إسرائيل لا ترغب في خوض حرب ضد إيران والأخيرة تستبعدها.. كيف سيقود ترامب العالم إلى معركة في الشرق الأوسط؟
فتحت الهجمات الأخيرة التي شنَّتها إسرائيل على مواقع إيرانية في روسيا، التنبؤات بخصوص احتمال اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط، ويبقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب المحرك الرئيسي لأي حرب قادمة في المنطقة، إذا ما رغب في الإطاحة بالنظام القائم في طهران.
وحسب صحيفة The Independent البريطانية، فإن هناك احتمالاً بأن تؤدي التهديدات العدوانية القادمة من إسرائيل إلى سوء فهم لدى الرئيس الأمريكي، كما أن قادة البلدين بقدر ما أنهم قد يكونون متلهفين لدخول الولايات المتحدة في مواجهة مع إيران، بقدر ما أنهم يفضلون الدفع بترمب وتشجيعه من بعيد، بدلاً من التورُّط في الحرب بأنفسهم.
وترى الصحيفة أن البديل الوحيد المتبقِّي لترمب هو العمل العسكري، لاسيما إن عادت إيران إلى تخصيب اليورانيوم، كما هو مرجح أن تفعل، نظراً إلى أن الولايات المتحدة خرقت الاتفاق الذي يمنعها من القيام بذلك، بانسحابها من الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015.
ويبقى الخيار الأكثر قبولاً لدى البيت الأبيض هو تغيير النظام في طهران، إذ قد يشجع ارتباط شخصيات بارزة في الإدارة كمستشار الأمن القومي جون بولتون مع جماعات المعارضة الإيرانية المنفية مثل حركة مجاهدي خلق، الأوهام المتعلقة باحتمال حدوث هذا.
إذ نجحت المعارضة العراقية في عام 2003 في تشجيع أوهام مماثلة في واشنطن ولندن عن الحالة السياسية للعراق، قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة. وقد يكون ترمب منخدعاً بشأن فرص فرض عقوبات على إيران للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، يكون بمثابة شروط استسلام تُمليها الولايات المتحدة.
وحتى إن وقع بالفعل هجوم عسكري أميركي على إيران، لكنه لن يكون على الفور، وإن حدث، فقد يكون السبب هو سوء فهم الولايات المتحدة للخيارات الحقيقية المتاحة أمامها.
ومن المحتمل أن يكون هناك سبب آخر خفي، يفسر تردد القادة في إسرائيل والسعودية قليلاً في التورط في مواجهة متصاعدة مع إيران، يمكن أن تؤدي إلى الحرب. غير أنهم سعداء لوجود إدارة في واشنطن تتناغم معهم. حيث يردد الرئيس أكثر مزاعمهم الدعائية.
ولكن يتعيَّن كذلك أن يتبادر لهم أن ترمب، على الرغم من كونه في جانبهم كلياً حالياً، متقلب المزاج ولا يمكن التنبؤ به، بل وحتى غير مستقر عقلياً، فقد يربط الرئيس الأميركي بين العزلة والتدخل العسكري.
فقد يسعى ترمب إلى إثارة أزمة مع إيران، تنأى عنها الولايات المتحدة فجأة -إذ حدث شيء من هذا القبيل للأكراد السوريين في وقت مبكر من هذا العام- أو قد يتعثر في يوم ما مع حلفائه في تل أبيب والرياض، في حرب مع إيران، بسبب الجهل المطلق والخطأ في التقدير.
إسرائيل لا تريد تكرار اللبنانية
مع تزايد الضربات الإسرائيلية داخل سوريا على مدار السنوات الأربع الماضية، تتزايد المخاوف أيضاً من أن يكون الهجوم التالي نقطةَ تحول كبير بين كل من طهران وتل أبيب. وبعد التطور الأخير الذي شهدته المنطقة، الخميس 10 مايو/أيار، اعتقد الكثيرون أن هذه الضربات ستتحول إلى معركة محتدمة ومفتوحة بين الطرفين.
وبالنظر إلى الأمر من وجهة النظر الإسرائيلية، تعتبر هذه اللحظة مناسبة تماماً لاتخاذ إجراء ضد إيران في سوريا، لأنه من غير المحتمل أن يرد الإيرانيون بطريقة جادة.
