إلهان عمر ورشيدة طليب في مواجهة انتقادات اليمين الأمريكي
حظيت العضوتان المسلمتان في مجلس النواب الأمريكي رشيدة طليب وإلهان عمربإشادةٍ كبيرة باعتبارهما رمزين للتنوع عندما أقسمتا اليمين في الشهر الماضي كأول سيدتين مسلمتين في الكونجرس. وأثناء حلف القسم، كانت رشيدة طليب ترتدي ثوب جدتها الفلسطينية المطرز يدوياً، أما إلهان عمر فكانت ترتدي الحجاب التقليدي.
وبحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية فبعد أربعة أسابيع، تسببت آراؤهما المعادية لإسرائيل في جعلهما أكثر أعضاء الحزب الديمقراطي تعرضاً للهجوم في مجلس النواب الأمريكي الذي يحظى الحزب فيه بالأغلبية. فبشكلٍ شبه يومي، يتهم الجمهوريون رشيدة طليب وإلهان عمر بمعاداة السامية والتعصب، على أمل جعلهما نسخةً من النائب الجمهوري المتهم بالعنصرية ستيف كينغ، في محاولةٍ منهم لوسم الحزب الديمقراطي بكامله بانتقاد الدولة اليهودية.
وبينما يدافع القادة الديمقراطيون عنهما علناً، فإنَّ بعض الزملاء الديمقراطيين يشعرون بعدم الارتياح. إذ قال النائب الديمقراطي تيد دويتش، وهو نائب ديمقراطي عن ولاية فلوريدا ومؤسس فرقة عمل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لمكافحة معاداة السامية، إنَّ بعض تعليقاتهما «تقع ضمن سلسلةٍ طويلة من تصريحات معاداة السامية». وعندما عُينت إلهان عمر في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، قال لها رئيسها، النائب إليوت إنجل عن ولاية نيويورك، سراً إنَّه لن يسمح لها بإلقاء بعض ملاحظاتها «المؤذية» وتضمينها في خطاباتها، بحسب الصحيفة الأمريكية.
صراع بين الحرس القديم والجديد في الحزب الديموقراطي
لقد كشف الصراع بشأن رشيدة طليب وإلهان عمر عن انقسامٍ متنام بين الأجيال داخل الحزب الديمقراطي، حيث هناك منافسةٌ بين الحرس القديم الراسخ من المؤيدين لإسرائيل ضد الجناح الصاعد من الليبراليين الشباب، بمن فيهم العديد من الشباب اليهود الراغبين في اتهام الحكومة الإسرائيلية بانتهاكات حقوق الإنسان والمطالبة بالتقدم نحو إقامة دولة فلسطينية.
بالنسبة للحزب الديمقراطي، الذي كان المأوى السياسي لمعظم اليهود لفتراتٍ طويلة، فإنَّ المخاطر واضحة ومرئية عبر المحيط الأطلسي. ففي أوروبا، تميل الأحزاب اليسارية إلى مغازلة الناخبين المسلمين من خلال اتخاذ المواقف المعادية لإسرائيل، في حين أنَّ اليمين الشعبوي يتودد لليهود ويقوّي علاقاته بحكومة إسرائيل اليمينية. وفي بريطانيا، يواجه زعيم حزب العمل اتهاماتٍ بمعاداة السامية، مما جعل اليهود البريطانيين يتظاهرون في شوارع لندن.
يحاول ترامب والجمهوريون أن يجدوا نفس الخلافات بين الديمقراطيين. وفي الأسبوع المقبل، من المتوقع أن يقر مجلس الشيوخ بسهولة تشريعاً يهدف إلى كبح حركة مقاطعة إسرائيل، وخنق الأصوات الديمقراطية الجديدة مثل رشيدة طليب وإلهان عمر اللتين تدعمان هذه الحركة. سيسمح مشروع القانون لحكومات الولايات والحكومات المحلية بقطع العلاقات مع الشركات التي تدعم أو تشارك في حركة مقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد إسرائيل، المعروفة باسم حركة B.D.S، والتي تهدف من بين أشياء أخرى إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء احتلال الضفة الغربية، وهذه الحركة تحظى بدعم بعض الذين يدافعون عن إقامة دولة واحدة لها حقوق متساوية للجميع، بدلاً من دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، بحسب الصحيفة الأمريكية.
