إلى اليسار الإسرائيلي: الاحتلال والأبرتهايد تهديد وجودي يبطل سلطة القانون
لو أن نتنياهو تعهد بإخلاء مئات آلاف المستوطنين من الضفة الغربية، وتقسيم القدس والتوقيع على اتفاق لإقامة دولة فلسطينية، هل كنت سأوافق على اقتراحه؟ هل سأوافق على منحه الحصانة من أجل أن يتمكن من استكمال تدمير مشروع الاستيطان وإنهاء الاحتلال وحل نظام الابرتهايد؟ معضلة صعبة جداً.
وبحسب صحيفة “هآرتس” العبرية، ما هو الأكثر أهمية لبقاء إسرائيل دولة ديمقراطية وأخلاقية: الحفاظ على مبدأ المساواة أمام القانون وتفوق سلطة القانون أو وقف الظلم الأخلاقي الفظيع وغباء الدولة الرهيب الكامن في الاحتلال والابتهاج؟
حسب الموقف الموحد الذي تعرضه كل جبهة اليسار والمقاومة لنتنياهو، فإن سلطة القانون أهم من السياسة التي ينوي رئيس الحكومة تطبيقها. هذا موقف يعطي لسلطة القانون تفوقاً مطلقاً دون صلة بمسألة أي سياسة سيتم إحباطها عندما تطبق على رئيس حكومة في منصبه. وهذا موقف مريح لليسار في الظروف الحالية التي يتساوق فيها، بالصدفة، التصميم على تطبيق سلطة القانون على نتنياهو ومحاكمته مع إمكانية سياسية بوقف أو تعويق تطبيق سياسته الفاشية. ولكن، هل هذا موقف سليم؟
إضافة إلى ادعاء نتنياهو التآمري، الذي يقول إن الأمر يتعلق بمحاولة انقلاب ضده، هو أيضاً يطرح ادعاء جوهرياً: السياسة التي يريد اتباعها، والتي حسب قوله فقط هو الذي يستطيع تنفيذها بصورة أفضل من أي شخص آخر بفضل تجربته ومؤهلاته: الضم، ومحاربة إيران، وتعزيز المستوطنات، وعقد السلام والاتفاقات مع دول عربية معتدلة، وحلف دفاع مع الولايات المتحدة. كل هذه مهمة بدرجة لا تقدر لحصانة ومستقبل إسرائيل من تقديمه للمحاكمة بتهمة تلقي الرشوة والتحايل وخيانة الأمانة.
هذا موقف لا يوافق عليه معارضو نتنياهو، ويبدو أن هذا من دون أي صلة بمعارضتهم لكل سياسته أو جزء كبير منها، بل من خلال موقف مبدئي يقول إن اعتبارات جدوى وطنية وتاريخية ليس لها أي أهمية في عملية محاكمة رئيس الحكومة. ولكن هل يتساوق اليسار ومن يعارضون نتنياهو من الوسط ومن اليمين – يئير لبيد وموشيه يعلون وغيرهما – مع أنفسهم في هذا الموقف؟ هل هذه أيديولوجيا؟ هل هم حقاً غير مستعدين للتنازل عن أسبقية سلطة القانون دائماً، ولا يهم ما الظروف؟
بالنسبة لمعارضي الاحتلال الابرتهايد المتشددين على الأقل، يبدو أن هذه مسألة ثاقبة لا أعرف الإجابة عليها. جرائم الاحتلال والابرتهايد كبيرة بدرجة لا تقدر من الجرائم المتهم فيها نتنياهو. ولكن ليس طبيعة الاتهامات الموجهة إليه هي مدار النقاش الآن، بل مبدأ المساواة أمام القانون وتفوق سلطة القانون. يمكن القول إن سلطة القانون هي شرط ضروري لوجود نظام ديمقراطي. وبنفس المعيار، يمكن القول إن تصفية الاحتلال والابرتهايد شرطان ضروريان، ليس فقط لقيام نظام ديمقراطي، بل لقيام دولة يهودية (إذا تم اعتباركم مع الصهاينة، لأن هذا مهم بالنسبة لهم).
إذاً، ما هو الأهم؟ المتملقون فقط هم الذين سيصممون على أن سلطة القانون هي أهم من أي شيء آخر دائماً. هذا غير صحيح. هذا موضوع نسبي مرتبط بالظروف. الحالة الساطعة: من الواضح أنه إذا أطلقت إيران في الغد آلاف الصواريخ على إسرائيل فلا أحد سيطالب بأن تستمر إجراءات تقديم نتنياهو للمحاكمة من دون تأخير. تهديد وجودي يبطل سلطة القانون. أليس الاحتلال والابرتهايد تهديداً وجودياً؟