إمبراطورية موردوخ في مأزق
الصعود الصاروخي لليمين المتشدد في أمريكا وأوروبا وأستراليا في السنوات الأخيرة تقف وراءه إمبراطورية إعلامية ديناصورية تقف الآن في مفترق طرق مع قرب نهاية مؤسسها روبرت موردوخ والسؤال من يخلفه؟ لاكلان الذي يشبهه أم جيمس المختلف عنه؟ هذا هو محور التحقيق الصحفي الماراثوني الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الجمعة 5 أبريل\نيسان 2019.
التحقيق الذي استغرق 6 أشهر في ثلاث قارات وشمل أكثر من 150 مقابلة يصف كيف حول موردوخ وأبناؤه المتصارعون إمبراطوريتهم الإعلامية إلى آلات تأثير سياسية لصالح اليمين ساهمت في زعزعة ديمقراطيات عريقة في أمريكا الشمالية وأوروبا وأستراليا.
ساعدوا ترامب ليصبح رئيساً
وفي هذا السياق جاءت أبرز النقاط التي توصل إليها تحقيق نيويورك تايمز بشأن عائلة موردوخ ودورها في الموجة السياسية من اليمين غير الليبرالي التي اجتاحت الكرة الأرضية في السنوات الأخيرة.
وأضاف التقرير أن إمبراطورية موردوخ الإعلامية قامت بالترويج لسياسات اليمين المتطرف وغذت الخطاب الشعبوي حول العالم في السنوات الأخيرة.
وفي الولايات المتحدة، طبقاً للتقرير، كانت شبكة فوكس الإخبارية تعمل كقاطرة دعائية للحزب الجمهوري على مدى سنوات طويلة ولكنها عملت مؤخراً على توسيع الثورة القومجية للحزب مضيفة زخماً لصعود اليمين المتطرف ومن ثم انتخاب دونالد ترامب رئيساً.
وتجلى ذلك التدخل السياسي أثناء حملة ترامب الانتخابية عام 2016، فعلى سبيل المثال نصح مقدم البرامج بفوكس نيوز شين هانيتي محامي ترامب السابق مايكل كوهين أن يكون حذراً ويسعى لإسكات صديقات ترامب السابقات أو موظفات لديه يمكن أن يكشفن عن علاقاته معهن، صحيح أن هانيتي لم يعترف أبداً بتوجيه النصيحة ولكن كوهين تعرض للحكم بالسجن 3 سنوات لدفعه أموالاً لامرأتين كي تلتزما الصمت حيال علاقتهما مع ترامب.
هندسوا البريكست في بريطانيا
ونعبر الأطلسي إلى المملكة المتحدة، حيث صحيفة ذا صن البريطانية والتي يملكها موردوخ، فيسلط تقرير نيويورك تايمز الضوء على دورها في البريكست، «قضت (ذا صن) سنوات تعمل على شيطنة الاتحاد الأوروبي في أعين قرائها في بريطانيا حيث قادت حملة البريكست التي أقنعت أغلبية بسيطة من المصوتين في استفتاء عام 2016 للتصويت بنعم لمغادرة الاتحاد الأوروبي، ومنذ وقتها وبريطانيا غارقة في فوضى سياسية».
أستراليا وتغيير رئيس الوزراء المعتدل
التأثير الإعلامي لإمبراطورية موردوخ في أستراليا أكثر وضوحاً، حيث يتمتع آل موردوخ بسيطرة كبيرة على الإعلام، وقامت آلتهم بحملة ضخمة من أجل إلغاء ضريبة الكربون مما ساعد على إقصاء عدد من رؤساء الوزراء الذين لا يتفق موردوخ مع أجندتهم السياسية، وكان آخرهم مالكولم تيرنبول العام الماضي.
والسبب في ذلك التأثير الهائل هو أن أستراليا هي مقر سيطرة لاكلان (الخليفة المنتظر لوالده روبرت) الأساسي، وهو يقف، من خلال أذرعه الإعلامية، ضد محاولات مكافحة التغير المناخي، وجعل تلك القضية محوراً أساسياً في انتخاب توني أبوت رئيساً للوزراء عام 2013.
وبحسب تقرير النيويورك تايمز، غيرت عائلة موردوخ وجه السياسة الأسترالية عام 2016 عندما استولت على سكاي نيوز أستراليا وجعلتها نسخة من نموذج فوكس نيوز في الولايات المتحدة، وسرعان ما أصبح تركيز برامج القناة على مواضيع العرق والهجرة والتغير المناخي، فيما بات يعرف باسم برمجة «السماء بعد الظلام»!
العام الماضي اتهم تيرنبول (رئيس وزراء أستراليا السابق) وفريق عمله روبرت ولاكلان موردوخ باستغلال الأذرع الإعلامية التي يمتلكانها لإثارة ثورة داخل الحزب ضده حتى فقد منصبه في أغسطس 2018.
تيرنبول سياسي معتدل وعدو لدود لأبوت (الصديق المقرب لآل موردوخ) فقد منصبه لصالح القومجي سكوت موريسون (رئيس الوزراء الحالي) الذي ينتمي لليمين المتشدد. آل موردوخ بالطبع نفوا تلك الادعاءات.