يجادل مؤيدو حركة B.D.S، بما في ذلك رشيدة طليب وإلهان عمر، بأنَّ المقاطعة الاقتصادية محمية بالحقوق الدستورية لحرية التعبير. في حين يصر المعارضون على أنَّ الهدف الحقيقي للحركة هو تدمير إسرائيل كدولة يهودية. ومن المتوقع أن يفشل مشروع قانون مجلس الشيوخ الذي يحظى بدعمٍ ديمقراطيٍ كبير في مجلس النواب، حيث وصفه النائب حكيم جيفريز رئيس كتلة الديمقراطيين بأنَّه «حيلة سياسية».
لكنَّ النقاش حول الأمر تجاوز السياسة، فهو ينم عن تقاطعٍ غير مريح بين العرق والجنس والدين في مبنى الكونغرس، الذي تغير بشدة بشكلٍ كبير بالتزامن مع وصول مجموعة من الأعضاء الجدد الشباب المتنوعين بشكلٍ غير عادي. ويتهم حلفاء رشيدة طليب وإلهان عمر الجمهوريين بالبلطجة والتعصب، ويقولون إنَّ الجمهوريين يبحثون عن نسخة ديمقراطية من النائب الجمهوري العنصري ستيف كينغ، وهو جمهوري من ولاية آيوا، انتقده مجلس النواب مؤخراً لاعتناقه فكرة تفوق الجنس الأبيض، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقال يوسف منير، المدير التنفيذي للحملة الأمريكية من أجل حقوق الفلسطينيين: «أرى أنَّ هذا هجوم ناتج عن الإسلاموفوبيا ضد نائبتين تثيران قضايا حاسمة وتقفان بجرأة لدعمها». وقال إنَّ نقاد رشيدة طليب وإلهان عمر أخفقوا في إدراك أنَّ «فلسطين أصبحت بشكل متزايد جزءاً من السياسات التقدمية التي تنادي بالعدالة للجميع».
رشيدة طليب في قلب العاصفة
وتتعرض كلتا المرأتين للانتقادات الشديدة بسبب تعليقاتهما على تويتر، وفي حالة رشيدة طليب على وجه الخصوص بسبب ارتباطها بالنشطاء الحقوقيين الفلسطينيين الذين استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي إما للتعبير عن وجهات نظر متطرفة أو تبادلها، مثل مساواة الصهيونية بالنازية. ورفضت النائبتان إجراء المقابلات معهما، وبدلاً من ذلك أرسلتا بياناتٍ مكتوبة أعربتا فيها عن التزامهما بمكافحة الكراهية من أي نوع أثناء دفاعهما عن المظلومين.
وكتبت رشيدة طليب، مدافعةً عن المقاطعة الاقتصادية بأنَّها سلمية ومحمية بالدستور: «هذا الاحترام لحرية التعبير لا يساوي معاداة السامية. أحلم أن تعيش جدتي الفلسطينية في يوم من الأيام بحقوق متساوية وكرامة إنسانية، ولن أسمح أبداً بأن يُلطخ هذا الحلم بأي شكل من أشكال الكراهية».
أمَّا إلهان عمر فسعت إلى قلب الطاولة على الجمهوريين، وكتبت: «خاصةً في وقتٍ يتزايد فيه عنف العنصريين المؤمنين بتفوق الجنس الأبيض، نحتاج جميعاً إلى إدانة الكراهية ضد أي جماعة دينية، وهو أمرٌ فشل الرئيس الحالي في القيام به».
ويحذر المدافعون عن السيدتين من أنَّ منتقديهما يثيرون مسألةً خطيرة من خلال الخلط بين معاداة الصهيونية والعداء لإسرائيل كدولة يهودية مع معاداة السامية والعداء تجاه اليهود، وهو اتجاه قال جيريمي بن عامي، رئيس منظمة J Street، وهي مجموعة ليبرالية داعمة لليهود، إنَّه «مزعج». لم تدعم المنظمة إلهان عمر، وألغت دعمها لرشيدة طليب بعد أن رفضت أن تدعم علانيةً حل الدولتين، ووجود إسرائيل والدولة الفلسطينية جنباً إلى جنب.
ومع ذلك، قال بن عامي إنَّ النائبتين «تفتحان نقاشاً مطلوباً تماماً عن السياسة الأمريكية»، وتساعدان في جذب الحزب الديمقراطي أكثر نحو الرأي الذي تتبناه المنظمة و»اليهود الليبراليون الأصغر سناً»، الذين يعتقدون أنَّه «يمكنك أن تكون متعاطفاً مع إسرائيل وتتعاطف أيضاً مع محنة الشعب الفلسطيني».
