إسرائيل بعد “إعلان بومبيو”: ننتظر قراراً أمريكياً آخر لطرد الفلسطينيين.. أو قتلهم
لقد تبين أن دونالد ترامب أحد الأعداء الأكثر خطورة لإسرائيل، يفعل كل ما في استطاعته لإفسادها ويجعل العالم المتنور يكرهها بشكل أكثر. ومن أجل تعميق الفساد يذهب وزير الخارجية الأمريكي بعيداً في هذا الأسبوع ويقلب الوصايا العشر رأساً على عقب. الآن عليك أن تسرق، وقريباً اقتل. ودون أي مكانة أخلاقية أو صلاحية قانونية -المجال الأخير الذي يمكن لإدارة ترامب الحكم فيه إلى درجة بيان أحكام القضاء والأخلاق– أعلن مايك بومبيو بأن المستوطنات لا تخرق القانون الدولي.
من الصعب التفكير بنكتة أكثر مرارة من هذه، فإعلان الولايات المتحدة الذي لا يخرق فيه الاغتصاب القانون، أصبح في الطريق. هل سيتحول الاغتصاب في حينه إلى أمر أكثر قانونية وأكثر أخلاقية؟ بالتأكيد لا. وهكذا أيضاً.. فالمستوطنات لن تصبح كذلك، وفقا لصحيفة “هآرتس” العبرية.
لا يوجد رجل قانون دولي مهم يوافق على إعلان الولايات المتحدة. لا يوجد حتى الآن أي سياسي في العالم، باستثناء اليمينيين في إسرائيل والولايات المتحدة، سيوافق على هذا الإعلان. الحميمية الفكرية بين إدارة ترامب وإسرائيل هي أمر علينا الخجل منه. لا يوجد لترامب وبومبيو، مثلما لا يوجد لأغلبية الإسرائيليين، أي فكرة عن المستوطنات، أو عن طريقة إقامتها وتوسعها الوحشي وأهدافها، باستثناء الدعاية التي تم تلقينها لهم من قبل اللوبي اليهودي، الإسرائيلي والأفنغلستي.
من المشكوك فيه أن مشهد مستوطنة بسغوت، مثلاً، التي قمت بزيارتها هذا الأسبوع والتي أحاطت نفسها بجدار إلكتروني كي يتمكن المستوطنون فيها بفضله من السيطرة بالقوة على مئات الدونمات من أراضي الفلسطينيين الخاصة التي تم حجزها في حدودها، ودولة إسرائيل لم تحرك ساكناً للدفاع عنها- كان سيغير شيئاً ما في موقف الإدارة الجاهل هذا. ولكن لن يبقى شخص ذو ضمير في هذا العالم مطمئناً حيال عمليات السلب والنهب الوحشية في بسغوت، مثلما هي الحال في أي مستوطنة أخرى. الادعاء بأن هذا لا يعتبر خرقاً للقانون الدولي لا يدل فقط على انغلاق أخلاقي وجهل محرج، بل هو أيضاً مهم من ناحية دولية.
بومبيو دعا بالفعل إلى إعادة الاستعمار الكولونيالي للعالم والاعتراف بالأبرتهايد. وحسب رأيه، ليس في ذلك أي شر. الولايات المتحدة قامت بتشجيع الكولونيالية الإسرائيلية وهي ستشجع الكولونيالية في أماكن أخرى أيضاً. وعن كولونيالية قانونية لم يسمع العالم منذ زمن. أما الآن فقد أعادت الولايات المتحدة خلقها من جديد.
إن معنى إعلان بومبيو هو معنى حاسم مثل حد السيف، في الساحة الإقليمية: موت آخر احتمال لحل الدولتين. إذا كانت المستوطنات قانونية فلماذا يتم إخلاؤها؟ وإذا لم تكن تخرق القانون فما السيئ فيها؟ وإبقاء القرار حول مستقبلها وقانونيتها في أيدي إسرائيل يشبه إبقاء قرار مشابه في أيدي الزوج العنيف: هو الذي سيقرر إذا كانت الضربات التي يستخدمها ضد زوجته قانونية أم لا. إذاً، هيا نسرق ونقتل، لأن أمريكا تسمح بذلك.
ولكن الحقيقة هي أن قرار حسم مستقبل المستوطنات صدر منذ زمن، حتى بدون هراءات بومبيو. ومن لا يفهم ذلك فعليه السفر في شوارع الضفة ويشاهد بعينيه. لم يولد بعد السياسي الإسرائيلي الذي كان ينوي في أي يوم إخلاءها، أو السياسي الذي سيكون قادراً على فعل ذلك في أي يوم. الرد المهين الذي يبعث على اليأس لبني غانتس الذي انضم إلى احتفال اليمين في أعقاب إعلان بومبيو جسد إلى أي درجة تم حسم المعركة على المستوطنات التي هي معركة على حل الدولتين، وذلك منذ زمن من قبل أغلبية الإسرائيليين. ولم يفعل بومبيو سوى أن وقع على تابوت الدفن.
الشرعنة الأمريكية للجريمة هي الضمانة لتخليد الاستيطان إلى الأبد، وزيادة توسعها. لا توجد مقولة موثوقة أكثر من “بسغوت” إلى الأبد و”ايتمار” من الأزل وإلى الأبد. الاستنتاج الذي لا مناص منه هو أن إسرائيل اجتازت نقطة اللاعودة ووصلت إلى نقطة الحسم الأكثر مصيرية في تاريخها، الديمقراطية أم الأبرتهايد، الديمقراطية أم اليهودية، لم يبق لها أي احتمال آخر. اختيار ترامب وبومبيو وإسرائيل واضح ومخيف، وهو أن المستوطنات قانونية، لا يوجد احتلال ولا يوجد شعب فلسطيني ولا توجد حقوق إنسان ولا يوجد قانون دولي. يمكن الانتقال إلى المرحلة المقبلة، إلى الضم والطرد. وأمريكا ستسمح أيضاً بذلك.