يظهر خطواتٍ أولية “لتطوير صاروخٍ باليستي عابر للقارات خلال 5 إلى 10 سنوات قادمة في حال رغبت طهران في ذلك”، بحسب الصحيفة الأميركية.
ورداً على سؤالٍ عن النتائج التي توصل إليها باحثو الأسلحة، امتنع علي رضا مريوسفي، المسؤول الإعلامي في بعثة الأمم المتحدة بإيران، عن الرد، قائلاً: “لا نعلِّق على الأمور العسكرية”.
ما هي منشأة شهرود؟
وعثر الباحثون، في معهد ميدلبري بكاليفورنيا، على المنشأة الإيرانية بعد فترةٍ قصيرة من اقتراح زميل الأبحاث فابيان هينز دراسة موجة من المواد الإعلامية الإيرانية الأخيرة حول الجنرال “مقدم”. أراد هينز معرفة ما إن كانت المواد تحتوي على أدلةٍ حول مدى تقدُّم برنامج الصواريخ الإيراني قبل موت الجنرال أم لا.
لكنَّ الباحثين يقولون إنَّ التعليقات التلقائية التي صدرت عن زملاء الجنرال “مقدم” وأفراد أسرته في وسائل الإعلام الإيرانية تشير ضمناً إلى أنَّ عمله استمر في الخفاء، بحسب الصحيفة الأميركية.
ووجد هينز أيضاً تلميحاً قوياً إلى مكان موقع العمل. ففي منشورٍ أصدرته جمعيةٌ للصحفيين الإيرانيين، رأى صورةً غير مؤرخة للجنرال “مقدم” إلى جانب ملازم أول وصندوق يحمل اسم “شهرود”.
لفت هذا الاسم انتباه هينز.
كان شهرود، الذي سُمي تيمناً ببلدةٍ تبعد 40 كيلومتراً، موقعاً أطلق صاروخاً واحداً في عام 2013، واعتُبر خاملاً ومهجوراً منذ ذلك الحين، حتى عندما رصده القمر الاصطناعي.
لكن.. هل كان الأمر أكثر تعقيداً مما بدا؟
لاحظ الباحثون، على مدار سنواتٍ من التصوير عبر الأقمار الاصطناعية، أنَّ عدد المباني زاد ببطء مع مرور الوقت، بحسب الصحيفة الأميركية.
تفصيلة صغيرة كشفت ما يقوم به “مقدم”
ورصد المحللون أيضاً تفصيلةً لن يلاحظها إلا أحد متابعي عمل الجنرال “مقدم” المخلصين؛ إذ طُليت المباني باللون الأزرق المائل للاخضرار.
وبحسب الصحيفة الأميركية، فإنَّ الجنرال “مقدم”، المعروف بكونه غريب الأطوار وذي إرادةٍ قوية، أمر بطلاء أول منشأةٍ له (التي دُمِّرَت في الحادثة) باللون ذاته، الذي يظهر الآن على بعد نحو 480 كم على مجموعة من المباني المبهمة في الصحراء.
لم يُثبت هذا وحده شيئاً بعينه، لكنَّه دفع الباحثين إلى النظر من كثب، وبمجرد أن فعلوا، رأوا أنَّ الأمر يتجاوز مجرد طلاءٍ مثير للشكوك.
علامات في الأرض
وبحسب الصحيفة الأميركية، يمكن تطوير العديد من التقنيات العسكرية، على الأقل في المراحل المبكرة، داخل المنشأة؛ إذ يمكن إخفاء مختبرات الصواريخ الباليستية، وأنفاق الرياح، ومرافق التخصيب، في المباني أو تحت الأرض.
لكنَّ الصواريخ الباليستية تتطلب ظروفاً استثنائية، فيجب تركيب محركاتها في منصاتٍ بالخارج لاختبار فاعلية إطلاقها، وهي مرحلةٌ خطيرة عادةً ما تجري في الهواء الطلق. ويمكن لاختبارات المحركات، عندما تجرى في المساحات الصحراوية كتلك التي حول شهرود، أن تخلف ندباتٍ في الأرض تأخذ شكل لهيبات الشموع في التضاريس الأرضية.
عثر الباحثون وهم يفحصون صور الأقمار الاصطناعية للمنطقة المحيطة بشهرود، في حفرةٍ على بُعد بضعة كيلومترات، على ما يصفونه بندبتين أرضيتين أكبر من تلك الموجودة في المنشأة المعروفة للجنرال “مقدم”.
كانت الندبات حديثة الظهور. ظهرت واحدة في عام 2016، والأخرى في يونيو/حزيران 2017.
وفحص الباحثون منصات الاختبار، التي عادةً ما تزن ما بين 4 و6 أضعاف قوة المحرك الذي يجري اختباره. وتُصنع من الخرسانة، مما يسمح باستنتاج وزنها من أبعادها.
