إسرائيل تخرج حلم التحرر من رؤوس الفلسطينيين وتحولهم إلى “اسكتلنديي إسرائيل”
خلال عشرات السنين التي كتبتُ فيها في “هآرتس” وعبرت عن التأييد لحل الدولتين، وصفوني بـ “اليساري المتطرف”، ولقبوني بـ “الانهزامي”، بل شهّروا بي بأنني “يهودي يكره نفسه”. ومن الآن فصاعداً، حسب محرر صحيفة “هآرتس” الرئيسي التي عملت فيها 35 سنة، يتهمونني بالمسيحانية، بالضبط كعضو حياد لليساريين. هذه المرة أُهنت وبحق. المسيحانية الاستيطانية هي -حسب رأيي- تهديد وجودي للدولة. وكل ذلك لأنني تجادلت مع ألوف بن، حول اقتراحه على الفلسطينيين قبول المؤامرة المشتركة للرئيس ترامب ورئيس الحكومة نتنياهو.
“خلافاً لأسلافه، ترامب يعتبر الاحتلال حقاً تاريخياً للشعب اليهودي، لا خرقاً للقانون الدولي”، كتب ألوف بن (“هآرتس”، 5/2). أي أنه من أجل ألا يعتبر في نظره مسيحانياً، على اليسار تبني العقيدة الإفنغلستية – الأدلسونية، التي تقول إن الفلسطينيين هم “شعب مخترَع”، وليست له حقوق تاريخية. وعلى اليسار دعوة أبو مازن لشكر الله على قطعة الجبن السويسرية التي ألقاها ترامب له، وأن يقوم بدعوة شبيبة التلال في الغور إلى حفل شواء في المقاطعة، ويحضروا معهم الخروف الذي سرقوه من الرعاة الفلسطينيين. وماذا بالنسبة للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة؟ هل نسيتم بأننا نتعامل مع رئيس ورئيس حكومة يعتبر القانون بالنسبة لهما، لا سيما القانون الدولي، توصية في أفضل الحالات؟
في ظل غياب احتمال أن يتبنى الفلسطينيون خطة الضم، فإن الطريقة الوحيدة لتطبيقها هي بصورة أحادية الجانب. لإسرائيل تجربة غنية، غير ناجحة جداً، في الخطط أحادية الجانب. انظروا إلى خطة الانفصال أحادية الجانب عن غزة. “هآرتس”، بما في ذلك ألوف بن، ومعظم أصحاب الأعمدة البارزين فيها، وقفوا من وراء مبادرة اريئيل شارون التي انتهت بفوز حماس في الانتخابات والسيطرة على القطاع. “هآرتس” استمرت في تأييد الانفصال حتى بعد أن اعترف دوف فايسغلاس، الذي كان في حينه المستشار المقرب جداً من رئيس الحكومة شارون، في مقابلة مع الصحيفة بأن الخطة استهدفت رفض حل الدولتين إلى حين تحول الفلسطينيين إلى بيادق شطرنج؛ أي إلى حين قدوم المسيح.
ومن أجل منع إساءة الفهم، لا أعتقد أنه كان يجب البقاء في “غوش قطيف”، بل كان يجب إعطاء المفاتيح للسلطة الفلسطينية كسلفة على حساب الاتفاق الدائم. وعندما حذرت من أن الخروج أحادي الجانب سيفسر كهدية لجبهة الرفض الإسرائيلية والفلسطينية، أطلقت عليّ شخصية رفيعة في الصحيفة صفة “المتطفل”. ومنذ ذلك الحين، يتعرض سكان بلدات غلاف غزة للبالونات المتفجرة. والانسحاب من غزة حصل على مكانة محترمة في دعاية اليمين ضد “مسيحانية الكذب” لليسار.
