إسرائيل والأبرتهايد… مقارنة خطيرة!
اصطلاح «أبرتهايد»، كوصف تشهيري لطبيعة النظام في إسرائيل، تجذر في الخطاب الذي يعنى بالمواجهة الإسرائيلية ـ الفلسطينية، مثل اصطلاح «الاحتلال» قبله، فقد اندرج «الأبرتهايد» في لغة المداولات على مستقبل السامرة ويهودا، وبات عادة، بلا جدال: إما أن تتدهور إسرائيل إلى أبرتهايد عنصري على نمط جنوب إفريقيا أو أن هذا النظام بات متبعاً فيها منذ اليوم.
هذا تشويه تام للواقع الذي ساد في جنوب إفريقيا حتى 1994، ويعزى الآن في إسرائيل، وثمة من يكافح ذلك: بنيامين بوغرند، صحافي وكاتب، يخوض كفاحاً ضد المقارنة التعيسة بين الاحتلال والأبرتهايد. وكان بوغرند شغل منصب نائب محرر الصحيفة المهمة في جنوب إفريقيا، راند ديلي ميل، التي كافحت ضد مظالم الأبرتهايد إلى أن أوقف نشرها بسبب ضغوط الحكم الأبيض. وكان من مقربي نلسون مانديلا، وزاره في السجن الذي كان حبيساً فيه على كفاحه ضد التفرقة بحق السود. فضلاً عن ذلك: فإن المنتقد الشديد والدائم للمقارنة التعيسة نال في الشهر الماضي الوسام الأعلى في جنوب إفريقيا، الذي منحه له الرئيس سيريل رامبوزا.
كصحافي، كافح بوغرند ضد النظام العنصري في وطنه: قبل سنوات هاجر إلى إسرائيل، واليوم، وهو ابن 85، يكافح ضد تشبيه إسرائيل بالأبرتهايد. وفضلاً عن مقالاته الكثيرة بالإنجليزية التي تقرأ في أرجاء العالم، نشر كتاباً من مئات الصفحات بعنوان «اجتذاب النار»، الذي يعنى بجانب حقائق المقارنة بين الاحتلال والأبرتهايد. ودون إعفاء إسرائيل من الذنب عن المظالم التي تقع بحق السكان الفلسطينيين، يدحض بوغرند بالحقائق الادعاء بفرض فصل عنصري وتفرقة مؤطرة في كل مجالات الحياة، مثلما كان متبعاً في جنوب إفريقيا. فالحواجز، الاعتقالات وغيرها من القيود، ليست أهدافاً أيديولوجية لإسرائيل، وهي ستختفي ما إن ينتهي حكمها في السامرة ويهودا.
وبالنسبة للأقلية العربية في إسرائيل، كتب بوغرند، فإن حق الانتخاب والترشيح، وتولي قاض عربي في المحكمة العليا، وعمل الأطباء العرب إلى جانب الأطباء اليهود في المستشفيات ـ واقع كهذا كان متعذراً في جنوب إفريقيا. في إسرائيل «لا توجد عنصرية مؤطرة تميز بها نظام الأبرتهايد»، يجمل القول. ومع ذلك، لدى عودته إلى البلاد في هذه الأيام، يقلق بوغرند جانبان يهددان إسرائيل بالتدهور: قانون القومية، الذي من شأنه أن يخلد العنصرية، وكذا مصادرة ممتلكات الفلسطينيين. وهو ينتظر بفارغ الصبر قرارات المحكمة العليا في هذه المواضيع.
بعد الاحتفال الذي منح فيه الوسام، تحدث بوغرند مع رئيس جنوب إفريقيا. ومن المحادثات مع مقربيه يأخذ الانطباع بأن رأي الرئيس رامبوزا ليس مرتاحاً من تردي العلاقات مع إسرائيل. ولكن هذا هو الخط الذي تتخذه وزيرة الخارجية؛ بمبادرتها خفضت جنوب إفريقيا مستوى التمثل الدبلوماسي لها في إسرائيل. كما أن هذه هي الروح التي تهب من الحزب الحاكم، «المؤتمر الوطني الإفريقي»، الذي يؤيد قطع العلاقات مع إسرائيل. إن خطوات وزيرة الخارجية، كما يعتقد بوغرند، لا تفعل سوى أن تخصم من الصوت الأخلاقي الذي كان حتى وقت أخير مضى صوت جنوب إفريقيا، الذي صدح في دول القارة وخارجها.
يجدر بنا أن نستمع إلى بنيامين بوغرند. فإن من شهد خطايا نظام الظلم، وحبس في سجون جنوب إفريقيا، على وعي شخصي بمظالم الأبرتهايد ليس صدفة أن يوصينا بالحذر!