إيران تبحث عن رد على التحدي الأمريكي
منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران قبل نحو سنة، تتردد القيادة الإيرانية في محاولة لبلورة رد مناسب على التحدي الأمريكي، حتى الآن بلا نجاح. مبدئياً، تسعى إيران لإبقاء الاتفاق ساري المفعول، فبفضله رفعت معظم العقوبات التي فرضت عليها عقب نشاطها النووي وفاقمت وضعها الاقتصادي. فضلاً عن ذلك، حين سينتهي مفعول الاتفاق في العقد القادم، سيسمح لإيران بتوسيع برنامجها النووي، والاقتراب من السلاح النووي. أما انسحاب الولايات المتحدة فيضع علامات استفهام على هذه الفضائل.
لقد جربت إيران في المرحلة الأولى إبقاء الاتفاق على قيد الحياة، على الأقل حيال الشركاء الآخرين في أوروبا، على أمل ألا ينتخب ترامب لفترة رئاسية ثانية في 2020. لقد ارتكز هذا الجهد على استعداد الحكومات الأوروبية لاتخاذ خطوات لتجاوز العقوبات الأمريكية بل وتعويض إيران عن الأضرار الاقتصادية التي لحقت بها.
غير أن هذا الرد لم يكن كافياً. فالعقوبات الأمريكية تغلبت على خطوات المساعدة الأوروبية، والوضع الاقتصادي لإيران واصل التدهور. ونتيجة لذلك، طلبت إيران في الأشهر الأخيرة من الحكومات الأوروبية زيادة التعويض الاقتصادي الذي وعدت به، بزعمها، في أعقاب أضرار العقوبات. فضلاً عن ذلك، هددت إيران بأنه بلا هذا التعويض، فإنها ستوسع تخصيب اليورانيوم إلى المستوى الذي سبق الاتفاق.
لقد أدت هذه التهديدات بإيران لأن تعلن في 8 مايو عن الوقف الفوري لتنفيذ جزء من التزاماتها في إطار الاتفاق، وعن نيتها رفع مستوى تخصيب اليورانيوم في غضون شهرين، إذا لم تنفذ الحكومات الأوروبية وعودها بتعويضها. وأعلنت طهران بأن هذه الخطوات لا تخرق الاتفاق، ولكن واضح بأنه إذا لم ترفع مستوى تخصيب اليورانيوم، كما وعدت، فإنه لن تؤيد موقفها أي حكومة من الحكومات التي شاركت في الاتفاق.
فضلاً عن ذلك، منذ المرحلة الحالية، أعرب شركاء الاتفاق، بمن فيهم روسيا، عن تحفظهم من الخطوة الإيرانية. بل وأعلنت فرنسا بأنه إذا لم تنفذ إيران التزاماتها، فستفرض عليها عقوبات جديدة. كنتيجة لذلك، تقف إيران أمام بديلين صعبين: الأول هو أن تنفذ الاتفاق دون أن يؤخذ بمطالبها وفي وضع اقتصادي صعب؛ والآخر هو مواصلة خطواتها الضابطة، التي ستؤدي إلى انهيار الاتفاق وإعادة الارتباط بين حكومات أوروبا والولايات المتحدة وتوسيع إضافي للعقوبات، فيما تتهم إيران بالمسؤولية عن ذلك.
نظرياً، توجد إمكانية أخرى: محادثات متجددة لتحسين الاتفاق. سطحياً، واشنطن وطهران على حد سواء تبديان اهتماماً علنياً، ولكنهما تقصدان أموراً مختلفة جوهرياً. فترامب معني بمحادثات تعالج الجوانب الإشكالية التي في الاتفاق، مثل تمديد القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني وفرض قيض على برنامج صواريخ أيضاً. في مسألة الصواريخ تقترب إدارة ترامب من موقف الحكومات الأوروبية، القلقة من التحسينات في منظومة الصواريخ الإيرانية، التي تهدد أوروبا أيضاً. واضح أن إيران ترفض هذه المطالب رفضاً باتاً. وهي من جانبها مستعدة لإجراء المحادثات، شريطة أن تنضم الولايات المتحدة إلى الاتفاق مجدداً وتلغي العقوبات المتجددة وتعتذر عن أفعالها. غني عن القول أن ترامب حتى لم يفكر بذلك.
إن الضغط الأمريكي المتعاظم على إيران والاحتمال في أن ينهار الاتفاق النووي يرفعان إلى العناوين الرئيسة إمكانية المواجهة العسكرية بين إيران والولايات المتحدة. وعظّم حدثان وقعا في الأسبوعين الأخيرين من هذا التخوف: إطلاق حاملة الطائرات ابراهام لينكولن نحو الخليج ووصول قاصفات بي 52 إلى قطر ـ على حد قول الإدارة، في ضوء مؤشرات التهديد من جانب إيران، و«عملية تخريبية» ضد أربع سفن ـ منها ناقلتا نفط سعوديتان ـ في الخليج قرب شواطئ اتحاد الإمارات.
يمكن الافتراض بأن الطرفين غير معنيين بنزاع عسكري، واحتمالاته متدنية. والأمر الأخير الذي تعنى به إيران هو المواجهة مع قوة عظمى، علاقات القوى معها واضحة. أما فيؤمن بالضغوط الاقتصادية الشديدة، وليس بالخطوة العسكرية، ولكن عندما لا يجري الطرفان اتصالات فيما بينهما، ويشكان الواحد بالآخر، وأن تستخدم إيران ميليشيات شيعية للهجمات والعمليات كي تخفي دورها، فإن التدهور الذي لا يمكن التحكم به لا يكون متعذراً.