ألوف بن، قال إنني أنا وأصدقائي في اليسار تم تضليلنا، وصدقنا الوهم الذي عمره 50 سنة، بأن العالم سيفرض على إسرائيل إنهاء الاحتلال. وأتذكر مقالاً لألوف بن، بعنوان “صدقوه”، كتب فيه أن أحد العوامل التي أثرت على نتنياهو من أجل التقدم نحو التسوية هو “تشديد العزلة الدولية على إسرائيل”. وقال إن نتنياهو قد توصل إلى استنتاج بأن “مفاوضات صادقة مع الفلسطينيين، لا سيما إذا رافقها التسامح الذي وعد به نتنياهو، ستبعد عن إسرائيل خطر المقاطعة والإدانة” (“هآرتس”، 18/11/2009).
صحيح أن العالم تغير، ولكن ليس إلى الأفضل. وتحديداً ليس لصالح من يسعون إلى السلام في إسرائيل والمناطق. ومثلما أشار ألوف بن، لم يكن مهماً قمع الصين لشعب التيبت. والعالم أيضاً ينظر من بعيد كيف تقوم تركيا بسحق الشعب الكردي، بل إنه يغض النظر عن احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم. فما الذي يجب أن نستنتجه من ذلك؟ يجب إدخال الفلسطينيين إلى معسكرات إعادة تعليم من أجل إخراج حلم التحرر من الاحتلال الأجنبي من رؤوسهم. ربما من الأفضل ضم جميع سكان المناطق إلى سجل الناخبين لدينا وإعطاؤهم مكانة تشبه مكانة الأسكتلنديين في بريطانيا.
التعادل الديمغرافي بين البحر والنهر يُقرب الانتصار النهائي للقومية الفلسطينية.
لم أعد أؤمن بأن الخلاص سيأتي من “العالم”، مثلما علمتنا تجربة جنوب إفريقيا. لا تكفي العقوبات والمقاطعات من أجل إنهاء نظام الأبرتهايد. لذلك، مطلوب أن يستيقظ الشعب الحاكم ويعترف بحدود القوة. وللأسف الشديد، في العقد الأخير نجح نتنياهو في إقناع الكثيرين والجيدين في أوساط الجمهور اليهودي – الإسرائيلي بأن الوضع الراهن هو الخيار الأفضل. وإذا حكمنا على الأمور حسب رسائل المعارضة الأساسية، “أزرق أبيض”، في الحملات الانتخابية الأخيرة، فلن يأتي خلاص من بني غانتس وأصدقائه.
يعتقد ألوف بن، بأن دولة مساواة بين النهر والبحر ستنهي الاحتلال الإثنوقراطي، وأن صهر الصهيونية في “إسراطين” ستنهي الحركة الوطنية الفلسطينية. أعتقد أن التعادل الديمغرافي بين البحر والنهر يُقرب الانتصار النهائي للقومية الفلسطينية. “في اللحظة التي ستتنافس فيها حماس في الانتخابات للكنيست ويقسم فيها السنوار يمين الولاء على أنغام نشيد “هتكفاه” تحت صورة ثيودور هرتسل”، يقول ألوف بن، “فسيجد صعوبة في رفع علم فلسطين بنفس التصميم المتصلب الذي يعد به الدار”. أدّعي بأن البرلمان الذي ستكون فيه أغلبية فلسطينية فإن أعضاءه سيقسمون يمين الولاء تحت صورة ياسر عرفات، وأمل الحفاظ على طابع إسرائيل اليهودي سيكون فقط من نصيب ثلة يهودية مسيحانية.
وفي الختام، سأنهي بمثل ليوسيفوس عن خصمين لدودين أبحرا في سفينة واجهت عاصفة. الذي جلس في مؤخرة السفينة سأل القبطان، أي جزء يمكن أن يغرق أولاً. وعندما سمع بأن مقدمة السفينة هي التي ستغرق أولاً، قال: “الآن، لن يغضبني الموت، لأنني سأرى من أكرهه وهو يموت قبلي”. إذاً، ربما لا يجب علينا انتظار المسيح الذي سيأتي