إذاً اقترب موعد الانتخابات التركية وأعلن حزب العدالة والتنمية عن برنامجه.. ما الجديد فيه وهل يكرر أردوغان نفسه؟
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الخميس 24 مايو البرنامج الانتخابي، الذي سيدخل فيه حزب العدالة والتنمية الانتخابات، تحت شعارَي “الوقت وقت تركيا” و“إذا كان أحد قادراً على الإنجاز فهو العدالة والتنمية”.
باختصار، ضم البرنامج سبعة فصول: النظام الرئاسي الجديد، والديمقراطية القوية، والشعب والمجتمع، والاقتصاد القوي والمستقر، والقطاعات الاستراتيجية والإنتاج المبتكر، والبيئة والإدارة الحضرية والبلديات، والسياسة الخارجية والأمن القومي.
ولم ينس أردوغان سرد سلسلة إنجازات حكومات حزب العدالة والتنمية خلال 16 عاماً الماضية، لمحاولة إقناع الناخب التركي بمصداقية العهود التي يطلقها في الحملات الانتخابية، الأمر الذي وصفه الكاتب التركي والمستشار السابق للرئيس إلنور تشيفيك بأنه نقطة القوة الأهم لدى العدالة والتنمية، وقال إن أردوغان بدأ الانتخابات من موقع قوة.
في البداية، خالف العدالة والتنمية الأحزاب الأخرى التي أعلنت أنها ستنهي حالة الطوارئ فور فوزها في الانتخابات، وقال إن العمل بحالة الطوارئ سيستمر مع الحفاظ على حقوق وحريات الأفراد، حتى تنتهي كل التهديدات التي يتعرض لها المواطنون الأتراك من قبل المجموعات الإرهابية.
تركيز على الانتخابات البرلمانية
في ثنايا البرنامج الانتخابي، أكد أردوغان سعي حزبه لتأسيس برلمان قوي وحكومة قوية في آن معاً، مشيراً إلى أن العدالة والتنمية سيدخل العصر الجديد بعقلية جديدة.
وفي حديث لـ”عربي بوست”، أشار ياسر التركي، المحلل المتخصص في الشأن التركي، إلى أن الرئيس التركي بعد ضمان حصوله على أكثر من 50 في المئة من الأصوات بالانتخابات الرئاسية، لعدة أسباب أهمها عدم وجود مرشح قوي بدرجة تشكل تهديداً له، انتقل إلى التركيز على الانتخابات البرلمانية للحصول على أغلبية في البرلمان الجديد.
وفي وقت سابق من شهر مايو/أيار، أعلن حزب العدالة والتنمية أسماء 600 مرشح عنه للانتخابات المقبلة، منهم 126 سيدة، و57 مرشحاً ومرشحةً دون سن 27 عاماً، بعد خفض الحد العمري الأدنى لدخول البرلمان من 25 إلى 18 عاماً في استفتاء أبريل/نيسان 2017.
واقعية ومثالية وتكرار
وفي حديث لـ”عربي بوست”، رأى الباحث السياسي جلال سلمي أن الخطابات في البرامج الانتخابية تتنوع بين الواقعية والمثالية الحالمة والعواطف التي تدخل في إطار القيم السياسية والنفسية، وأن برنامج العدالة والتنمية لعب على الخطابات الثلاثة، على الرغم من أنه تضمن الكثير من التكرار مقارنة ببرامجه في انتخابات عام 2014 و2015.
الواقعية تمثلت في الوعود الاقتصادية، مثل مواصلة رفع مستوى التنمية البشرية، وتتريك المنتجات وعمليات الإنتاج، وزيادة عدد المشاريع المعتمدة على التكنولوجيا عالية الجودة، خاصة الصناعات الدفاعية مثل الطائرات الحربية والدبابات، وإطلاق قمرين صناعيين وتطوير البنية التحتية لشبكة الإنترنت.
وتشمل كذلك تطوير شبكة النقل الذي يشمل انتهاء 15 نفقاً من مجموع 34 نفقاً يجري العمل عليها وبناء 9 مطارات جديدة، وتأسيس 30 منطقة خضراء في إسطنبول، وتعزيز الاقتصاد بزيادة الثقة بين المستثمرين والعمل لرفع الصادرات والإنتاج وزيادة التنافسية، ورفع الرواتب.
أما الخطاب المثالي، الذي يتعلق في العادة بقيم الوطن والروح الوطنية وأمور لا يختلف عليها المواطنون، فتمثل في شعار الحزب “الوقت وقت تركيا”، والتعهد بتغيير نظام الأمم المتحدة والتوازنات في العالم، الذي يستهدف العاطفة والشعور القومي لدى الناخبين الأتراك.