وصنعت كلٌ من رشيدة طليب وإلهان عمر التاريخ بدخولهما الكونغرس. وتعد رشيدة طليب (42 عاماً) أول امرأة فلسطينية أمريكية في المجلس، وجدتها تعيش في الضفة الغربية. من ناحية أخرى، فرت إلهان عمر (36 عاماً) من الصومال التي مزقتها الحرب مع أسرتها عندما كانت طفلة، وهي أول مُشرِّعة صومالية أمريكية في الكونغرس. وقد غير الديمقراطيون في مجلس النواب قاعدة عمرها 181 عاماً تمنع ارتداء غطاء الرأس للسماح لها بارتداء الحجاب.
هاتان العضوتان ليستا الوحيدتين من الحزب الديمقراطي اللتين تُعبران عن دعمهما لحقوق الفلسطينيين. فعلى صعيدٍ منفصل، جمعت النائبة بيتي مكولوم، الديمقراطية عن ولاية مينيسوتا، أصوات 31 عضواً مشاركاً لرعاية مشروع قانون يمنع أموال دافعي الضرائب من الذهاب إلى إسرائيل التي تعتقل الأطفال الفلسطينيين، بحسب الصحيفة الأمريكية.
موقفهما من حل القضية الفلسطينية
وقالت رشيدة، وهي محامية ومشرعة سابقة في الولاية، خلال حملتها الانتخابيةإنَّها ستصوت «بشكل مطلق» ضد المساعدات العسكرية لإسرائيل. وقالت أيضاً إنَّها ستكون منفتحة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي سيخلق دولةً واحدة تشمل إسرائيل داخل حدودها لعام 1948 والضفة الغربية وربما قطاع غزة تحت حكومة ديمقراطية واحدة، وهو موقف يخشى البعض أن يؤدي إلى تآكل إسرائيل كوطن يهودي.
وتعتقد النائبة أنَّ الحل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني «يجب أن يعود إلى المواطنين الذين يعيشون هناك، وليس للأمريكيين»، وفقاً لمكتبها.
أمَّا إلهان عمر، معلمة التغذية والمشرعة السابقة في الولاية، فتدعم حل الدولتين. وكتبت في بيانها: «وبعد قول هذا، لن أعتذر أبداً عن الوقوف ضد الظلم والاضطهاد في إسرائيل أو أي مكان آخر».
عندما تناول مجلس الشيوخ مشروع قانون حظر حركة B.D.S. المقاطعة لإسرائيل في أوائل يناير/كانون الثاني، كتبت رشيدة طليب على تويتر في إشارةٍ إلى مؤيدي القانون في مجلس الشيوخ: «لقد نسوا البلد الذي يمثلونه. في الولايات المتحدة، المقاطعة هي حق وجزء من نضالنا التاريخي من أجل الحرية والمساواة. ربما يكون تحديث دستور الولايات المتحدة أمراً ضرورياً، ثم نعود إلى فتح حكومتنا بدلاً من حرماننا من حقوقنا«.
ورد السيناتور ماركو روبيو، الجمهوري عن ولاية فلوريدا والراعي الرئيسي لمشروع القانون، قائلاً: إنَّ شائعات الولاء المزدوج هي حيلة مستخدمة في معاداة السامية». وقال دويتش، رئيس اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية المعنية بالشرق الأوسط في مجلس النواب، أنَّه وجد التصريح مقلقاً، مشيراً إلى أن فكرة الولاء المزدوج، أن اليهود أكثر ولاء لإسرائيل من بلدانهم الأصلية، ترقى إلى «الممارسات المعتادة لمعاداة السامية»، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقالت رشيدة إنَّ تعليقاتها لم تكن موجهة إلى اليهود. ويُذكر أنَّ تشريع حظر حركة B.D.S قد أشرف على كتابته عضوا مجلس الشيوخ روبيو وجو مانشين الثالث، الديمقراطي عن ولاية فرجينيا الغربية؛ وكلاهما ليسا يهوديين. لكنَّ رشيدة تواجه أيضاً انتقاداتٍ شديدة من المحافظين وبعض الجماعات اليهودية، وكذلك فيالصحافة الإسرائيلية، بسبب تعليقات ومنشورات بعض مناصريها على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو نقدٌ قالت في بيانها أنَّه غير منصف.
في إحدى هذه المنشورات، أشاد عباس حميدة، الذي يرأس جماعة حقوقية فلسطينية، بحزب الله اللبناني الذي تصنفه الولايات المتحدة منظمة إرهابية، وساوى الصهاينة بالنازيين. وقال في تدوينة له: «إسرائيل ليس لها الحق في الوجود. هذا الكيان الإرهابي غير شرعي ليس له أساس للوجود سوى أيديولوجية وهمية مثل داعش».