الصراع داخل القبيلة
وفي وسط كل تلك الأحداث تتمركز عائلة موردوخ، أو كما وصفها التحقيق «العشيرة التي شكلت صراعاتها وتصرفاتها الشغب العالمي الذي يشهده العالم مؤخراً».
تحقيق نيويورك تايمز يكشف المستور في علاقات الأسرة وتأثير ذلك على إمبراطورية موردوخ الإعلامية، في وقت يستعد فيه موردوخ الأب ذو الـ88 ربيعاً لتسليم الراية إلى الابن الذي تتشابه قناعاته السياسية مع الأب وهو لاكلان موردوخ.
جاءت الخطوة الرئيسية في نقل السلطة من الأب المؤسس للابن في توقيت شهد تقليص جزئي للإمبراطورية الشهر الماضي عندما باع موردوخ واحدة من شركاته وهي شركة الإنتاج السينمائي تونتي فيرست سينشري فوكس إلى شركة والت ديزني مقابل 71.3 مليار دولار.
تلك الصفقة جعلت أبناء موردوخ مليارديرات من العيار الثقيل بينما أصبح لاكلان متحكماً في سلاح سياسي قوي وهو مؤسسة فوكس وفي القلب منها قناة فوكس الإخبارية.
الإخوة الأعداء
مسألة خلافة الأب كانت تمثل نقطة صراع محتدم منذ سنوات، خصوصاً بين لاكلان وأخيه جيمس، بسبب الاختلاف الكبير بينهما في التفكير والتوجهات، فجيمس يريد للشركة أن تركز أكثر على الإعلام الرقمي وأن تتخذ خطاً سياسياً أكثر اعتدالاً، أما لاكلان فيريد الانحياز للسياسات الشعبوية السائدة حالياً.
المنافسة بين الأخين كانت محتدمة طوال حياتهما والهدف خلافة الأب حيث يشعر كل منهما بأنه أكثر جاهزية للجلوس في مقعد الإمبراطور، وعندما قرر الأب ترقية لاكلان كان الخليفة المنتظر هو من أبلغ أخاه بالقرار أثناء غذاء عائلي مما أدى لمزيد من التوتر في العلاقة بينهما.
جاء رد فعل جيمس انفعالياً واستقال من الشركة لكنه عدل عن استقالته بعد الوصول لحل وسط تمت صياغته بعناية جعل لاكلان في موقع المسؤولية فيما تم حفظ ماء وجه جيمس بعدم نفي التكهنات بأنه سيكون الخليفة بعد الأب.
كادت كل خطط الخلافة وأيضاً صفقة ديزني الضخمة أن تذهب أدراج الرياح عندما سقط موردوخ وكسر عموده الفقري على يخت العام الماضي، وتم نقله للمستشفى في حالة خطيرة لدرجة أن زوجته الحالية عارضة الأزياء جيري هول اتصلت بأبنائه الأربعة كي يأتوا لوداعه!
صحيح أن موردوخ نجا من الموت لكن الحادثة نفسها ألقت الضوء على عدم الاستقرار داخل الأسرة وفي قلب الإمبراطورية الإعلامية الأقوى تأثيراً في العالم.
من هو جيمس موردوخ وماذا يريد؟
جيمس يريد أن يعيد التوازن في التغطية للإمبراطورية الإعلامية، لاقتناعه أن التحيز الحزبي والأيديولوجي (فوكس الإخبارية كبوق إعلامي للحزب الجمهوري في أمريكا على سبيل المثال وتغذية الفكر اليميني والقومي المتطرف والترويج ضد الهجرة في أوروبا وأستراليا وأمريكا الشمالية كمثال آخر) يضر الإمبراطورية على المدى الطويل ويهدد بتقويضها في نهاية الأمر. هذه الاقتناع نابع من تجربته الشخصية عندما سعت عائلة موردوخ لشراء شبكة سكاي البريطانية أكثر من مرة، وفشلت مؤخراً بصورة مهينة، فبعد أشهر من المراجعة قام بها المحققون البريطانيون أصدرت الحكومة البريطانية بياناً توبيخياً عنيفاً ضد آل موردوخ العام الماضي، لم يتوقف عند رفض عرض شراء سكاي بل حظر على أي فرد من عائلة موردوخ أن يتولى منصباً في سكاي ولا حتى في مجلس الإدارة.
هذا الموقف المهين أقنع جيمس أن إمبراطورية والده الإعلامية لا يمكن أن تنجو من التبعات المدمرة لسياساتها الإعلامية المنحازة.
عندما أراد جيمس أن يصدر بياناً يطمئن فيه العاملين المسلمين لدى الإمبراطورية بعد أن أصدر ترامب منع السفر عام 2017، عارض لاكلان الخطوة بشكل صارم. هذا الموقف يكشف بوضوح عن القناعات السياسية لكل منهما فجيمس أكثر اعتدالاً بينما لاكلان يميني بامتياز.
المثال الآخر على الاختلاف الجذري في الشخصية والتفكير بين جيمس ولاكلان تم رصده في صفقة بيع شركة فوكس للإنتاج السينمائي لديزني، فجيمس كان متحمساً جداً للصفقة، بينما لاكلان كان رافضاً لها بشكل قاطع ويقال إنه هدد والده صراحة أنه سيقاطعه للأبد لو تمت الصفقة (لاكلان نفى هذا التهديد)، ولكن الصفقة تمت بالفعل الشهر الماضي فيما يعد انتصاراً لجيمس.