إسرائيل تتلاعب مع الصين وأمريكا.. سلَّمت بكين أكبر موانئها، فكيف سيرد ترامب؟
بينما يتصاعد التنافس بين الصين وأميركا ، فاجأت تل أبيب حليفتها التقليدية الولايات المتحدة بقرارها بتسليم أكبر موانئها للصين، فهل يكون لهذا القرار انعكاس على العلاقات بين إسرائيل وأميركا، وكيف ستتعامل البحرية الأميركية مع هذا الوضع الجديد؟.
هذا القرار الإسرائيلي المفاجئ كان محلَّ نقاش وجدل في مؤتمر عقده مركز أبحاث السياسات والاستراتيجيات البحرية بجامعة حيفا، في نهاية شهر أغسطس/آب 2018، ودعا إليه مشاركين من الولايات المتحدة، لتناول قضايا أمنية تتعلق بإسرائيل ومنطقة البحر المتوسط، بحسب ما ورد في تقرير لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية.
مدير المركز شاؤول حوريف هو، العميد الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، الذي شغل عدة مناصب منها رئيس أركان البحرية ورئيس هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية، حالياً هو رئيس لمركز أبحاث السياسات والاستراتيجيات البحرية بجامعة حيفا.
هل تتعرض المصالح الإسرائيلية للخطر جراء الصين؟
وقال البروفيسور حوريف في مقابلة أجراها مع الشبكة الإعلامية الصهيونية Arutz Sheva، إنَّه من بين الموضوعات التي تطرَّق إليها المؤتمر هو الاستثمارات الصينية في موانئ البحر المتوسط، ولا سيما في إسرائيل.
وقال، مشيراً إلى أنَّ شركة صينية ستشرع قريباً في تشغيل ميناء حيفا، إنَّ إسرائيل بحاجة إلى وضع آلية من شأنها تمحيص الاستثمارات الصينية، لضمان عدم تعريض مصالحها الأمنية للخطر.
وأضاف حوريف: «عندما تستحوذ الصين على الموانئ، فإنها تفعل ذلك تحت ذريعة الحفاظ على طريق تجاري يمتد من المحيط الهندي عبر قناة السويس وحتى أوروبا، مثل ميناء بيرايوس في اليونان.
هل لهذا الأفق الاقتصادي تأثير أمني؟ نحن لا نعطي هذه الاحتمالية حجمها المناسب.
ولهذا السبب سيكون للقرار تبعات مؤثرة على إسرائيل في ظل التنافس بين الصين وأميركا
طرح أحد الشخصيات الأميركية البارزة سؤالاً في المؤتمر، حول ما إذا كان الأسطول الأميركي السادس يعد ميناء حيفا على أنه ميناء رئيسي له.
وفي ضوء الاستحواذ الصيني، لم يعد السؤال مطروحاً على جدول الأعمال، فكيف يمكن للأسطول الأميركي استخدام الميناء في ظل التنافس التقليدي بين الصين وأميركا.
وأشار حوريف أيضاً إلى أنَّ الأميركيين بدأوا يحوّلون جل انتباههم إلى بحر الصين الجنوبي والخليج، على حساب الشرق الأوسط. واستطرد قائلاً إنه من الصواب في مرحلة كهذه أن تعزِّز إسرائيل وضعها كقاعدة استراتيجية للأميركيين.
إذ يبدو أن إسرائيل فقدت صوابها.. فقد خسرت هذه العلاقة الثمينة
عُقد مؤتمر حيفا بالتنسيق مع معهد هادسون المحافظ ومقره في واشنطن، ضمَّ الوفد الأميركي العديدَ من كبار الموظفين السابقين بوزارة الدفاع الأميركية وأفراد القوات البحرية.
وبدت التصريحات الصادرة عن لحوريف أكثر حدة، عند نقلها كتابة عن الأسلوب المهذب الذي استخدمه في الحديث.
وشعر الأميركيون الذين حضروا المؤتمر، أنّ إسرائيل قد فقدت صوابها؛ إذ منحت الصينيين مفاتيح ميناء حيفا.
وقالوا إن الأسطول البحري الإسرائيلي لن يتمكن من الاعتماد على علاقاته الوثيقة بالأسطول السادس، بمجرد دخول الصين في الصورة.
