إيرانيون يستعدون لفقدان مكتسباتهم بعد انسحاب ترامب
الآن، وبعد مضي 12 شهراً على الافتتاح، يستعد طاووسي لإغلاق محله بسبب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، الموقَّع بين الدول الكبرى وإيران قبل 3 سنوات، وهو ما عزَّز مخاوف من قرب نهاية الطفرة في أعداد السياح الأجانب، وانتكاس التحسنات الأخيرة في اقتصاد البلاد.
يقول طاووسي، الذي يعمل مصوراً فوتوغرافياً بدوام جزئي لصحيفة The Financial Times: “سأغلق المقهى الشهر المقبل، وسأغادر البلاد، إذ لا أمل يرجى من أي تحسن”.
شكواه هذه تتردّد أصداؤها في أرجاء إيران، بينما تستعد البلاد لمواجهة أوقات عصيبة أكثر، ستُقبل عليها نظراً للمتاعب التي يواجهها الاتفاق النووي. الاتفاقية هذه أصبحت أساس السياسة الاقتصادية لحكومة حسن روحاني الإصلاحية.
السياحة ستكون الأكثر تأثراً
تعد أصفهان قبلةً للسياح الأجانب الزائرين لإيران، فهم يتوافدون عليها رغبة في مشاهدة ساحة “نقش جهان”، التي أدرجتها اليونسكو ضمن مواقع التراث العالمي، كما يأتون أيضاً لتأمل مجموعة من المساجد والمباني العريقة، التي تعكس عظمة ماضي إمبراطورية فارس.
وكانت المدينة من بين أكبر المستفيدين من الاتفاق الموقَّع بين إيران و6 من دول العالم العظمى، التي من بينها الولايات المتحدة، إذ اتّفق على رفع العقوبات عن إيران، لقاء تقييد برنامج طهران النووي. وقد تضاعفت أعداد السياح الأجانب القادمين إلى المدينة أكثر من 3 أضعاف خلال العامين الماضيين، حتى وصل 400 ألف زائر العام الماضي.
وحتى قبل قرار الانسحاب، فمنذ أن أخذت إدارة ترمب تطلق التهديدات، حتى بدأت تأخذ مفعولها، فمسؤولو السياحة يتوقعون أن يتراجع عدد السياح الأجانب هذا العام بنسبة 15%، عن الذروة التي بلغها عددهم عام 2017، أما التقديرات غير الرسمية فرجَّحت أن يكون التراجع بمقدار 40%.
محافظ أصفهان، محسن مهر عليزاده، قال إن قدر المنطقة مربوط بقدر البلاد ككل، مضيفاً: “كما أن أمن أصفهان على المدى الطويل يعتمد أيضاً على أمن إيران والمنطقة”.
وأضاف مسعود نيكاين، مستشار المحافظ، أنه إلى جانب العداوة الإقليمية لإيران، فإن سياسات ترمب قد “خوّفت السياح” من أصفهان.
لكن ليست السياحة فقط التي ستتأثر
لكن التبعات السياسية لمعارضة الإدارة الأميركية لاتفاق إيران النووي تتعدّى حدود أصفهان والسياحة.
فأكبر الإنجازات الاقتصادية الكلية لحكومة روحاني معرَّضة للتهديد، بدليل تهاوي قيمة العملة. بعد فترة استقرار نسبية تهاوَى الريال قُبيل إعلان ترمب لمصير الاتفاق الإيراني، فخسرت العملةُ ثلث قيمتها في السوق السوداء أمام الدولار، هذا العام وحده، وبالمقارنة مع عام 2015، غداة توقيع الاتفاق النووي، نجد أن الريال الإيراني خسر نصف قيمته.
من شأن هذا التراجع أن يُهدِّد واحداً من مفاخر حكومة إيران، ألا وهو ترويضها للتضخم الذي انخفض من أكثر من 40% في العام الواحد عندما تسلم روحاني الرئاسة عام 2013، إلى أقل من 10%. لكن اليوم تعود الأسعار لترتفع من جديد، مشكّلةً ضغطاً، فيما ترتفع كلفة الواردات نظراً لضعف الريال.
كذلك تؤكد حكومة روحاني إنجازها في إعادة النمو إلى إيران، فحسب الأرقام الرسمية كان اقتصاد البلاد قد انكمش بمقدار 7% عام 2012، الذي شهد فرض العقوبات على إيران، بيد أن الاقتصاد عاود الانتعاش بعد توقيع الاتفاق لينمو بمقدار 12.5% عام 2016، وبمقدار %4.6 العام الماضي.
أما الوسط التجاري فغير مقتنع البتة بتلك الأرقام التي يرى الكثيرون أنها تعكس تدفق عائدات البترول، بفضل رفع العقوبات، وأنها ليست تقدماً اقتصادياً حقيقياً.
غير أن أي تقدم أحرزته البلاد ما زال مهدداً بضربة قاصمة، إن تم حلّ الاتفاق النووي بشكل نهائي، مثلما يبدو في أصفهان.
والإيرانيون خائفون على مدخراتهم
وحتى قبل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، بدأ بعض الإيرانيين سحب مدخراتهم، وهو ما فرض ضغوطاً على النظام المصرفي، الذي يعاني بالفعل من القروض المتعثرة وسنوات العزلة.