ويرى سلمي أن التكرار كان واضحاً في البرنامج بشكل عام، وفي الأطر العامة للسياسة الخارجية بشكل خاص، من الحديث عن الوقوف بجانب المظلومين في فلسطين وغيرها، إلى تأكيد الالتزام بقضية قبرص، وحفاظ تركيا على دورها كدولة ضامنة في سوريا، والتأكيد على مكافحة الإرهاب في شمال سوريا.
ومن المواد الجديدة في البرنامج الانتخابي للعدالة والتنمية، أو المطروحة لأول مرة، الحديث عن تنظيم المغتربين بشكل أكبر، ورفع مستوى الطلاب الأتراك في الخارج. وهو ملف برز إلى الواجهة مؤخراً، بعد زيارة أردوغان إلى البوسنة، ومخاطبته من هناك للجاليات التركية في أوروبا.
حدائق ضخمة بمعايير عالمية
حمل البرنامج تركيزاً كبيراً على السياسات الصديقة للبيئة في الفترة المقبلة، والمتمثلة بإنشاء حدائق ومساحات خضراء ضخمة، قال أردوغان إنها “ستوفر جودة أفضل لحياة مواطنينا، من خلال جعل مدننا أكثر قابلية للعيش”.
أبرز هذه المشاريع هي الحديقة التي ستُقام على أنقاض مطار أتاتورك، وتمتد على مساحة 11 مليوناً و776 ألف متر مربع، ووصفها أردوغان بأنها ستكون أكبر بثلاث مرات من حديقة “سنترال بارك” في نيويورك، وستفوق من حيث الحجم كثيراً من الحدائق العالمية. ويُنتظر أن يبدأ بناؤها بعد نقل حركة الطيران إلى مطار إسطنبول الجديد، الذي سيُفتتح في 29 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وتشمل الخطة حدائق ضخمة أخرى، ستُقام على أنقاض ملاعب كرة القدم التي يجري العمل على استبدالها بملاعب جديدة، في ولايات مثل طرابزون شرق تركيا وأسكيشهير غربها.
دور العبادة الخاصة للعلويين
تعهَّد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في ثنايا البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية، بالعمل لتقنين “بيوت الجمع” (Cemevi)، أو دور العبادة الخاصة بالعلويين، مشيراً إلى أن حزبه اتخذ خطوات كبيرة لدعم حقوق الطوائف وأصحاب المعتقدات المختلفة.
ورغم عدم وجود إحصائية تبين التعداد السكاني للعلويين في تركيا، فإنهم يشكلون ثاني أكبر طائفة دينية في البلاد، بعد المسلمين السُّنة.
وخلافاً للاعتقاد السائد، تختلف معتقدات علويي تركيا عن العلويين في سوريا. يرى بعض العلويين الأتراك العلوية هويةً ثقافيةً أكثر منها ديناً. وفي حين يقرأ العلويون النصوص الدينية مثل بقية المسلمين، إلا أنهم لا يصلُّون بالمساجد، وإنما في بيوت الجُمع أو غرف الصلاة، ولا يصلّون 5 مرات في اليوم.
لسنوات عديدة، كان مطلب الاعتراف القانوني بالهوية العلوية وبالحالة القانونية لـ”بيوت الجمع” والمؤسسات العلوية الأخرى، مطلباً تحمله عدة مجموعات من الطائفة العلوية، لكنَّ أياً من الحكومات لم تستجب لهذا الطلب حتى الآن.
تعهُّد أردوغان ليس جديداً
لم يلقَ تعهُّد أردوغان بتقنين “بيوت الجمع” ترحيباً من العلويين الأتراك. وقد لخّص علي كنان أوغلو، المرشح عن حزب الشعوب الديمقراطي في إسطنبول، هذا الشعور بقوله: “مذ كنا صغاراً نرضع الحليب من أمهاتنا ونحن نسمع (العدالة والتنمية) يتعهد بتقنين بيوت الجمع”.
تُعد “بيوت الجمع” دار العبادة للعلويين في تركيا، التي يمارسون فيها طقوسهم وشعائرهم الدينية، ورغم ذلك فإنها لا تحمل الصفة القانونية التي تحملها المساجد والكنائس، ويترتب عليها تقديم مخصصات مالية لها من قِبل الدولة.
في أغسطس/آب من عام 2006، طالبت مؤسسة علوية بالاعتراف الرسمي بـ”بيوت الجمع”، مثل دور العبادة الأخرى، وقالت إن مصاريفها ينبغي أن تُدفع من خلال منحة توفرها رئاسة الشؤون الدينية التابعة للحكومة التركية.
