إلى أي مدى تلتقي مصلحة إسرائيل وحماس في منع التدهور بقطاع غزة؟
هجمة الصواريخ المنفلتة مساء أمس على بلدات النقب الغربي وغلاف غزة حشرت إسرائيل في زاوية غير مريحة في توقيت غير مريح. بخلاف رغبتها المعلنة في التهدئة في الجنوب، تضطر للعمل، ولكنه لا يزال انطلاقاً من نية واضحة في عدم تحطيم القواعد والانجرار إلى تصعيد واسع عشية الانتخابات.
وبحسب صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية، كان الجهاد الإسلامي هذه المرة أيضاً هو المسؤول عن الفوضى. بالضبط مثلما في كل المرات السابقة في آخر السنة ونصف السنة الأخيرتين، يحاول التنظيم عرقلة كل محاولة للتقدم بين الطرفين. لا يهم إذا كان الأمر ينبع من خصومة داخلية مع حماس، إلى منع النزعة الفوضوية الطبيعية للتنظيم، أم من تعليمات أسياده في إيران، فالنتيجة واحدة: الجهاد الإسلامي في هذه اللحظة هو مصدر كل الشر في غزة.
من اعتقد أن تصفية بهاء أبو العطا سيهدئ التنظيم، خاب ظنه في الأيام الأخيرة، فقد ظهر أن خلفاءه عصبيون وقحون بقدر لا يقل عنه. رغم مساعي التهدئة العلنية لمصر، واصل التنظيم محاولات العمليات. في الأسبوع الماضي صفيت خلية مخربين أولى على الجدار في جنوب القطاع، وفجر أمس صفيت خلية ثانية حين حاولت زرع عبوة ناسفة شديدة الانفجار.
لقد كانت نار الصواريخ أمس رداً على هذه الأحداث. رسمياً، يدعي الجهاد بأنه رد “الإهانة” في أعقاب جمع الجيش الإسرائيلي لجثة أحد المخربين. وبخلاف ما زعم، ليست هذه سياسة إسرائيلية جديدة؛ فمنذ عشرات السنين والجيش الإسرائيلي يأخذ جثث المخربين من البلدان لأغراض المفاوضات المستقبلية على تبادل الأسرى والجثث. كان الاختلاف أمس أن الصراعات التي بين قوات الجيش الإسرائيلي والفلسطينيين الذين حاولوا منع أخذ الجثث، صورت وبثت. وكان سهلاً على أساسها تهييج النفوس في الجهاد الإسلامي واستفزاز رجاله بالبحث عن الثأر.
لم يكن واضحاً ما إذا كانت النار أطلقت بخلاف رأي حماس أم في ظل غض نظرها. بعد تصفية بهاء أبو العطا سمحت حماس للجهاد الإسلامي بإطلاق النار والرد، ولكنها امتنعت عن الانضمام. وفي نار أمس أيضاً لم تكن حماس جزءاً من إطلاق الصواريخ إلى الأراضي الإسرائيلية، أما سلوكها في الساعات القريبة فهو ما سيقرر وجه الأمور لاحقاً. إذا بقيت خارج القتال، ستنطفئ النار بسرعة.
سيكون هذا متعلقاً بقدر كبير بشكل الرد الإسرائيلي. ليس لأحد في إسرائيل رغبة في الانجرار إلى حملة واسعة ليس واضحاً مستقبلها عشية الانتخابات، ولكن بالمقابل، لا يمكن ترك أحداث أمس بلا رد: ليس بسبب الانتخابات فقط، بل قبل كل شيء لصالح الردع الذي يتبين بأن الجيش الإسرائيلي يستصعب الحفاظ على الردع مدى الزمن حيال الجهاد الإسلامي.
من هنا، فإن السؤال لم يكن إذا كانت إسرائيل سترد، بل كيف، وبالأساس كم. نعم، سيكون الهدف هو الجهاد الإسلامي، ولكن المعضلة التي في المشاورات الأمنية هي ما إذا كان ينبغي ضم حماس ضمن الأهداف بصفتها مسؤولية عما يجري في القطاع أم إبقاؤها في الخارج لعدم جرها إلى القتال بخلاف إرادتها. ولما كانت المصلحة الإسرائيلية الأساسية ولا تزال تحقيق الهدوء في القطاع والامتناع عن تصعيد واسع، فمعقول أن تبذل جهود علنية وسرية لمحاولة إنهاء الحدث بالسرعة الممكنة مع حماس، وإن كان الأمر سيتأثر أيضاً بطبيعة الأهداف التي ستضرب، وعدد المصابين في القطاع.
يمكن التقدير بأن حماس ستكون معنية بذلك، لأن إرادتها المعلنة هي التهدئة. في الأيام الأخيرة تلقت المنظمة سلة امتيازات، وهذا الأسبوع ستتلقى حقنة إضافية من المال القطري. أما التصعيد الآن فمعناه التوقف المتجدد للامتيازات. وضمنياً، تدهور الوضع في القطاع، وهو النقيض التام لمصلحة حماس.
المصريون هم من سيكونون مدعوين كالعادة لتهدئة الخواطر، وكذا رجال الأمم المتحدة في القطاع، وربما بدأوا الاتصالات منذ أمس. ولكن لا يمكنهم أن ينجزوا شيئاً بجدية إلا بعد أن ينهي الطرفان جولة الردود الحالية. عندها ستكون هذه تفاهمات محدودة الضمان. فالأصبع الغزي رشيق جداً على الزناد ولن يتردد في الضغط عليه مرة أخرى في المستقبل القريب.