وقد تشارك إسرائيل في حرب مقبلة، ولكن ليس من مصلحتها أن تفعل ذلك. إذ إن الضربات الجوية ضد منشآت نووية إيرانية محددة يعتبر شيئاً حاسماً، لكنه قد يحدث في اليوم الأول من صراع طويل للغاية، سيقع في الغالب على الأرض.
فلدى إسرائيل تجربة سيئة في الماضي، بالانخراط في حرب لا يمكن الفوز بها في لبنان بين عامي 1982 و2000، بينما تعاني المملكة منذ عام 2015 من فشل مماثل في اليمن. بينما تتمتع إيران بميزة هنا، وتتمثل في كونها الجانب المنتصر بالفعل في الحربين في سوريا والعراق.
في لبنان، تمتلك كلٌّ من إسرائيل والولايات المتحدة والسعودية مثالاً جيداً على المستنقع الذي ستغرق فيه إن فشلت، على الرغم من الجهود الحثيثة على مدى 36 عاماً في تغيير ميزان القوى هناك ضد إيران وحليفها حزب الله.
لا يريد الإسرائيليون حرباً أكبر مع إيران. يقول أفيغدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلي “آمل أن نكون قد انتهينا من هذا الفصل، وأن الجميع فهم الرسالة”، مضيفاً أن إسرائيل لا تعتزم تصعيد الموقف.
كما أن إسرائيل لا تريد توسيع دائرة الأعداء؛ إذ إن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي كان عائداً إلى إسرائيل من موسكو، حيث كان يلتقي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حين شنَّت القوات الجوية الإسرائيلية هجمات كان الروس على علم بها مُسبقاً.
ومن الجلي أن نتنياهو أراد طمأنة بوتين بأن إسرائيل تعمل ضد إيران، ولا تحاول القيام بجهود متأخرة لتغيير نتائج الحرب الأهلية السورية، التي يبدو حتى الآن أنها ستنتهي بانتصار حليف روسيا، بشار الأسد.
إيران غير قلقة
لا شك أن العقوبات التي أعيد إحياؤها ستكون مدمِّرة للاقتصاد الإيراني، لكن إيران نجت من حصار اقتصادي أكثر فاعلية في الماضي، بينما في هذه المرة، غالباً سيُلقي الإيرانيون اللوم على تعنُّت الولايات المتحدة، بدلاً من أن يلقوا باللوم على قادتهم.
إذ إنه في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية، يرغب الإيرانيون أن يُثبتوا للعالم، ولاسيما الأوروبيين، أنهم طرف سلميٌّ موثوق به ويعول عليه في معاهدة 2015.
كما أن الحسابات الإيرانية، وبحسب الصحيفة البريطانية، حتى الآن، تتمثل في أنَّها بحاجة إلى استيعاب الضرر الناتج عن المقاتلات الإسرائيلية؛ إذ استثمر القادة الإيرانيون الكثيرَ من الأرواح والمبالغ الهائلة، لترسيخ وجودهم في أطلال سوريا، وشنُّ ردٍّ انتقامي واسع النطاق قد يُعرِّض تلك المكاسب، التي قد تُغيِّر قريباً ميزان القوة في المنطقة، للخطر.
قد لا تدوم هذه المرحلة طويلاً، وهي لا تعني أن الإيرانيين يثقون بأي شكل في أن تُبقي دول الاتحاد الأوروبي الاتفاق قائماً. ولكنهم يريدون التأكد من أن الاتحاد الأوروبي وغيره لن يتعاونوا على مضض مع الولايات المتحدة في إعادة فرض العقوبات القاسية.
لا يُظهِر الإيرانيون أي علامة على توقع قيام حرب مع الولايات المتحدة أو إسرائيل، على الأقل في المستقبل القريب، بغض النظر عن الخطاب العدواني الصادر من واشنطن وتل أبيب وطهران.
فقد قال نائب رئيس الحرس الثوري الإيراني، العميد حسين سلامي، إن أعداء إيران لا يسعَون إلى الدخول في مواجهة عسكرية. وأضاف “بل يريدون الضغط على بلدنا من خلال العزلة الاقتصادية”، وأردف قائلاً إن الأوروبيين عجزوا عن إنقاذ الاتفاق، الذي أوقفت إيران بموجبه برنامجها النووي مقابل خفض العقوبات.