إلا أن محكمة تركية رفضت طلب المؤسسة العلوية بناء على قناعة رئاسة الشؤون الدينية بأن “بيوت الجمع” ليست دوراً للعبادة؛ بل أماكن للتجمع وممارسة طقوس روحية.
في عام 2010، أصدرت المحكمة الأوروبية حُكماً يدعو تركيا للاعتراف القانوني بـ”بيوت الجمع”، بعد دعوى رفعها عز الدين دوغان، أحد قيادات العلويين في تركيا. وأعلنت إدارات محلية بعدد من الولايات التركية اعترافها الرسمي بـ”بيوت الجمع” وتقديم الدعم لها.
وبعد 5 سنوات، أعلن رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، نية الحكومة تقنين “بيوت الجمع”، وتغطية تكاليفها من الماء والطاقة من قِبل رئاسة الشؤون الدينية، إضافة إلى تقديم الدعم للشخصيات الدينية العلوية التي تُعرف بالتركية بـ”دادا” (Dede).
وزار داود أوغلو بيت جمع ومؤسسة “حجي ولي بكتاش” الثقافية العلوية في ولاية أرزينجان شرق تركيا، واستمع إلى مطالب الطائفة العلوية وحضر بعض طقوسهم.
لم يتحقق مطلب العلويين بتقنين “بيوت الجمع” حتى الآن، رغم تكرار المسؤولين الأتراك الوعود بذلك ومواصلتهم التقرب إلى العلويين، من خلال الزيارات الرسمية المتكررة لـ”بيوت الجمع” والمؤسسات العلوية ومخاطبتهم في عدد من الخطابات الرسمية.
العلويون في السياسة التركية
تُحسب الطائفة العلوية في تركيا سياسياً على اليسار العلماني، رغم تعرضها للقمع في ظل حكم عدد من الحكومات العلمانية. ومع ارتباط القومية بالفكر المحافظ الصاعد في تركيا، تشعر الأقليات العرقية والدينية بالتهديد من الحزب الحاكم.
لكن هاورد إيسيسنستات، الخبير في الشؤون التركية من جامعة سانت لورنس الأميركية، أشار إلى أنه في حين “ينظر العلمانيون إلى أردوغان على أنه إسلامي، فإت العلويين يعدّونه سُنياً”.
وقال هاورد إن العلويين أكثر أمناً الآن في تركيا من أي فترة سابقة من تاريخهم، فقد كانوا ضحايا لقمع ومذابح بعد نشوء الجمهورية التركية وقبل ذلك أيضاً. وقد قُتل عدد المئات منهم في العنف الذي تزامن مع انقلاب عام 1980، وقُتل العشرات منهم في تسعينيات القرن الماضي.
إلا أن حكومة حزب العدالة والتنمية سعت لطمأنة هذه الطوائف، ومنها العلويون. فقد أطلق أردوغان في عام 2009، وكان رئيس الوزراء حينها، المبادرة العلوية في تركيا تحت شعار “الانفتاح على العلويين”، التي عُقدت في إطارها 7 ورشات عمل بمشاركة زعماء علويين وممثلين من مختلف فئات المجتمع واستمرت 6 أشهر.
وُصفت مبادرة الانفتاح على العلويين بأنها تحدٍّ للهوية الثقافية والعرقية الواحدة التي عزّزها مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كامل أتاتورك، والتي تعتقد أن المواطن المثالي هو التركي وليس الكردي، والسُّني وليس العلوي رغم ميولها العلمانية.
وفي 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، اعتذر أردوغان عن مجزرة درسيم بالنيابة عن الدولة التركية. وكانت المجزرة قد ارتُكبت بحق العلويين “الظاظا” في مدينة درسيم شمال شرقي تركيا، وراح ضحيتها أكثر من 13 ألفاً و800 قتيل وآلاف النازحين.
ارتُكبت المجزرة في فترة حكم الحزب الواحد، حزب الشعب الجمهوري، تحت قانون إعادة التوطين الصادر في عام 1934 والذي كان يستهدف الأقليات العرقية. ووصفها أردوغان في اعتذاره بأنها “من أكثر المآسي ألماً ودمويةً في تاريخ تركيا الحديث”.
تخوفات من أزمة اقتصادية
وبينما يُحذِّر معارضو أردوغان من أزمةٍ اقتصادية تقترب، قال دورموس يلماز، المحافظ السابق للبنك المركزي التركي والمُترشِّح للبرلمان، إن هذه السياسات “ستضع تركيا في طريقٍ مسدود. جرَّبت تركيا بالفعل الأمر نفسه في عام 1994، وهذا ما آل بنا إلى أزمة”.