ويقول الباحثون إنَّ اختبار شهرود لعام 2017 استخدم منصةً يقدَّر وزنها بنحو 370 طناً، مما يشير إلى أنَّ قوة دفع المحرك تتراوح بين 62 و93 طناً، وهو ما يكفي لبناء صاروخ باليستي عابر للقارات؛ في حين لاحظوا أنَّ اثنتين من منصات الاختبار التي لم تُستخدم حتى الآن تفوقانه حجماً، بحسب الصحيفة الأميركية.
نشاط خفي
وتابعت The New York Times أنه كانت هناك دلائل أخرى أيضاً؛ إذ يقول الباحثون إنَّ شهرود يحتوي على 3 حفر من النوع المستخدم في صب أو معالجة مكونات الصواريخ. إحداها لها قُطر يبلغ 5.5 متر، أكبر بكثير من تلك المستخدمة لصنع الصواريخ الإيرانية متوسطة المدى.
وأكدوا أنَّ المنشأة لا تزال نشطة، مستعينين بنوعٍ جديد من صور الأقمار الاصطناعية معروف باسم الردار ذي الفتحة الاصطناعية. يكشف القمر الاصطناعي، بإطلاقه موجات راديوية وقياس صداها، عن تفاصيل أكثر من تلك التي تحملها الصور الفوتوغرافية. وبسبب الطريقة التي يخزن بها البيانات، يمكنه تتبع التغييرات الدقيقة بين مجموعتين من الصور، مثل الآثار التي يخلفها شخص يسير بين المباني.
وقال ديفيد شمرلر، أحد الباحثين المقيمين بكاليفورنيا: “يمكننا أن نرى حركة مرور بشرية، ونشاطاً بشرياً لا يلتقطه القمر الاصطناعي التقليدي. كانوا يقودون في جميع أنحاء الحفرة، حيث تجري اختبارات المحرك”.
وبدا أنَّ هناك آثاراً لمرور سيارات ثقيلة داخل نفق تحت الأرض وخارجه، مما يشير إلى أنَّ شهرود مُقام فوق هيكل كبير قائم تحت الأرض على حد قول الباحثين، مع أنَّهم لم يستطعوا تحديد ماهيته، بحسب The New York Times.
وصُدم الباحثون بالوقود، بشكلٍ خاص، أو على نحوٍ أدق، من حقيقة أنَّ القمر الاصطناعي لم يرصد أياً منه؛ لا صهاريج تخزين، أو شاحنات أو محطات وقود، مما يؤكد شكوكهم بأنَّ شهرود يبني محركات تستهلك الوقود الصلب.
يعتبر الوقود الصلب أكثر صعوبة وخطورة في تطويره من النوع السائل. وبينما يُستخدم أيضاً في البرامج المدنية مثل رحلات الفضاء، فإنَّ استخداماته العسكرية كثيرة.
ويجب إمداد الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل به قبل إطلاقها مباشرةً، الأمر الذي يتطلب وقتاً كافياً وسهولة في الحركة إلى مرافق خاصة بتزويد الوقود، مما يسهل على قوات العدو العثور عليها وتدميرها؛ أما الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب، فيمكن إخفاؤها في المواقع النائية وإطلاقها في أي لحظة.
أسئلةٌ لم يُجَب عنها بعد
قال جيفري لويس، قائد فريق كاليفورنيا الذي كشف وجود المنشأة: “عثرنا بالصدفة على هذا البرنامج الذي كان أقرب إلى الانتهاء بكثير مما كنا نتوقع”.4
لكن، ما الشيء الذي كان البرنامج قد اقترب من تحقيقه؟
ربما يكون هذا الشيء هو نسخة أكثر تطوراً من صواريخ إيران الحاليّة متوسطة المدى. لكنَّ هذا لا يفسر لمَ تبدو المنشآت مصممة لصواريخ أكبر، أو يبرر السرية التي أحاطت بهذا العمل، بحسب The New York Times.
وقد تكون صواريخ مُصمَّمةً لإطلاقها في الفضاء، مع أنَّ ذلك ليس بالضرورة شيئاً حميداً؛ ففي كثيرٍ من الأحيان، تطوِّر بعض الدول صواريخ مُصمَّمة لإطلاقها في الفضاء كنموذج اختبار لصواريخ باليستية عابرة للقارات. جديرٌ بالذكر أنَّ كوريا الشمالية والهند بدأتا برنامجيهما المتعلقين بالصواريخ الباليسيتية العابرة للقارات بهذه الطريقة.
