إيران بين أزمتها الاقتصادية وانتظار الانتخابات الأمريكية
احتدمت المعركة على مستقبل إيران في الآونة الأخيرة. فقد شدد الأمريكيون العقوبات على النظام الإسلامي، وعلى رأسها إلغاء الإعفاء لشراء النفط الإيراني، الإعلان عن الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، ومنع استيراد المعادن من إيران، وإلغاء الإذن الذي أعطي لإيران في إطار الاتفاق النووي لتصدير فوائض اليورانيوم المخصب إلى مستوى منخفض والمياه الثقيلة. وقد أعطي لها هذا الإذن بالمناسبة، كي تتمكن من إنتاج هذه المواد دون أن تخزنها بكميات أعلى مما هو مسموح لها في الاتفاق. كما حرك الأمريكيون القوات نحو إيران.
أما طهران فقد أعلنت بأنه إذا لم تعمل أوروبا على تلطيف حدة الآثار الاقتصادية للعقوبات الأمريكية، فإنها ستنسحب بالتدريج من كل التزاماتها في الاتفاق النووي، ويبث قادتها التهديدات للمس بالأمريكيين وبحلفائهم. ويشدد الأوروبيون رداً على ذلك بأنهم رغم تمسكهم بالاتفاق فإنه إذا توقفت إيران عن تنفيذه بكامله فسيضطرون إلى استئناف العقوبات.
وتقف روسيا والصين إلى يمين إيران، كما هو متوقع، وفي إطار ذلك تواصل الساحة الداخلية في إيران الاعتمال على خلفية الضائقة الاقتصادية، ويواصل خبراء النووي من الغرب نشر تحليلاتهم للأرشيف النووي الإيراني ويوضحون كم تقدم البرنامج النووي العسكري الإيراني حتى 2003 وكم كان عديم المسؤولية سلوك الوكالة الدولية للطاقة الذرية في سياق الاتفاق النووي (الوكالة نفسها تواصل الصمت في هذا الشأن).
إن الهدف الأعلى للنظام الإيراني هو ضمان بقائه، وإنقاذ الاتفاق النووي الذي يمنحه القدرة على أن ينتج دون عراقيل ترسانة كبيرة من السلاح النووي في غضون 11 سنة. في طهران يخشون من أن تستهدف ضغوط الإدارة الأمريكية تسريع تغيير النظام، وليس فقط منع التحول النووي الإيراني وتطلعه للهيمنة الإقليمية.
في القيادة الإيرانية يجري جدال على سبيل التصدي للضغط الأمريكي: على جدول الأعمال شد الحزام في الميزانية («اقتصاد الجهاد» على حد قول الإيرانيين)، ومحاولة الابتزاز من أوروبا، بالتهديد، تعويضاً عن الخسائر الاقتصادية المتوقعة كنتيجة للعقوبات، وردع الأمريكيين من خلال التهديدات العسكرية عليها وعلى حلفائها انطلاقاً من الافتراض بأن ترامب وأجزاء من إدارته غير معنيين بالتصعيد.
ليس مؤكداً أن التصريحات الإيرانية الأخيرة تعكس حسماً واضحاً، ويحتمل أن تكون التهديدات للغرب هي مثابة بالون اختبار، يقدر الإيرانيون بأنه يمكنهم أن يمتنعوا عن تنفيذها. ومع ذلك، فإن هذه التصريحات ترفع النظام إلى المسار لمفاقمة ضائقه: أوروبا ستضطر إلى التحرك في اتجاه التنكر للاتفاق، وستزداد فرص التصعيد.
أغلب الظن، كان الإيرانيون يفضلون الانتظار حتى نتائج الانتخابات التالية للرئاسة الأمريكية قبل أن يتخذوا القرار على أمل أن يستبدل بترامب رئيس ديمقراطي يعيد الولايات المتحدة إلى الاتفاق. ومع ذلك، يخيل أن خامينئي يعتقد أنه دون رد فوري على تشديد التهديدات ستتآكل صورة القوة للنظام بين الإيرانيين، وستعرض الضائقة الاقتصادية استقرار الحكم للخطر. ولا يزال، معقول أن تتطلع طهران للامتناع في هذه المرحلة عن الاستفزاز العسكري المباشر للولايات المتحدة، انطلاقاً من الفهم لقيود قوتها وهشاشتها أمام القدرات العسكرية الأمريكية.
يخيل أن هذه المفاهيم تقبع في أساس اتخاذ القرارات في الولايات المتحدة. فالأمريكيون يسعون لأن يخرجوا الإيرانيين عن صوابهم كي يلزموهم باتخاذ القرارات قبل حملة الانتخابات، من خلال إيقافهم أمام قرون المعضلة: التمسك بالاتفاق أو خرقه تماماً وتعريض بقاء النظام للخطر، أو الاستسلام للضغوط والموافقة على فتح الاتفاق لبحث متجدد. في هذه المرحلة يرفضون بالطبع إمكانية الاستسلام، ولكن فشل جهود الخروج من الضائقة والاضطراب المتعاظم في الداخل من شأنهما أن يلزماهم باتخاذ اتجاه آخر.
على إسرائيل أن تعزز الولايات المتحدة في مساعيها لمنع إيران من الوصول إلى سلاح نووي. عليها أن تكون جاهزة لإمكانية أن يتجه تصعيد التوتر نحوها أيضاً، فيؤدي إلى تصعيد مع مجرورات إيران الإقليمية، وعلى رأسهم حزب الله، والجهاد الإسلامي الفلسطيني وحماس.