أُم سريلانكية فقدت زوجها وطفليها في هجمات «عيد القيامة»
قبل أن يتولى متعهدو دفن الموتى زمام الأمور في المشهد، انتزعت أنوشا كوماري نفسها من بين أخواتها وارتمت على الأكفان الثلاثة وهي تنوح. ففي لحظة، صارت أرملة وبلا أطفال بعد هجمات عيد القيامة نفذها انتحاريون في كنائس وفنادق فاخرة في العاصمة السريلانكية كولومبو وبالقرب منها.
وبحسب وكالة “أسوشيتدبرس” الأمريكية، كانت أعداد الضحايا في كنيسة القديس سيباستيان الأعلى بين جميع الأماكن التي استهدفتها التفجيرات.
فمن بين أكثر من 250 شخصاً قُتلوا من جراء التفجيرات الانتحارية التي ألقت الحكومة باللائمة فيها على إسلاميين متطرفين، قُتل نحو ثلث هؤلاء في تلك الكنيسة الواقعة ببلدة الصيد الواقعة على ساحل البحر بينما كانوا يحضرون قداس عيد القيامة.
الشخص الذي فقد أكثر عدد من أقاربه في هجمات عيد القيامة
وربما لم يفقد أي شخصٍ عدد أقارب أكثر من كوماري ذات الأعوام الـ43، التي فقدت ابنتها وابنها وزوجها، وزوجة أخيها وابنتي أخيها في هجمات عيد القيامة الإرهابية.
وقد دُفنوا بعد ثلاثة أيام، بالقرب من الكنيسة في أرض فضاء، سرعان ما صارت مقبرة من أجل الضحايا.
غادرت كوماري المستشفى بعد أن أصيبت في التفجير، كي تدفن عائلتها. وبعد ذلك، كانت تتكئ على كرسي خيزران في منزلها، ويتصل بها أنبوب قسطرة وريدية يتدلى من نافذة مفتوحة. غطت ضمادات الشاش جسر أنفها وعينها اليمنى. فما زالت هناك شظايا في أنفها نتيجة تفجيرات هجمات عيد القيامة الإرهابية.
كان الحائط يحتوي على صورة لأطفالها، في حين ترتكز على الرف تماثيل صغيرة للمسيح والعذراء والقديس سيباستيان، وهو أحد أوائل الشهداء المسيحيين، امتلأ جسده بالجروح من سهام الرومان.
استطاعت أن ترى الطبول التي كانت لابنها مُلقاة أعلى الدَرج، وهي هدية من أبيه بعد أن حصل على تقديرات جيدة في الامتحانات. واستطاعت أيضاً أن ترى صورة مدرسية لابنتها. ظل الأقارب والجيران والراهبات طوال اليوم يدخلون إلى المنزل الكبير ويخرجون منه، ليقدموا الطعام والعزاء والصلاة.
فلقد فقدت كل شيء وباتت الآن وحيدة
قالت أنوشا: «لن تصدقوا الأمر، لكني كانت لديّ عائلة مثالية. في 24 عاماً من الزواج، لم نتنازع أنا وزوجي على الإطلاق. كنا نحن الأربعة ننام في الغرفة نفسها. والآن فقدت كل شيء».
اختلطت الدموع بالدماء التي تسيل من عينها اليمنى المضمدة. وأضافت: «كل هؤلاء الأشخاص لديهم عائلاتهم الخاصة بهم. سيعودون جميعاً إلى المنزل وسأبقى وحيدة».
قال أحد أقارب زوجها، واسمه جود براساد أبوهامي، إن عائلته واحدة من أقدم وأشهر العائلات في نغومبو ذات الأغلبية المسيحية الكاثوليكية، وكانت تحتفل بجميع العطلات الدينية والشعائر في كنيسة القديس سيباستيان، وهي كنيسة مشيدة على الطراز القوطي على غرار كاتدرائية ريمس في فرنسا.
غير أنه لم يكن داخل الكنيسة خلال هجمات عيد القيامة مع أقاربة الـ15، لأنه كان مضطراً إلى قيادة سيارة تحمل تمثال المسيح من أجل موكب يعقب القداس.
وصل جود خلال القداس وسمع الانفجار من موقف السيارات، فهرع إلى الداخل وهاله مشهد الدماء الكثيرة. صرخت فيه إحدى الناجيات من زوجات إخوته كي يساعد ابنة أخيه.
ووجدها بينما كانت عيناها مفتوحتين، لذا اصطحبها وهرع إلى المستشفى، ليدرك أنها فارقت الحياة.
وحتى من نجا من الموت في هجمات سريلانكا يعاني الآلام
نجت زوجة جود وابنته البالغة من العمر 10 أعوام، من الموت بجروح طفيفة، بعد أن كانتا تجلسان في تجويف بجدار على يسار المذبح خلال هجمات عيد القيامة الإرهابية. أما ابنته روسيري البالغة من العمر 17 عاماً، والتي كانت تجلس في المنطقة الأمامية من الكنيسة، لأنها كانت ستتلو أسفاراً من الكتاب المقدس، فقد نجت هي الأخرى ولكنها أُصيبت بتلف في الأعصاب يجعل تناول الطعام مؤلماً بالنسبة إليها.
وفي يوم الأربعاء 24 أبريل/نيسان 2019، وجدت صعوبة في استيعاب ما شهدته. فقالت: «لا أعرف كيف أفكر في الأمر. إنه أشبه بحلم».
خلال الجنازة التي أُقيمت في المقبرة المؤقتة القريبة من كنيسة القديس سيباستيان، حيث اضطر المعزون إلى الخضوع لعمليات تفتيش أمنية، كانت الطائرات العسكرية المُسيّرة تحلّق فوق الرؤوس، في حين كان القس نيروشان بيريرا يقود الصلوات من أجل الموتى.
تذكر بيريرا، الذي شبّ مع زوج أنوشا، دوليب أبوهامي، وأشقاءه، جيداً عندما كان صبياً ويذهب مع أصدقائه وعائلته إلى الكنيسة، حيث كان المؤمنون يصدّقون أن المياه قادرة على شفائهم من الأمراض.
وعندما انتهت مراسم الجنازة، استحث بيريرا الجميع على العودة إلى منازلهم بسرعة؛ خوفاً من وقوع هجوم آخر.
قال بيريرا، الذي فقد أصدقاءه وأقاربه في الانفجار، إنه لم يعد يثق بأن الحكومة السريلانكية تحمي رعاياها.