يختلف مسؤولو الرئيس مع ذلك؛ إذ يُصوِّر نائب رئيس الوزراء، بكر بوزداغ، تراجُع الليرة على أنَّه مؤامرة خارجية للإضرار بالرئيس أردوغان.
فصرَّح لوكالة أنباء الأناضول شبه الرسمية، قائلاً: “مخطئون أولئك الذين يعتقدون أنَّ التلاعب بالدولار سيقودهم إلى نتائج ستضر بالشعب ودخله ونتائج الانتخابات”.
وفي أثناء حديثه مع قناة NTV الإخبارية، ألقى وزير الاقتصاد نهاد زيبكجي باللوم على المضاربين.
وقال: “لدينا الأدوات التي تُمكِّننا من اتخاذ الخطوات الضرورية بشأن السياسات النقدية وقيمة الليرة. وتمتلك المؤسسات ذات الصلة أدوات قوية للغاية”.
أحد أسباب الضغط على الليرة هو رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة وجذبه رأس المال العالمي بعيداً عن الأسواق الناشئة مثل تركيا. ويقول مُحلِّلون إنَّه يمكن إصلاح ذلك إذا ما رفعت تركيا أسعار الفائدة.
ويقول مُحلِّلون إنَّه بعد 15 عاماً من النمو والائتمان السهل، جمعت البلاد قدراً كبيراً من الائتمان الأجنبي وربما تعاني الآن لتمويله.
وتضخَّمَت ديون المؤسسات التجارية التركية من العملات الأجنبية منذ 2009، وتقع 80% من هذه الديون على عاتق البنوك التركية. ومع تراجع الليرة، تعاني تلك البنوك من أجل سداد الديون وخدمات الدين، ولم تعد تُقدِّم القروض إلى الشركات التركية.
ودخلت اثنتان من كبريات الشركات التركية، مؤخراً، في مباحثاتٍ لإعادة تمويل ديونها؛ إذ دخلت شركة Yildiz Holding، وهي شركة عالمية للحلوى والبسكويت مملوكة لأثرى رجل بتركيا، في مفاوضاتٍ لإعادة تمويل 7 مليارات دولار من الديون في مارس/آذار 2018.
وتراجَع الاستثمار الأجنبي المباشر إلى ثلث المستويات السابقة. وخفَّضت وكالات التصنيف الائتماني تصنيف الديون السيادية التركية في الأشهر الأخيرة، مُستشهِدةً بالافتقار إلى إصلاحٍ اقتصادي هيكلي وإزالة السلطات التركية للضوابط والتوازنات.
وفي تجمُّعٍ انتخابي، دعا محرم إنجة، وهو أستاذ فيزياء جامعي يُعَد المنافس الأبرز في الانتخابات الرئاسية، إلى وقف التدخُّل في البنك المركزي والتوقف عن الاستماع إلى المستشارين الذين يمنحون معلومات خاطئة.
ونصح الرئيس أردوغان بضرورة طمأنة البلاد بأنَّ الانضباط المالي العام أولوية، بدلاً من تمويل المشروعات العملاقة، إلى جانب نفي الإشاعات بشأن القيود على العملة
ويقول معارضون سياسيون إنَّ التراجع الأخير لليرة تسبَّبت فيه السلطات التركية بتجاوزها المسؤولين الماليين والبنك المركزي، خصوصاً رفض الدعوات لرفع أسعار الفائدة.
ويبلغ معدل التضخم في تركيا أكثر من 10%، لكن بدافع الحفاظ على معدلات نموٍ مرتفعة، عارض الرئيس أردوغان رفع أسعار الفائدة، وهو ما يقول المُحلِّلون الماليون إنَّ هناك حاجةً إليه؛ لتخفيف الضغط على العُملة.
وتسبَّبت آخر تصريحات للرئيس التركي في تراجعٍ لليرة، خلال مقابلته مع وكالة Bloomberg الأميركية الإثنين 21 مايو/أيار 2018، حين كشف عن نيته السيطرة بصورة أكبر على البنك المركزي إذا ما فاز في الانتخابات على منصب الرئيس الجديد الأقوى.
فقال، مشيراً إلى البنك المركزي: “منذ اللحظة التي ننتقل فيها إلى نظام حكمٍ رئاسي، ستكون فاعليتنا هناك مختلفة جداً”. وأضاف: “سنقوم بذلك حتى يمكن محاسبتنا على المسؤولية التي حصلنا عليها”.
وتابع: “عندما يقع الناس في صعوباتٍ بسبب السياسات النقدية، مَن سيحاسبون؟ سيحاسبون الرئيس. وبما أنَّهم سيُسائلون الرئيس عن ذلك، فعلينا أن نصدِّر صورة رئيسٍ مؤثرٍ في السياسات النقدية”.