فهل كان القرار محاولة إسرائيل للعب على الحبلين بين الصين وأميركا أم أن القرار اتخذ لأسباب تجارية محضة.
والأمر لا يقتصر على هذا الميناء، كما أن القرار اتّخذ دون تدخل الجهات التي يفترض أنها معنية
وفازت الشركة الصينية SIPG بالمناقصة منذ ثلاثة أعوام ونصف العام لتوسيع الميناء. من المزمع افتتاح المشروع عام 2021، وبموجبه تدير الشركة الصينية التي تدير أيضاً ميناء شنغهاي، ميناء حيفا لمدة 25 عاماً. بينما فازت شركة صينية أخرى بالمناقصة لبناء ميناء جديد في مدينة أشدود الإسرائيلية.
واتَّخذت وزارة النقل وهيئة موانئ إسرائيل تلك القرارات دون تدخل من مجلس الأمن القومي، وحتى دون وجود الأسطول البحري في الصورة على الإطلاق.
والمشكلة ليست في أن القرار يتعارض مع توجه ترمب المناهض للصين، ولكن هناك ما هو أسوأ بالنسبة لأميركا
لا تكمن مشكلة العلاقات مع الصين في التداعيات التي ستجلبها على علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة، التي تصعِّد من خطابها ضد الصين، في ظلِّ إدارة ترمب، بسبب الحروب التجارية والتوترات في بحر الصين.
يتاخم الميناء المدني في حيفا طريق الخروج من القاعدة البحرية المجاورة، حيث يرابط أسطول الغواصات البحرية الإسرائيلي (يتمتع بقدرة دفاعية لإطلاق صواريخ نووية بحسب تقارير وسائل الإعلام الأجنبية).
ومع تدخل الصينيين في مشروعات بنية تحتية كبيرة أخرى بإسرائيل، مثل أنفاق جبل الكرمل ومشروع خط السكة الحديدية الخفيف في تل أبيب، يبدو أنه لا أحد من المنخرطين في المجال الدبلوماسي أو الأمني تمهل للتفكير في العواقب الاستراتيجية لتلك الخطوات.
فلقد أصبح النفوذ الصيني هائلاً في إسرائيل، وهكذا يمكن أن تضغط عليها
تكتسب الصين نفوذاً هائلاً على البنى التحتية الأساسية في إسرائيل، وكذلك تلقي نظرة فاحصة بصورة غير مباشرة على بعض القدرات العسكرية الإسرائيلية.
وربما يضع هذا، بمرور الوقت، تحت تصرف بكين بعضَ الوسائل الممكنة لممارسة الضغط على إسرائيل، في حال شكّلت إسرائيل خطراً على مصالح بكين في المنطقة.
وترى الصين أنَّ إسرائيل بالكاد تمثل ذرّة غبار على خريطة العالم الكبرى، حسب وصف التقرير، ولكن بكين تتطلع إلى المستقبل البعيد، وتعكف على بناء المشروعات وتوسيع العلاقات كجزء من مبادرة «حزام واحد، طريق واحد» (المعروفة باسم «طريق الحرير الاقتصادي»): وهي استراتيجية ترمي إلى توسيع النفوذ الاقتصادي لبكين وترقية مكانتها العالمية.
فالصين لا تعادي إسرائيل، ولكن هكذا يمكن أن تتصادم مصالحهما، وخاصة في هذه الملفات
لا تعادي الصين بالضرورة إسرائيل، ولكن مصالحها متشابكة ومعقدة، وبالتأكيد لن تمسّ بأي حال من الأحوال المصالح الأساسية التي يقوم عليها التحالف القوي بين أميركا وإسرائيل.
ومن الأمثلة الجيدة على ذلك علاقات الصين الوثيقة بإيران، استناداً إلى خلفية استهلاكها للنفط الإيراني، لذا لا بد أن تشكل التصريحات التي قدَّمها حوريف ناقوس خطر.
يتعيَّن على إسرائيل تحديث بنيتها التحتية للنقل، ولا توجد أي مشكلة في تحسين علاقاتها التجارية مع الصين.
ولكن يظل السؤال القائم هو ما إذا كانت القرارات التي اتخذت قد أخذت في اعتبارها جميع الاعتبارات ذات الصلة، والمخاطر المحتملة، وخاصة في ضوء تفاقم التنافس الاستراتيجي بين الصين وأميركا.