أما ماهر عبد القادر، وهو أحد مناصريها أيضاً ممن تبرعوا لها ونظَّموا بعض فاعلياتها، فشارك مقطع فيديو معادٍ للسامية بشكلٍ صارخ على صفحته على فيسبوك. وكان موقع The Daily Caller المحافظ هو أول من كشف علاقته برشيدة طليب. أُزيل الفيديو من صفحته على فيسبوك يوم الأربعاء 30 يناير/كانون الثاني 2019 بعد أن سألت صحيفة “نيويورك تايمز” مكتب النائبة رشيدة طليب عن ذلك، واعتذر عبد القادر يوم الخميس 31 يناير عن مشاركة هذا الفيديو.
وكتبت رشيدة: «من غير العدل أن أتحمل مسؤولية تصريحات الآخرين، خاصةً عندما توضح أفعالي -بما في ذلك التصويت كمشرعة في ميشيجان وقيادة حملة مكافحة الكراهية Take On Hate- أنني أعارض كل أشكال الكراهية وأدين أولئك الذين يجردون الآخرين من إنسانيتهم»، بحسب الصحيفة الأمريكية.
انتقادات لإلهان عمر
كما تعرضت إلهان عمر لانتقاداتٍ حادة للدفاع حتى الأسبوع الماضي عن تغريدة تعود لعام 2012 أكدت فيها أنَّ «إسرائيل قامت بتنويم العالم، فليوقظ الله الناس وليساعدهم على رؤية أفعال إسرائيل الشريرة»، وهي لهجة اعتبرها دويتش أنَّها تبدو كأنها تقول إن «اليهود يسيطرون على العالم».
أوضحت إلهان الأمر الأسبوع الماضي، ومرةً أخرى ليلة الخميس 31 يناير/كانون الثاني في برنامج The Daily Show مع تريفور نوح، قائلةً على تويتر إنَّ البيان «جاء في سياق حرب غزة»، واعترفت بأنَّه كان «عبارةً مجازية معادية للسامية استخدمتها دون قصد، وكانت مؤسفة ومهينة». لكنَّ إنجل قال إنه «كان سيكون أكثر سعادة لو كان ذلك البيان اعتذاراً».
وهذا الأسبوع، أثارت إلهان عمر الانتقاد مرة أخرى عندما قارنت إسرائيل بإيران في مقابلة مع Yahoo News، أثناء انتقادها للقانون الإسرائيلي لعام 2018 الذي خص اليهود فقط بالحق الوطني بتقرير المصير وحط من مكانة اللغة العربية. وقالت إنها عندما تسمع الأمريكيين يصفون إسرائيل كدولة ديمقراطية: «أضحك تقريباً، لأننا ننتقد مجتمعات أخرى ونفضحها كما نفعل مع إيران».
القانون مثير للجدل في إسرائيل أيضاً، لكن الذراع السياسي للجمهوريين في مجلس النواب انتقد رسالة بريدٍ إلكتروني وصلت إلى المراسلين تحمل عنوان: «الديمقراطيون يتبنون التيار المعادي للسامية». وفي الوقت نفسه، يضغط قادة الجمهوريين في مجلس النواب لإصدار قرار يدين معاداة السامية، مستشهدين بأفعال رشيدة طليب وإلهان عمر بالاسم.
وعلقت على ذلك الهجوم النائبة براميلا جايابال، الديمقراطية عن ولاية واشنطنالتي انتقدت بشدة استخدام إسرائيل للقوة ضد المتظاهرين الفلسطينيين، واصفةً الهجمات الجمهورية الشخصية المتزايدة على رشيدة طليب وإلهان عمر بأنَّها «غير مناسبة على الإطلاق» و»غير مهنية للغاية».
وأضافت: «أعتقد أن هناك الكثير من الناس في جميع أنحاء البلاد يشعرون بالانزعاج الشديد من بعض القضايا الحقيقية التي نراها في الشرق الأوسط».
يؤيد الديمقراطيون كلاً من رشيدة طليب وإلهان عمر. وقد وصفهم جيفريز، رئيس كتلة الحزب الديمقراطي، بأنهما تتمعتان «بعمق التفكير». وقال النائب ستيني هوير عن ولاية ميريلاند، وهو زعيم الأغلبية والحليف القوي لإسرائيل: «لا أعرف، إنني أستنتج أنَّ هاتين العضوتين معاديتان للسامية».
هذا في حين أعرب النقاد الديمقراطيون لرشيدة طليب وإلهان عمر عن أملهم في أنَ الوقت الذي ستقضيانه في الكونغرس يمكن أن يخفف من آرائهما. وقال إنجل: «الأمل في أن الأعضاء المنتخبين في الكونغرس ينضجون بمرور الوقت، وآمل أن يكون هذا هو الحال مع هاتين العضوتين».