وقال مسؤول في بنك ملي، أكبر بنك إيراني مملوك للدولة، لرويترز، إن المدّخرات انخفضت بمقدار لم يحدده. وقال مسؤول كبير في البنك المركزي الإيراني، إن الأوضاع داخل النظام المصرفي تدهورت في السنة الأخيرة “ولم نتجاوز مرحلة الخطر بعد”. لكنه أضاف أن البنك المركزي لديه “كل الإجراءات جاهزة لمنع حدوث أي أزمة”.
ونشر صحفي إيراني تغريدة ذكر فيها كيف أن قيمة صرف الدولار زادت بنسبة 14.5% خلال الأيام الثلاثة الماضية، وهى أدنى قيمة للريال الإيرانى مقابل الدولار فى تاريخ إيران.
الزراعة والصناعات الصغيرة تتراجع
في الوقت الحاضر، تعمل معظم الصناعات الصغيرة والمتوسطة في إقليم المحافظة بوتيرة أقل بكثير من طاقتها وقدرتها، فالكثير من المتاجر والصناعات خفضت حجم عملياتها أثناء المرحلة الأكثر إيلاماً من برنامج العقوبات، التي امتدت من 2011 إلى 2015، وما زال تعافيها الكامل في الانتظار.
في هذه الأثناء تضاءلت بساتين الإقليم من 200 ألف هكتار إلى 90 ألف هكتار خلال العقد الفائت، نظراً لشح المياه، وفق ما قاله مصطفى حاجه فوروش، الخبير الزراعي الكبير، الذي أضاف أن الاستثمارات في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية في تراجع، ورداً على ذلك نظَّم الفلاحون والمزارعون احتجاجات متكررة وعنيفة أحياناً.
يقول عبدالوهاب سهلابادي، رئيس غرفة تجارة أصفهان، إن هذه المشكلات لا تُعزِّز سوى ضرورة المضي قدماً وبكل إصرار في تطوير السياحة، ما سيتطلّب المزيد من الاستثمار.
وقال: “فحتى لو توفّر الماء وخرجت البلاد من أزمة ركودها، فإن صناعاتنا في أحسن الأحوال لا تفي سوى بربع احتياجاتنا لفرص العمل. لا خيار أمام أصفهان سوى خوض عملية تحول والتركيز على قطاع السياحة”.
لكنَّ تحولاً كهذا سيكون صعباً في أحسن الأوقات، وأصعب بكثير عندما تتعمق عزلة إيران الدولية، بسبب تفكيك الاتفاق النووي.
والحكومة عاجزة
لا تملك الحكومة المركزية أن تقدِّم الكثير من المساعدة، لا لأصفهان ولا لغيرها، فلا تمويل كافياً لديها لتحل مشكلة بطالة الشباب في البلاد، والبالغة نحو 25%، فضلاً عن العوز المخيف الذي يحيق بالبنية التحتية. فبدلاً من ذلك عليها إنفاق نحو 90% من ميزانيتها على النفقات اليومية كمدفوعات رواتب الموظفين والمتقاعدين، وتعويضات الخفض في الدعم الحكومي لأسعار الطاقة.
ولا يمكن ردم الهوة عبر استدانة الأموال دولياً، فالاستدانة من كبرى البنوك الأجنبية ضرب من المستحيل، بسبب العقوبات الأميركية المستمرة.
مع ذلك يظلّ بعض التجار وأرباب الصناعات المحلية متمسكين بالأمل، كمسعود صرامي، أكبر وأشهر رجال الأعمال في أصفهان.
وقال صرامي “نحاول إدخال السعادة على 3 آلاف شخص كل ليلة، بإقامة حفلات موسيقية في المول، مجمعنا التجاري” فصرامي يملك مولَيْن تجاريين اثنين، يؤمّهما الشباب، ويتوافد عليهما 80 ألف زائر أيام الجُمع.
وختم صرامي بقوله: “ببعض الحكمة والإدارة الحكيمة، قد يكون مستقبلنا واعداً”.
حتى الرئيس الإيراني مهدد
ويسهم غياب الثقة في زيادة المشكلات الأوسع نطاقاً، التي تُهدد الرئيسَ الإيراني حسن روحاني في خلافه مع المؤسسة الدينية، خاصة بعد أن شحَّت الاستثمارات، مع فرض البنوك حداً أقصى للإقراض، بينما يتباطأ النمو، ويبلغ معدل البطالة مستوى قياسياً مرتفعاً، مما يعرِّض روحاني لانتقادات متزايدة من المتشددين.
وقال مينا عبدالصالحي، وهو معلم متقاعد في طهران “أنا قلق من نشوب حرب. لقد حوَّلت جميع مدخراتي إلى عملات ذهبية، يمكنني تسييلها بسهولة إذا حدث أي شيء”.
وفقد الريال الإيراني ما يقرب من نصف قيمته خلال ستة شهور، حتى أبريل/نيسان، ترقباً لتبنّي الولايات المتحدة موقفاً أكثر صرامة، مما اضطر طهران لفرض حظر على تداول العملات الأجنبية محلياً، وفرض سقف لحيازات العملة الأجنبية عند 12 ألف دولار.
لكن موقعاً إلكترونياً متخصصاً في النقد الأجنبي، قال أمس الثلاثاء، إن هذا لم يمنع الإيرانيين من محاولة شراء العملة الصعبة، مما أدى لمزيد من الانخفاض في سعر الريال. وقال مسؤول مصرفي إيراني، إن الإيرانيين يسحبون أموالهم. وأضاف “خشية الحرب وفرض المزيد من العقوبات، سَحَبَ الكثير من الإيرانيين نقودهم من البنوك”.