وقدَّر لويس عدد الصواريخ التي يمكن أن تُنتجها حُفَر الصب والمعالجة الموجودة في شهرود سنوياً بـ3 صواريخ، وهذه كميةٌ غير كافية لصنع ترسانة أسلحة، لكنَّها مناسبة لبرنامج صواريخ مُصمَّمة لإطلاقها في الفضاء، ما يعني أنَّ ذلك قد يطوِّر الدراية التقنية بصناعة صواريخ باليستية عابرة للقارات دون القدرة على صناعتها بالفعل.
ويبدو أنَّ ماجد موسوي، الضابط في الحرس الثوري الإيراني الذي يُعتقد أنه خليفة حسن طهراني مقدم، أدلى بالكثير من التصريحات في لقائه الصحفي المعروف الوحيد؛ إذ قال موسوي في عام 2014، إنَّ برنامجاً فضائياً سمح للعلماء بمواصلة عملهم مع الالتزام بأوامر القادة الإيرانيين بعدم إنتاج صواريخ يزيد مداها على 2000 كيلومتر.
ومع ذلك، قال ديفيد رايت، أحد خبراء الصواريخ في اتحاد العلماء المهتمين بالمسألة، إنَّ تركيز منشأة شهرود على المحركات التي تعمل بالوقود الصلب يشير إلى أنَّ أي برنامج فضائي هناك مُصمَّمٌ من أجل تطوير تقنياتٍ صاروخية، كما تقول The New York Times.
وقال رايت: “إذا كان الهدف هو إطلاق أقمار اصطناعية، فمن الأكثر منطقية استخدام صواريخ تعمل بالوقود السائل”، مشيراً إلى أنَّ الوقود الصلب يتضمن بضعة استخدامات في الأغراض السلمية، لكنَّه “وسيلةٌ مناسبة كذلك لتطوير تقنية صناعة صاروخ باليستي صلب عابر للقارات”.
من الصعب تحديد ما إذا كانت إيران ستطور هذه التقنية لتكون إجراءً احترازياً في حال تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة، أو ورقة ضغط في أي مفاوضاتٍ مستقبلية، أو اختباراً تجريبياً للصواريخ التي ما تزال صناعتها على بُعد سنوات.
ضمانات وقائية
وقالت دينا إسفندياري، الخبيرة في الشؤون الإيرانية لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إنَّ العمل في المنشأة “ضمانةٌ وقائية” على الأرجح في حال انهيار الاتفاق النووي. ولا يبدو أنَّ إيران تتجه بسرعةٍ صوب إنتاج صاروخ بعيد المدى، لكنَّها تُمهِّد السبيل نحو ذلك حتى تستطيع صناعته إذا رأى القادة الإيرانيون يوماً ما أنَّ البلاد بحاجةٍ إليه.
وقالت دينا إنَّ ذلك “يُبقي الخيار متاحاً”.
بينما استنتج لويس أنَّ البرنامج يتعمَّد تأخير إنتاج صاروخ فعَّال طويل المدى. لكنَّه حذَّر من أنَّه إذا نجح ترمب في إلغاء الاتفاق النووي أو شعرت إيران بأي تهديد، قد تُمكِّن منشأة شهرود إيران من امتلاك صاروخ بعيد المدى بسرعةٍ أكبر من السرعة التي كانت معروفة سابقاً.
وقال: “إننا نستهين بمدى قدرة الإيرانيين مثلما فعلنا مع كوريا الشمالية”، مشيراً إلى نجاح كوريا الشمالية المفاجئ السريع في تطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات.
وأضاف: “الإيرانيون يكبحون جماحهم لأسبابٍ سياسية، وإذا أخبرناهم بأن يذهبوا للجحيم، فلن يعجبنا رد فعلهم”.
“إلى متى؟”
في يوليو/تموز من عام 2017، اشتكى أمير علي حاجي زاده، أحد ضباط الحرس الثوري الإيراني، فيتصريحاتٍ لعائلات بعض الأفراد العسكريين، من أنَّ “بعض السادة” في الحكومة يُعطِّلون العمل على صاروخٍ مُصمَّم للإطلاق في الفضاء “خُزِّن بسبب الخوف من أميركا مع أنَّه جاهزٌ للإطلاق”.
وأضاف: “هذا مرفوضٌ بالنسبة لنا، إلى متى سنضطر إلى إذلال أنفسنا؟”.
وقالت دينا إنَّه مع انسحاب ترمب من الاتفاق النووي، قد يجد بعض المتشددين أمثال حاجي زاده فرصةً أفضل للضغط من أجل استئناف هذا العمل. وأضافت: “لقد تغيَّر الوضع؛ إذ لم يعد هناك سقفٌ لأنشطتهم الرامية إلى صناعة الصاروخ، ولديهم دليلٌ على أنَّ الغرب لا يحترم التزاماته”، بحسب The New York Times.